الاثنين 8 تموز (يوليو) 2013

موراليس والقرصنة الغربية

الاثنين 8 تموز (يوليو) 2013 par أمجد عرار

في أواخر التسعينات كان مقرراً أن يعقد في رام الله لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز الذي لم يكن حينها يشغل منصباً رسمياً . لم تتورّع “إسرائيل” التي لم يرق لها عقد ذلك اللقاء، عن القيام بعملية قرصنة حين أرسلت طائرات حربية لتحاصر مروحية عرفات التي كانت في طريقها من غزة إلى رام الله، وأجبرتها على المراوحة في الأجواء لأكثر من خمس واربعين دقيقة قبل أن تسمح لها بمواصلة الرحلة، في حين طوقت قوات الاحتلال مدينة رام الله ومنعت بيريز من دخولها وأجهض اللقاء .

المجلس التشريعي الفلسطيني شهد مناقشات حامية بعد وصول عرفات الذي ألقى كلمة متوتّرة صب فيها جام غضبه على “إسرائيل” وعملية القرصنة التي قامت بها، ولم يبق مصطلحاً سياسياً أو مثلاً شعبياً يعبّر عن ما قامت به “إسرائيل” إلا واستخدمه، وكان مما قاله “سمحناله دخل بحماره” . لكن تداعيات تلك القرصنة انتهت في حدود الكلمات الغاضبة في المجلس التشريعي، ولم تخرج من تلك الدائرة . لم يقل النظام الرسمي العربي شيئاً، وبالتالي لم يسمع ما يسمى المجتمع الدولي بما قامت به “إسرائيل”، ولم يصدر أي رد فعل .

ما أعاد للذاكرة تلك الحادثة، القرصنة المشابهة التي قامت بها فرنسا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا تجاه الرئيس البوليفي إيفو موراليس، إذ خضعت لطلب من الولايات المتحدة ومنعت طائرته من التحليق في أجوائها خلال عودته من زيارة إلى روسيا .

ولأن اللاتينيين ليسوا مصابين بمرض البلادة العربي، كانت لهم وقفة واحدة تجاه هذه القرصنة ولم تتوقّف ردود أفعالهم، وقد نشهد المزيد منها في أية لحظة . البوليفيون اصطفوا حشوداً لاستقبال رئيسهم الذي تعرّضت حياته للخطر، والذي تعرّض للإهانة من تلك الدول المتفرعنة والتابعة لأمريكا، حيث اضطر للبقاء أربع عشرة ساعة في مطار فيينا بعد هبوط اضطراري لطائرته . هتف البوليفيون بحياته وأحرقوا الأعلام الأوروبية وطالبوا بالرد على الإهانة .

الحكومة البوليفية قررت اتخاذ كل الاجراءات القانونية دولياً، منها رفع شكوى إلى الأمم المتحدة، وإلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بل إن بوليفيا بصدد دراسة احتمال إقفال السفارة الأمريكية، وسبق لموراليس أن طرد السفير الأمريكي عام 2008 ثم الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات في مطلع 2009 بسبب تدخل الولايات المتحدة في الحياة السياسية في بوليفيا .

لم يقتصر هذا التعاطف على الشعب البوليفي بل امتد إلى الدول الأمريكية اللاتينية التي عقد اتحاد دولها قمة عاجلة في بوليفيا، لبحث سبل الرد على العنجهية الأوروبية ومظلتها الأمريكية . ومن المؤكد أن هذه القرصنة الأوروبية الموجهة أمريكياً لن تمر من دون إجراءات، لأن الحديث يتعلّق بقارة شبّت على الطوق وتمرّدت على الاستعلاء الاستعماري الغربي، وشقّت لنفسها طريق الاستقلال الوطني، وأفرزت قيادات من صلب الشعوب اللاتينية، من العمال والفلاحين والفقراء الذين تنبض قلوبهم بنبض شعوبهم، والذين أخرجوا دولهم، رغم فقرها، من دائرة التبعية للغرب إلى غير رجعة .

يحدونا أمل أن يفضي المخاض الشعبي العربي الحالي الذي يعاني من التجريبية ولا يخلو في بعض محاوره من التدخل والتوجيه الخارجي، إلى استقلال عربي حقيقي، واستعادة الكرامة العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010