مرت الذكرى ال65 للنكبة ثقيلة على الفلسطينيين لأنها حملتهم إلى الماضي، إلى بيوتهم وحدائقهم وبساتينهم وحاراتهم وأزقتهم وقراهم ومدنهم في الأراضي المحتلّة عام ،1948 جعلتهم يتمسّكون أكثر بمفتاح العودة الذي حملوه على مدى الأعوام ال65 الماضية وكلّهم أمل بأن العودة آتية لا محالة مهما تقادم الزمن وتجاهلهم ومهما تزايدت المؤامرات وقيل بأن حق العودة مصيره الشطب والنسيان .
ورغم أن الجيل الذي عاش النكبة وعاصرها لم يتبق منه إلا القليل، لكن الأبناء والأحفاد ساروا على نهج الآباء والأجداد بتصميم راسخ وإيمان كبير بالعودة، لذلك نجد أنهم ينسبون أنفسهم لقراهم ومدنهم الأصلية التي احتلتها “إسرائيل” وهجّرتهم منها، فهذا من حيفا وذاك من يافا وآخر من قرية أبو الفضل ورابع من المسمية، إلى غير ذلك من 480 قرية دمرها الاحتلال وهجّر أهلها بعد مجازر العصابات الصهيونية بحق أهلها .
ما يثير الشكوك والريبة هو الزعم بأن الغالبية من الثمانمئة ألف الذين هجرهم الكيان وعصاباته الصهيونية، هربوا بعد سماعهم عن المجازر الصهيونية في قرى مجاورة، لأن ذلك بعيد عن الحقيقة والمنطق، لأن “إسرائيل” ما زالت تمارس إرهابها وترتكب المجازر بحق الفلسطينيين، لكن أياً منهم لم يفكّر في الهروب أو الهجرة، بل يخرج ليواجه المحتلّين بصدره العاري من دون خوف أو وجل، بل بإيمان عميق بفلسطين وعدالة قضيتها وتصميم كبير على استعادة الحقوق مهما طال الزمان، ما يؤكد أنهم هجروا قصراً ولم يهربوا .
المؤسف هو ترويج الكثير من السياسيين والمثقفين والأكاديميين الفلسطينيين اليوم لدولة “ديمقراطية” واحدة في فلسطين، وعقد لقاءات تطبيعية مع “إسرائيليين” لهذا الغرض، ما يعني بشكل أو بآخر شطباً لحق العودة، والتنازل عن فلسطين التاريخية بجبالها وسهولها وبطاحها وبيّاراتها وبرتقالها للصهاينة، وكأن هؤلاء أوصياء على أصحابها الحقيقيين، فحق العودة أعقد من ورقة توقع ضمن اتفاقية مع “إسرائيل” لأنها تخص أكثر من سبعة ملايين فلسطيني موزعين على أصقاع الأرض، ولا يمكن لأي كان أن يسلبهم حقوقهم بجرّة قلم . أما الحديث عن التعويض فهو غير وارد في حسابات أي فلسطيني لأن الوطن ببساطة لا يشترى أو يعوّض .
لذلك نرى أن مرور الزمان يأتي بفعل عكسي في قضية حق العودة، فبعد أن راهن الكيان الصهيوني على عامل الوقت كي ينسى الفلسطينيون حق العودة ويكتفوا بالمهاجر ومناطق ال،67 نرى أن التصميم يزداد يوماً بعد آخر على استعادة الحقوق والعودة إلى مسقط رأس الأجداد في اللد والرملة وحيفا ويافا وتل الربيع والعباسية وملبس وعيون قارة وشلتة، هذا بغض النظر عن مواقف السياسيين وتقلباتهم .
من هنا فإن الحشد لإحياء الذكرى ال66 للنكبة بالتأكيد سيكون أكبر وأكثر زخماً، ولن تفلح المحاولات الصهيونية في التصعيد الميداني والتضييق على الفلسطينيين والاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى في حرف الأنظار عن الهدف الأسمى المتمثل في تحقيق المشروع الوطني والانعتاق من الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة بعاصمتها القدس الشريف وعودة كاملة غير منقوصة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم، لأن أصغر طفل فلسطيني لن يقبل بغير ذلك، وطالما أن ذلك لم يتحقق فإن باب المقاومة سيظل مفتوحاً ولن تنعم “إسرائيل” بلحظة هدوء .