الثلاثاء 16 تموز (يوليو) 2013

لقاءات رام الله... هل هي «تطبيع سياسي» فقط؟

الثلاثاء 16 تموز (يوليو) 2013 par محمد العبدالله

على الرغم من انشغال المواطن العربي بتداعيات الحراك الشعبي المصري، ومتابعته لتطورات المشهد السياسي/ العسكري/ الاقتصادي في سوريا، وقلقه من دورة العنف الدموية التي تستهدف مناطق العراق وليبيا، ومن التفجيرات المتنقلة على الأرض اللبنانية، والأزمات الحادة في السودان واليمن وتونس والمغرب والأردن، فإن ما شهدته مدينة القدس ورام الله المحتلتان في الأيام القليلة الماضية، من حوارات بين رموز نهج الاستسلام والتبعية وقيادات مركزية بالمؤسسة الصهيونية الحاكمة لم يأخذ الاهتمام الكافي من قوى وقطاعات شعبية واسعة.

هذه الحوارات جاءت في ظلّ حملات الاعتقال الوحشية ضد مناضلي الشعب الفلسطيني، والمحاولات المستمرة لاجتياح الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية وتخريبها، وخاصة المسجد الأقصى، وإقرار خطط بناء وحدات سكنية جديدة في المستعمرات، بالإضافة إلى المشاريع القائمة على تنفيذ «المخطط المكاني» الذي يهدف الى السيطرة على العديد من أراضي القرى والأراضي الزراعية ومكامن المياه الجوفية. تبرز خطورة هذه اللقاءات/ الحوارات، من حيث توقيتها وأهدافها، في ظل ما تتعرض له بعض الأقطار العربية من هجمات استعمارية/ صهيونية/ رجعية، من خلال قوى عالمية وإقليمية، وأدوات محلية تعمل على تنفيذ مشروع التفتيت والهيمنة والتبعية والتخلف، وهو ما يشير إلى أبعاد خطيرة تمسّ أسس الصراع العربي/ الصهيوني من جهة، وتكشف من الجهة الأخرى عن مسار موازٍ للقاءات جون كيري بقيادة السلطة الرسمية (عباس وعريقات) تقوم على تنفيذه رموز أخرى من السلطة والحزب الحاكم.

في السابع من الشهر الجاري، استجاب خمسون عضواً من قيادة الأحزاب الصهيونية من «الليكود» و«شاس» وأعضاء مجالس فرعية، لدعوة وجهها لهم «تحالف السلام الفلسطيني “الإسرائيلي”»، الذي صاغ وسوّق ما عرف بـ«مبادرة جنيف» التي ظهرت للنور في شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2003، بعد لقاءات طويلة بين عدد من قادة سلطة الحكم الذاتي وحركة فتح وبعض رموز الاستسلام بقيادة ياسر عبد ربه، ومن جانب المستعمرين الصهاينة كان أبرزهم يوسي بيلين وبعض القادة الذين ارتكبوا في جيش الاحتلال الصهيوني مذابح ضد شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية. اللقاء الذي انعقد في مبنى المقاطعة (الرئاسة) والذي قاده ياسر عبد ربه «أمين سر منظمة التحرير» ونبيل شعث، عضو اللجنة المركزية في حركة فتح ومسؤول العلاقات الدولية، ومحمد المدني عضو اللجنة المركزية في فتح أيضاً، وأشرف العجرمي الذي خاطب أعضاء الكنيست في جلسة شارك فيها بضرورة الذهاب إلى مفاوضات «السلام»، ورموز أخرى من النهج ذاته، لم يكن حميمياً فقط كما جاء في كلمات الترحيب ووجبة الغداء التي أعدّت حسب التعاليم اليهودية، بل بما حمله من الاستفزاز لمشاعر الفلسطينيين وبما يفوق القدرة على استيعاب «المجاملات» في مثل هذه اللقاءات! حين عبّر نبيل شعث عن تمنياته بالشفاء للحاخام «عوفاديا يوسف» الأب الروحي لحزب «شاس» وللقوى الدينية العنصرية المجرمة بالكيان، الذي كرر مراراً «إن العربي الجيد هو العربي الميت، وإن الفلسطينيين هم أفاعٍ وحشرات»، مضيفاً بـ«ضرورة قتل الأجنّة في بطون الأمهات الفلسطينيات».
على الجانب السياسي، كانت الكلمات المتبادلة والنقاشات التي دارت تعيد إنتاج بؤس أفكار «مبادرة جنيف» السيئة الصيت في وضع أكثر تعقيداً على صعيد المنطقة والقضية، ما يتطلب نهجاً أكثر صلابة لمواجهة الهجمة، تتطلب قوى ومناضلين لا يمتّون بصلة لنهج تلك الرموز ووظيفتها. إن ما حملته مداخلة عبد ربه في اللقاء تكشف عن أهمية «الحل السياسي» الذي يهدف إليه هذا اللقاء والاجتماعات الأخرى المكملة لمهمة جون كيري، وتشكيكاً بقدرة «السلام الاقتصادي» على إيجاد الحل (الجانب الفلسطيني يرحب بجهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري من أجل استئناف المفاوضات، لكن من يصنع السلام في النهاية هما الجانبان الفلسطيني و«الإسرائيلي»). وأضاف «واهم من يعتقد أن الاقتصاد يصنع السلام، لا يوجد حل آخر غير سياسي»، مشدداً على «أن الجانب الفلسطيني مستعد للذهاب إلى أبعد مدى من أجل تحقيق سلام يقوم على حل الدولتين على حدود عام 1967»، الذي اعتبره مهماً للشعبين، من دون أن يفصح عن طبيعة هذه الخطوات. وهو ما أشار إليه من الجانب الآخر «دافيد غلاس» مستشار حزب «شاس» بقوله «السلام أصبح شيئاً ممكناً، ولكن أي اتفاق يجب أن يأتي في مصلحة الدولتين».

يكشف الواقع الراهن الذي تعيشه الجماهير الفلسطينية سراب ما تفكر به «القيادات والنخب!» التي تعيش أحلام يقظتها. لم يعد في الأرض مساحة تتيح قيام «دولة أو دويلة»_ كما يتوهم بعض دعاة بناء الدولة_، ولن يسمح المحتل الذي يحمل خطط الهيمنة والتوسع بالتنازل لأطراف ضعيفة تستجدي حقوقها.

على مدى عشرة أعوام، لم يتوقف أعضاء مبادرة جنيف ومثيلاتها عن استكمال وظيفتهم في المجتمع الفلسطيني وداخل المشهد السياسي، بسبب ضعف المواجهة السياسية/ الجماهيرية لنهجهم، وخاصة أن معظم القوى السياسية التزمت الصمت عما دار في اللقاءات. وما صدر من مواقف لبعض القوى لم يكن بمستوى الحدث «قراءة لخطورته، وكإجراءات ضد المشاركين فيه». لكن اللافت كان صدور مواقف متقدمة لبعض قادة فتح، ولعدد من اللجان والهيئات المجتمعية الرافضة والمنددة باللقاء والمطالبة بعزل عبد ربه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178353

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178353 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40