الاثنين 1 تموز (يوليو) 2013

أسئلة الفتنة المذهبية “الجوّالة” ومتاهاتها

الاثنين 1 تموز (يوليو) 2013 par مأمون الحسيني

طوال القرون الثلاثة عشر الماضية، وعلى رغم الخلافات والصراعات الطائفية والمذهبية المريرة التي وسمت العصرين الأموي والعباسي وما تلاهما من عصور انقسام وتفتت وانحطاط واستعمار وتبعية، لم يشهد المسلمون تلك الهستبريا التي تعصف، راهناً، بأبناء المذهبين الرئيسيين في الديانة الإسلامية: السنّة والشيعة، التي لم تقتصر تداعياتها وترجمتها الملموسة على تناسل الأفكار المتطرفة وامتدادها في مجمل دول العالم الإسلامي، واستسهال إصدار فتاوى التكفير، ودعوة أهل السنّة والجماعة إلى “الجهاد” ضد “الأقلية المنشقّة والضالة”، أو بالعكس، وإنما تجاوزت كل ذلك إلى القتل والسحل والحرق وقطع الرؤوس وأكل القلوب والأكباد، لا بل واعتبار هذا الخلاف “المذهبي”، لدى العديد من القوى والتيارات والساسة والمشايخ، جوهر الصراع الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط التي تعيد، وإن بشكل جديد، إنتاج “المسألة الشرقية” التي انطلقت في مطلع القرن التاسع عشر، وأدت إلى نشوء كيانات دول، رُسمت حدودها في اتفاقية سايكس- بيكو، بعد انهيار السلطنة العثمانية .

بطبيعة الحال، لا يمكن لأي كان التعمية على الأسباب الذاتية التي دفعت معظم الدول العربية باتجاه الانزلاق نحو نسق الاصطفاف المذهبي، وما يقتضيه ذلك من “بروباغندا” إعلامية وشعبوية، واستحضار سلبيات الماضي التي ترفع لواء “سطوة المقدس”، وتغذي الحساسيات والعداوات بين أبناء المذهبين، بما في ذلك فشل العرب في بناء دول مدنية حديثة قائمة على مفهوم المواطنة والمساواة الدستورية التي تعلي من شان القانون والمؤسسات على حساب الانتماءات الدينية والطائفية والقبلية، فضلاً عن غياب معايير الاستقلال وسيادته، والرضوخ للمصالح الأجنبية على حساب المصالح الوطنية والحيوية لشعوبنا العربية، وغياب الديمقراطية والتعددية وعدم الاحتكام لصناديق الاقتراع وتداول السلطة وفق إفرازات الانتخابات ونتائجها، وغياب العدالة الاجتماعية، وتدني الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والمواصلات، وسوء توزيع الثروة، وإدارة الظهر للتنمية .

واستتباعاً، وتحت ظلال تعقّد المشهد المستجد الذي خلفته حرب العراق، ومن ثم مواصلة التدحرج نحو هاوية الصدام المذهبي الواسع بعد “تكويعة” حركة “الإخوان المسلمين” نحو تكريس نمط جديد من علاقة الدين بالدولة، والتعامل ببراغماتية فاقعة مع الدول الكبرى والعدو القومي للأمة العربية (الكيان الصهيوني) ومراعاة مصالحها، بدلاً من فتح فضاءات الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وبعد تحوَل سوريا إلى “أرض جهاد مقدس”، يشارك فيها مقاتلون ينتمون إلى حركات إسلامية متطرفة من نحو 29 دولة، وبعد دخول “حزب الله” على خط القتال في هذه الأرض . تحت وطأة ذلك كله، ارتفع منسوب قابلية الجمهور للعودة إلى مربعات الإثنية والطائفية والمذهبية والقبلية، وفتح الباب واسعاً أمام التحلل من المشتركات والكليات العقدية والروحية، وعلو كعب الاستقطاب السنّي على قاعدة الإحساس السهل بغلبة الكثرة العددية والقوة والثروة والسلطة، والاستقطاب الشيعي بالمظلومية التاريخية والتهميش والحرمان، ناهيك عن دخول تركيا (السنّية) وإيران (الشيعية) على خطوط استكمال مشهد الانقسام المذهبي داخل الدول، وفي ما بينها، ما جعل المشهد متخماً بالمبالغات والأوهام والتناقضات والانقسام والصراعات المرشحة للتحول إلى كرة ثلج لا توفر أتباع الديانات والمذاهب الفسيفسائية الأخرى .

غير أن كل ما سبق لا يقدّم أجوبة متكاملة ونهائية عن أسئلة الانقسام والفتنة المذهبية التي تجول في المنطقة، بدءاً من سوريا ومعاركها الدموية الطاحنة، وجوارها العراقي وتفجيراته المتنقلة، ومروراً بلبنان الذي شهد محاولة دموية جدية لتفجير حرب سنّية- شيعية انطلاقاً من مدينة صيدا، وعبر استهداف الجيش اللبناني، على يد مجموعة الشيخ أحمد الأسير المتطرفة وحلفائها من قوى “الإسلام السياسي” المتشددة، ووصولاً إلى قيام مئات من المنتمين إلى “التيار السلفي” وجماعة “الإخوان المسلمين”، وتيارات إسلامية أخرى في مصر، بإضرام النار في منزل الشيخ الأزهري حسن شحاتة، الذي اعتنق المذهب الشيعي منذ نحو عشرين عاماً، في محافظة الجيزة، ما أدى إلى مقتله وثلاثة أشخاص كانوا معه .

ما يسد ثغرات هذا المشهد الملتبس الذي يعتبره البعض بمنزلة أحد إرهاصات عملية إعادة “هيكلة الشرق الأوسط”، تحت ظلال تراجع نفوذ النظام الإقليمي العربي وتماسكه، هو دور اللاعب “الإسرائيلي” الذي تعوّد قبض ثمن الفواتير التي يدفعها العرب مسبقاً . وإذا كان ترحيب الصحافة العبرية بحرب “السوشي” (سين السنة وشين الشيعة) و”تفكك عرى مدن سوريا”، واستعداد الأردن “لحماية حدوده الشمالية”، كما يشير رؤوبين باركو في “إسرائيل اليوم”، وإبداء الارتياح لاندلاع “الحرب الكبرى في العالم الإسلامي” التي “تصرف الأنظار عالمياً عن المسألة “الإسرائيلية”- الفلسطينية التي تغدو هامشية”، وفق ما يرى المعلق العسكري في “معاريف” عمير ربابوت . إذا كان هذا الترحيب بالفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة لا يعني شيئاً بالنسبة للكثيرين، فلا بأس من إحالة هؤلاء إلى توصيات مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر الذي عقدته الدولة العبرية في الحادي عشر من آذار/ مارس الماضي والذي جاءت إحدى توصياته المتخمة بالأسافين، لتقول بالنص: “ضرورة تكريس الصراع السنّي -الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سنّي من دول المنطقة أساسه دول الخليج ومصر وتركيا والأردن ليكون حليفا ل “إسرائيل” والولايات المتحدة، ضد محور الشر الذي تقوده إيران ويضم سوريا و”حزب الله” محور الشيعة” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2165587

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165587 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010