الأربعاء 23 حزيران (يونيو) 2010

حول «مؤامرة» كرة القدم

الأربعاء 23 حزيران (يونيو) 2010 par سعد محيو

هل لعبة كرة القدم “مؤامرة رأسمالية” يجب قتلها؟

السؤال ليس مزاحاً، بل هو رأي جدّي طرحه مؤخراً تيم إيغلتون، أحد أبرز المفكرين اليساريين الماركسيين في بريطانيا .

قال (“الغارديان” 15 يونيو/ حزيران): “لو أن كل مركز أبحاث خرج بخطة لحرف أنظار الشعب عن الظلم السياسي وتعويضه عن حياة الأشغال الشاقة التي يعيش، فإن الحل لدى كل من هذه المراكز لن يخرج عن كونه واحداً: كرة القدم” .

فهذه اللعبة هي الوسيلة الأفضل لحل مشاكل الرأسمالية، ماعدا الاشتراكية. لا بل إن حل لعبة القدم يسبق في خطورته الحل الاشتراكي بسنوات ضوئية عدة، لأنها تجعل الناس يعتقدون أنهم سيحصلون على ماحرمتهم منه الرأسمالية: التضامن الاجتماعي، التوازن بين العبقرية الفردية وعمل الفريق، وبين التنافس والتعاون، وإطلاق الغرائز الصاخبة في شكل ولاء أعمى للفريق الوطني والعلم الوطني والنشيد الوطني .

علاوة على ذلك، وكما في مسرح بريخت، توحي كرة القدم لكل فرد من الأنصار بأنه بات خبيراً في شؤون الاستراتيجيات الرياضية ومشاركاً في بطولات كبار لاعبيها، لمجرد أنه يقفز من مقعده ليطلب من هؤلاء الأخيرين الهجوم أو التسديد أو تمرير الكرة.

لكل هذه الأسباب يدعو إيغلتون إلى “إعدام” هذه اللعبة: “لا أحد يمكن أن يكون جدّياً في دعوته إلى التغيير السياسي، يستطيع التهرّب من الحقيقة بأنه يجب إلغاء هذه اللعبة”.

بالطبع، مثل هذا الرأي يثير حنق وغضب مليارات عدة من البشر الذين يتابعون هذه الأيام المونديال لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة، بحيث أصبح هذا الأخير أشبه بإجازة بشرية جماعية من كل الهموم والاهتمامات.

ومع ذلك، ثمة معطيات تجعل مثل هذا الطرح جدّياً . فالحكومات، وبغض النظر عن كونها ديمقراطية أم استبدادية، ملكية دستورية أم جمهورية برلمانية (على رغم أن معظم الجمهوريات العربية أصبحت وراثية)، تستخدم كرة القدم بالفعل كوسيلة لتشتيت اهتمام مواطنيها نحو عدو خارجي مُفترض، ولإفراغ طاقاتهم في حماسة وهمية تتجدد كلما انتهت في إطار عالم افتراضي لا أساس واقعياً له.

الإيطالي أنطونيو غرامشي كان له الفضل في تفكيك ألغاز الطريقة العبقرية التي تفرض بها البورجواية والطبقات الحاكمة هيمنتها (Hegemony) الإيديولوجية على بقية طبقات المجتمع، من خلال التلاعب بالبنية الفوقية (الثقافة، التسلية، الفكر والإعلام . . إلخ).

والرياضة، وفي طليعتها كرة القدم، أبرز هذه الوسائل، تماماً كما كانت “رياضة” المصارعة حتى الموت ورمي المسيحيين إلى الأسود، الطريقة المُفضّلة لدى الأمبراطورية الرومانية لإلهاء شعب روما عن اهتماماته السياسية.

هل يعني كل ذلك أننا نوافق على إصدار حكم الإعدام على كرة القدم؟

كلا . تماماً كما لم نوافق في السابق على “إعدام” أم كلثوم حين اتهمها العديد من اليساريين العرب بأنها أحد المسؤولين عن هزيمة ،1967 وبأنها “تُلهي الجماهير عن واقعها المرير”.

فالرياضة وُجدت منذ أن وفّر الإنسان لنفسه الطعام والشراب وبات يبحث عن وسيلة لتمضية ما تبقى من عمره في التسلية واللعب بدل التفكير في الموت والنهايات . إنها بتعبير آخر، نوع من الردود الفلسفية الشعبية على المأساة الوجودية للإنسان.

صحيح أن هذا الرد عابر ومؤقت وموسمي . لكنه رد في خاتمة المطاف.

ثم نصيحة لتيم إيغلتون: لا تتجوّل هذه الأيام كثيراً أمام الملاعب، ولا تناقش العامة بأمور كرة القدم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2165440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010