الأحد 9 حزيران (يونيو) 2013

هل أتاك حديث العزل ؟

الأحد 9 حزيران (يونيو) 2013 par د.أحمد القديدي

من المفردات العربية المتداولة أثناء الهزات التي عاشها العالم العربي عبارة (العزل) وهي في لسان العرب تشير إلى إبعاد شيء عن شيء والتفريق بين أمر وأمر وقد وردت في الأدب العربي بهذا المعنى مجازا وواقعا أما استعمال هذا المصطلح القديم الجديد في هذه المرحلة فدل أول ما دل على عزل حكام عرب أطالوا البقاء في الحكم وهم رؤساء جمهوريات يفترض أن يتداول الناس فيها على السلطة بالإنتخاب وليسوا ملوكا إستقرت شرعيتهم على حقائق التاريخ ووفاق الشعوب فكانت بصراحة شؤون ملكهم أفضل مما أعلن من أنظمة جمهورية ليس لها من الجمهورية بالمعنى الأفلاطوني سوى الإسم وأناخت على صدور الناس بالقهر والتحيل على الدساتير بتوريث الأبناء والأصهار وتحكيم العصابات في المؤسسات.
هكذا عرفنا العزل أول ما قامت الثورات ثم تحولنا إلى قوانين سنها الحكام الجدد تنادي بعزل ما سموه الفلول في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وتوسعت هذه القوانين أو مشاريعها لتشمل بالعزل وزراء و مدراء وموظفين سامين خدموا الدولة كدولة ولم يسرقوا ولم يجرموا فكان جزاؤهم الظالم كنوع من العقاب الجماعي الذي أخل بقاعدة قرأنية كريمة وهي (ولا تزر وازرة وزر أخرى) و (كل نفس بما كسبت رهينة) فزج بعدد من الأبرياء في السجون دون محاكمات وبلا شك حوسب الظامون أيضا على ما اقترفوه لكن توسيع رقعة العزل باستمرار على هوى الأحقاد وتصريف الإنتقام أدى إلى عديد المظالم واستسلمت السلط الجديدة إلى ما يسمى بنبض الشارع وإلى الكتائب المسلحة المحيطة بمقرات الوزارات كما في ليبيا أو إلى إرادة ميليشيات فوضوية تتصرف حسب إشاعات الفيسبوك فكادت بعض دولنا تنهار بسبب إنعدام الإستمرار ونقص الكفاءة و تفشي التشفي والرمي بمجرد الظن وكأن الأنموذج العراقي الكارثي لم ينفع للتدبر والإعتبار حين دمر الأمريكان و أعوانهم الدولة العراقية عوض تحطيم منظومة القهر البعثي فلم يبق للعراق لا جيش قوي منضبط ولا إدارة ناجعة فعالة ولا جامعات علمية ولا متاحف ولا مشافي ولا نفط يضخ الخير على الناس. فكان العزل في العراق عزلة للعراق وإلى يوم الناس هذا لم تقم للدولة قائمة حيث انقسم العراق إلى طوائف وأعراق ونحل وملل وأقاليم وهاجر من هذا البلد الأمين أربعة ملايين عراقي بينما تنتج أرضهم جميع الخيرات من النفط إلى الزراعة إلى الصناعة إلى أعلى نسبة في إبداع الفكر و طباعة الكتب.
في ليبيا خضعت حكومة هشة لتهديد السلاح المرفوع على الشاحنات فصادق مجلسهم المنتخب على قانون العزل وطال هذا القانون حتى محمد المقريف رئيس نفس المجلس فاستقال الرجل وهو دامع العينين أمام تصفيق حار وقوفا من زملائه الذين يكنون له فائق التقدير... ولم ندرك أسرار هذه الأعمال التي لم نعرف بالضبط من يحركها لكننا على يقين من أن حرمان الدولة المستقبلية الليبية من كفاءات مناضلة خدمت الدولة لا القذافي وحافظت على مصالح ليبيا لا مصالح سيف الإسلام هو حرمان جائر سيفتح الباب أمام المتهورين اللابسين لبوس الثورة وربما أتى هذا القانون بقذافي ثان عديم الخبرة ليكرر نفس مصائب العقيد بإلغاء الدولة و تعويض المؤسسات بلجان أخرى شعبية أو ثورية تعيد ذات المهزلة لا قدر الله ووقى الله شعب ليبيا من شرور الإرتجال واللغو.
وفي تونس ومصر دار جدل واسع حول نفس التوجه فتقدمت بعض أطياف السلطة الجديدة بقانون سمي في تونس قانون التحصين السياسي للثورة وهو سير في طريق مجهولة نحو مظلمة تسلط على البعض حتى لو أصابت بالعدل بعض من أساؤوا للشعب وناصروا الإستبداد وسكتوا عن الفساد. فجميع من كانوا يسيرون خلايا الحزب الحاكم المنحل ليسوا جميعا لصوصا أو طغاة بل كان بعضهم يعمل لتوفير مدرسة أو مستشفى أو إعالة معوزين أو علاج مرضى أو رعاية مسنين ومعاقين. هؤلاء عرفت بعضهم وهم يحملون صفة حزبية لا يهمهم منها سوى ما يعتقدونه أداء خدمة لمواطنيهم في الأرياف والمناطق البعيدة عن مراكز المدن. وينادي العقلاء من التونسيين بإحالة كل حالة مسترابة على القضاء المستقل العادل و تلك رسالته و غايته حتى ينصف الناس من شر الناس ويجازي كل مسيء بإساءته دون تعريض أبرياء لعقاب جماعي طالما كابده الحكام الحاليون في عهود سابقة وأدانوه معلنين أن لا ظلم بعد اليوم.
أما في مصر فقد انقسمت النخبة السياسية إلى شق يريد الإنتقام ممن إعتقد أنهم ظلموه وشق يحبذ طي الصفحة بألامها وتدشين عهد جديد لا يشوبه حقد ولا يشوهه تجاوز. وما يزال الجدل قائما بين الفريقين وهو من صنف الجدل المضر بمصالح مصرلأنه لا يطمئن فريقا من رجال الأعمال الذين بإمكانهم النهضة باقتصاد مصر لكنهم ظلوا حذرين إزاء نوايا التشفي وفتح أبواب الظلم والإبتزاز. ولا يختلف الأمر في تونس و ليبيا و اليمن عن الحالة المصرية حيث انتشر مناخ من الخوف من القوانين (العازلة) التي يبدو أنها تهب على بلادنا كرياح محفوفة بالمخاطر بالرغم من نوايا أصحابها الباحثين عن العدالة الإنتقالية كسائر التحولات الكبرى وما يعقبها من هزات. والرأي عندي أن الدول الجديدة لا تؤسس إلا على نواة الدول السابقة أي على ما ظل منها محايدا و عادلا و مهنيا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010