الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013

ما لأمتي.. وما لوطني.. ؟!!

الأربعاء 10 تموز (يوليو) 2013 par علي عقلة عرسان

مبارك على الأمة شهر رمضان الفضيل، ومقبولة طاعة الصائمين القائمين جميعاً، بعون الله ومشيئته .. فها قد هل علينا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
البقرة: 185 هلَّ شهر الرحمة والمغفرة وجهاد النفس قبل أي جهاد، هلَّ علينا هذا العام كما لم يهل في أشهر رمضانية خلت في السنوات الثلاث الماضية.. فقد جاء تسبقه الدماء، ومشاهد الموت والدمار والصراع المأفون المنذر بفنون من الموت والجنون تعجز عن استيعابها القلوب والأنفس، ومنها قتل المصلين في الفجر بالرصاص، إذا ما صحت روايات أعادت إلي بشاعة ما قام به المجرم باروخ غولد شتاين ضد مصلي صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي في الخليل قبل عقود من الزمن ـ ولا أقارن، لا أقارن، لا أقارن.. فالصهيوني شر كله وغيره قد يداخله الشر ـ وأتمنى من كل قلبي ألا تكون الرواية التي وردت عما حدث في مصر المحروسة أما مقر الحرس الجمهوري صحيحة.. جاء رمضان هذا العام ومعاناة العرب من بين المسلمين تتفاقم وتكبر وتتدحرج وتكبر وهي تتدحرج حتى بلغت درجة غير مسبوقة في الشام من بين أقطارهم، وتوطن الرعب والجوع، نعم الرعب والجوع، إلى جانب الحقد والثأر في قلوب خلق كثيرين من أتباع سيد المرسلين، لا سيما في مصر والشام والعراق وفي نفوس كثيرين في بلدان العرب والمسلمين تربطهم علاقات وصلات وثيقة بأشقائهم وإخوانهم في تلك البلدان، وأصبحت أرحام الأيام حبالى بما يضر ولا يسر، واستحر القتل في مواقع وشمل الدمار مواقع، وما زال زحف الموت والدمار والنار في تسارع نتيجة لغياب الحكمة، وتسارع وتائر صراعات حول السلطة والنفوذ والمصالح والأسواق وما في “المال من ترياق”، وليس من أجل رفع الظلم ومقاومة الاستبداد ورفع المعاناة عن الأطفال وانتشار الحرية والمساواة والأمن والتنمية بكل أشكالها ليستفيد منها الناس كافة في الأقطار التي “تتقاتل فيها القوى من أجل الناس والتقوى”؟!.. دخل علينا الشهر الفضيل، رمضان المبارك، هذا العام، ومصر المحروسة على نار حامية، نسأل الله أن يجعلها برداً وسلاماً على أهلها، كل أهلها، وعلى جوارها أيضاً.. وعند عتباته كانت جولة بعد جولة من جولات مباريات بين لاعبين مباشرين خلفهم مشجعون ومناصرون ومحازبون، وخلف من يقفون خلفهم من يرتدي أقنعة تخفي وجهه القبيح ويصطاد في كل ماء بدهاء، تحت شعارات وهينمات ومباركات ودعاء، وهو عدو الأمة والدين .. وقد أسفرت الجولات الأخيرة لمباريات “الحرب العربية الباردة” بين سياستين عربيتين، يظهر فيها دور بلدين عربيين جارين ثريين، أسفرت عن تحقق “ثلاثة أهداف لإحداهما ضد صفر أهداف للآخر.”، الأمر الذي هز المشهد السياسي والأمني في بلدان يطولها الصراع، وحتم إعادة النظر بحسابات بعض القوى المنخرطة في الصراع مباشرة هنا وهناك، وجعل من إعادة قراءة المشهد برمته وتوجهات الصراع في المنطقة أمراً ضرورياً، لا لجهة نهاية الفعل الدموي بل لجهة الحسم فيه وأوليات الاستهداف وآفاقه البعيدة، عسكريًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، فإما أن تتم مصالحة بين المتنافسين الذين يستقطبون قوى ويحشدونها من أجل فرض تغيير على هواهم وفرض نفوذهم ومصالحهم وهيمنتهم وجني الثروات وتنفيذ استراتيجيات في المنطقة لقوى لا يتحكمون بقرارها وإن كانوا يخدمون ذلك القرار، ومع أولئك حلفاؤهم من العرب وغير العرب.. فيوضع “الندى في موضع السيف في العلا..”، وإما أن تمضي الأيام الحبالى بالأسرار والأضرار بهم وبغيرهم وبحلفائهم وسياساتهم وخياراتهم وباستثماراتهم للمال السياسي في “الخفض والرفع”، إلى مدى لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.. بصرف النظر عن المآل وعمن يدفع الثمن الفادح ويتحمل الخسارات الكبيرة، المنظورة وغير المنظورة، على مستوى الأمة العربية على الأقل، من العرب والمسلين البسطاء، ومن دول عربية وإسلامية مستهدَفة أو منجذبة بعوامل شتى، منها ميول واستعدادات داخلية وعلاقات وصلات، نحو دائرة الاستهداف الخارجي.. لقد قست قلوب في دوائر صنع القرار ومدارج النار عمن يدفع الثمن الفادح من أبناء الشعب الذين يدفعونه: دماً وتخلفاً وجوعاً ومعاناة وتخلفاً وخوفاً وحقداً دفيناً يورث حقداً ودماً وموتاً.. إلخ، بينما يقطف الغربُ الاستعماري، والحركة الصهيونية العنصرية القذرة، وقوى عالمية أخرى تعنيها مصالحها قبل العدالة والحرية والديمقراطية والأناشيد الثورية.. تقطف كل الثمار، المادية والمعنوية والاستراتيجية والسياسية، لهذا الصراع البائس، من دون أن تتحمل أي عناء أو تخشى أية عواقب.؟!
إن أسخن جبهات المأساة الآن هي الجبهة السورية، ففي سوريا تستمر المواجهات الدامية وتتصاعد بوتيرة مريعة، وفي ظلالها يحترق الناس وهم يستجيرون من نار الاقتتال ونار تجار الأزمات ويقعون صرعى إما بالرصاص أو بالجوع من جراء غلاء الأسعار. وبينما يحقق الجيش العربي السوري تقدماً ملموساً في حمص وريف دمشق وفي حلب ويقوم بعمليات نوعية تحقق له ذلك التقدم، يقوم المسلحون بالمواجهة ولكنهم يلجأون عند الشدة إلى تفجير سيارات مفخخة في أحياء مدنية، ولا يتضرر من ذلك سوى مدنيين أبرياء يبحثون عن لقمة عيشهم، أما من يريدون التغلب عليه أو “إسقاطه” فهو بمنجى من ذلك تماماً ويعيش بأمن من جوع وخوف.!! وبينما ترتسم معالم هذا المشهد على الأرض لا نجد قراءة مسؤولة لمعطياته في السياسات المتصارعة، ولا يجعل هذا الواقع والأمر الحاصل على الأرض وهذه المأساة الإنسانية العنيفة.. لا يجعل ذلك كله قوى المسلحين ولا “والمعارضة المسلحة بجناحيها السياسي والعسكري” تواجه الواقع بمسؤولية فتقبل على جنيف 2 لعل الحوار يفضي إلى حقن الدم وبلوغ الغايات، بل يقول قائلها من اسطنبول بعد مؤتمرها الانتخابي: “لن نذهب إلى جنيف2، وننتظر أسلحة نوعية عبر السعودية لنغير ميزان القوى على الأرض، وبعدها نفكر بجنيف.”؟! إذن نحن موعودون بمزيد من الموت والدمار والجوع والخوف والبؤس، وبمزيد من الارتهان للقوة الخارجية التي تدير الصراع، وبمباريات سياسية عربية وغير عربية تتحكم بمفاتيح صنابير الدم والموت؟! وموعودون بزمن مفتوح على اقتتال لا مصلحة لسوريا وشعبها فيه، ولا دور مستقل لأبنائها المخلصين في قراره.. ومن المؤكد أن ما يجري في سوريا لم يتوقف عند حدودها الجغرافية ولن يتوقف.. فإلى أين نمضي يا ترى من خلال قراءة واعية ومسؤولة للمشهد السوري وما يحيط به؟!.
إن من يريد شراً بسوريا وتدمير قوتها ودورها القومي وحيوبتها الحضارية، ومن يريد بالسوريين بل بالشاميين، وبالعرب كافة من خلالهم، ومن يريد تدمير المقاومة العربية بكل ألوانها وأطيافها التي تتصدى للعدو الصهيوني ولاحتلال الغربيين المباشر وغير المباشر للإرادة والقرار العربيين في كثير من الأقطار.. ومن يريد أن يتخلص من كل ما يزعج “إسرائيل”، حتى لا نقول يهددها في المنطقة، سواء أكان دولة أو تياراً فكريًّا أو سياسيًّا ـ اجتماعيًّا، أو حزباً، أو فصيلاً مقاوماً، أو جبهة ثقافية عربية ـ إسلامية عضوية التواصل والتفاعل، واعية بذاتها ولذاتها ومنتمية لأمتها ومعتزة بعقيدتها، أو حتى نادٍ ثقافي أو اجتماعي سليم التوجه والانتماء.. عليه أن يأتي إلى مستنقع الموت هو وكل الإرهابيين والمتطرفين والمقاتلين المغرر بهم والممانعين بأية درجة من درجات الممانعة، وكل من يقول “لا” لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ومشاريعهما، بمن فيهم بعض من تستخدمهم تلك القوى في هذا المجال.. عليه أن يدخل المستنقع الدموي ويسبح فيه، وعليه أن يَقتُل ويُقتَل، ويبذل كل ما في وسعه للقضاء على خصمه في المستنقع.. وهكذا يزج عدو الأمتين العربية والإسلامية كل من يستطيع زجه في معترك النار وهو يقول: "تقاتلوا ومني السلاح والمال ومنكم الدم والأرواح.. تقاتلوا حتى النهاية، حتى لا يبقى لكم لا قومية ولا دين، ولا حامٍ ولا ضعين، وحتى تبقى إسرائيل آمنة ومهيمنة وقوة أعظم، ولكي أنام أنا السيد مرتاحاً مطمئناً إلى ثروتي ونفوذي وسيطرتي عليكم وعلى بلدانكم وعقيدتكم وأموالكم وكل قواكم الحية.. فهذا أمري أنا سيد السادة، ولتكن كل مفاتن بلدانكم على جيد سيدة بيتي قلادة.؟! ولا يستثنى أعداء الأمة من ذلك سوى أدواتهم التي يتخذونها واجهة لتنفيذ ما يريدون وللتنظير لما يفعلون، يلمعونها ويضربون من خلفها، ومن أولئك في السياسة والثقافة والفكر فئة متسلقة على الفكر البَّناء، والسياسة المدركة لذاتها ومسؤولياتها وأبعاد قراراتها وخياراتها، والثقافة التي تحمل هوية أمة وتجسد تاريخها وذاكرتها وشخصيتها وحضورها في صيرورة الزمن وسيرورة التقدم والنهضة .. فئة ليست ضالة مضلِّلة، منفوشة منفوخة ومنتفخة بوهم المعرفة وبتبعية فضاحة لفلسفة الانحلال ومنساقة وراء نضال الصهيوني برنارد هنري ليفي وأشباهه الرامي لإسقاط الأمة العربية بأيدي أبنائها عن طريق الفوضى المدمرة والثورية الدموية العبثية المنتشية بمشاهد الموت والتمثيل بالبشر وتدمير العمران.. والمنسحقة تحت أفكار المرحلة الأولى من نظرية ماركس ـ إنجلز التي تجاوزها الزمن ونبذتها التطبيقات السياسية في أرض الواقع، فئة تمشي ولا تدرك أين تمشي ولا كيف، وتصعر خدها بفراغ للفراغ، وتنتقد كل بنَّاء، ولم تعمل يوماً إلا على هدم كل بناء حضاري عربي ـ إسلامي عريق.. كثيرة التطبيل والتزمير والادعاء والصراخ قليلة الخير منعدمة العطاء.. تلك الفئة تلمَّع وتُرفع فيخشها من قبله وفكره خواء وتعبث بالأمة كيفما شاء أعداؤها والادعاء.
وفي الوقت الذي نجد فيه سوريا غارقة ومغرَقة في مستنقع الدم، ونجد العراق على جناحها الشرقي مهدداً باستمرار ما كان فيه قبل يومها وبتوالد ما يتوالد فيها من فتنة وبؤس، ونجد لبنان مهدداً بنار الفتنة المذهبية وما يتهدد سوريا منها يتهدده فالبيت واحد لكنه بغرفتين.. في هذا الوقت نجد مصر تُجر نحو المستنقع العفن بقوة جذب شديدة، وتلعب في ملاعبها أقطار عربية وبلدان أجنبية، وفئات ذات أغراض وارتباطات ومآرب شتى.. ونجدها مهددة ـ لا سمح الله ـ بأمر مقارب لذلك الذي يتم في سوريا، مع خلافات واختلافات في التحالفات والأهداف والوسائل والأدوات.. ونلحظ اللاعبين العرب المعنيين في الساحة المصرية على هيئة مشجعي “أهلي وزمالك”، فإما مالك وإما هالك؟! وعلى جناح مصر العزيزة، وعند مفرقها الإفريقي لا تزال النار تحرق ليبيا التي تفككت أو كادت، ودم أبنائها ما انفك يسيل..
وحكمة العرب في كل هذا مغيبة أو غائبة، فأهلها بين حليم يخاف أن ينطق، وحكيم ابتلع سم السياسة ومالها فغص ويسكت، ومسؤول في مرتبة روحية عليا، يختار الاعتكاف في وقت الحاجة إليه، ويرى أن يغيب في العزلة أو الاعتزال، أي في “نسك تصوفي سلبي” خير منه المواجهة بقوة العقل والقلب والإيمان وصلابة الصوفيين في الأزمات الطاحنات والملمات الكبار.. ومن بين أهل الحكمة وكبار الرجال من يتفرقون شذر مذر، ويقفون على ضفاف الخلاف، لا يجمعهم جامع فيقويهم ولا يشدهم إلى الإيمان بالله جل وعلا ما يجعلهم حرباً على الفتنة وأهلها، مطمئنين إلى قوله تعالى: “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ? وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” التوبة: 51 . وبأنه لا يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، فيتقدمون إلى مصائرهم بمنائرهم، وفي أفواههم آياتُهم، ولسانهم يقول مع عبد الرحيم محمود:
فَإِمّا حَياةٌ تَسُرُّ الصَديقَ وَإِمّا مَماتٌ يَغيظُ العِدى
أو يرددون مع محمود سامي البارودي:
فإِمَّا حَيَاةٌ مِثْلُ ما تَشْتَهِي الْعُلا وإِمَّا رَدىً يَشْفِي مِنَ الدّاءِ وَفْدُهُ
يا الله .. مال وطني العربي كله، وشعبي العريق كله، وتاريخي النبيل كله.. يُقبِل على دوامات الموت فوجاً بعد فوج من دون أن يتوقف فوج ليفكر في الحال والمآل قبل أن يدخل الدوامة فيحرق ويحترق.؟! ومال الحكمة والمعرفة والنقاء والانتماء في وطني تجرفها سيول الجهل والجاهلية فتنساق مع الفتنة والغوغائية، بينما يزورَّ رجالاتها الكبار المنقذون عن الحق والعدل.؟! ومال أمتى يطغى فجارها والأردياء من طغاتها وبغاتها وعملائها وتجارها على أمرها فيذهبون بها وبأبنائها إلى مهاوي الردى، فتسير كالمنومة.؟!
اللهم إليك المشتكى، وإليك الأمر من قبل ومن بعد..
ربنا ارحمنا وتقبل صيام الصائمين وقيامهم،
إنك واسع عليم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2178492

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178492 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40