الجمعة 26 نيسان (أبريل) 2013

توازن قوى إقليمي جديد

الجمعة 26 نيسان (أبريل) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

أثارت صفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة إلى الكيان الصهيوني تكهنات عدة بخصوص الهدف من هذه الصفقة، البعض حاول التقليل من شأنها واعتبرها مجرد صفقة تجارية هدفها إنقاذ الاقتصاد الأمريكي المتداعي، لكن البعض الآخر، وعلى النقيض، اعتبرها مؤشراً إلى استعدادات جادة بحرب باتت وشيكة ضد إيران، لكن هناك من قال إن الصفقة وإن كانت لها أبعاد اقتصادية حقيقية، فإن أنواع الأسلحة الجديدة التي سوف تسلّم إلى الكيان من ضمن هذه الصفقة، أسلحة متطورة جداً ولها علاقة بما يمكّن الكيان من شن حرب على إيران إن إراد ذلك من دون مشاركة أمريكية مباشرة .

هذا الرأي الأخير استند إلى معلومات جرى تسريبها عمداً، عن تلك الأسلحة الجديدة خاصة تلك الطائرات التي تزود بالوقود جواً من طراز “Kc - 132” ومروحيات “أوسبري V-22” وصواريخ حديثة ومنظومات رادار . فقد ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن هذه الصفقة التي ستمنح ل”إسرائيل” والتي تبلغ قيمتها 3،1 مليار دولار ستوفّر ل “إسرائيل” وسلاحها الجوي قوة أكبر وأداء أفضل، موضحة أن مروحية “أوسبري” فريدة في نوعها في العالم فهي تقلع وتهبط مثل مروحية “عمودياً”، وتطير مثل طائرة، كما استند إلى تصريح شديد الأهمية والأول من نوعه جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي الجديد تشاك هاغل قبيل بدء زيارته الأولى إلى المنطقة منذ توليه منصبه، فقد صرح في حديث صحفي أن “واشنطن ترى في إسرائيل” دولة مستقلة في قراراتها لحماية نفسها من الاعتداءات التي تهدد أمنها ووجودها . هذا التصريح اعتبر بمرتبة تصريح أمريكي باللجوء إلى الحل العسكري ضد إيران، وهو ما كانت ترفضه واشنطن طوال الأعوام الأربعة الماضية من الولاية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما، هذا التصريح وتلك الأسلحة الجديدة وخاصة الطائرات التي تزود بالوقود في الجو والقذائف المتطورة، أعطت في مجملها قناعة بأن “إسرائيل” أصبحت جاهزة لشن الحرب، فالأسلحة موجودة، والموافقة الأمريكية جرى الحصول عليها، والرغبة ليست متوافرة أو ملحة فقط، بل شديدة الإلحاح استناداً إلى تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وأفيغدور ليبرمان وزير الخارجية السابق رئيس لجنة الأمن والسياسة الخارجية في الكنيست والمرشح المنتظر لحقيبة وزارة الخارجية في حكومة نتنياهو الجديدة وغيرهما من العسكريين والسياسيين، لكن الواقع غير ذلك لأسباب كثيرة .

أول هذه الأسباب أن تلك الصفقة الجديدة من الأسلحة الأمريكية المتطورة لن تسلّم إلى الكيان حسب صحيفة “معاريف”، قبل سنتين من الآن وعلى أفضل توقع في العام ،2015 ثانيها أن تصريح تشاك هاغل وزير الدفاع الأمريكي المشار إليه، جرى اقتطاعه من سياقه العام، فهو وإن كان قد تحدث عن حق “إسرائيل” في اتخاذ القرار الذي تراه لمصلحة أمنها، فإنه بالنسبة إلى خيار الحرب على إيران تحدث في نقطتين، الأولى محل اتفاق مع قادة الكيان وهي منع إيران من امتلاك سلاح نووي، والثانية محل اختلاف وتتعلق بتقدير المرحلة من تطور البرنامج النووي الإيراني التي إذا ما وصلت إليها إيران تعد خطاً أحمر، أو إعلاناً بالخطر وعلامة على الدخول في مرحلة إنتاج السلاح النووي التي ترى واشنطن عندها أن الخيار العسكري بات حتمياً، فقد تحدث هاغل عن توافق تام بين واشنطن و”تل أبيب” في رؤية الخطر من التسلح الإيراني النووي، لكنه قال إنهما “على خلاف في وجهتي النظر بشأن الجدول الزمني لتطوير الخبرة النووية الإيرانية وتوقيت توجيه ضربة عسكرية”، أما السبب الثالث وهو الأهم، فهو أن الولايات المتحدة ليست في وضع يمكنها من التورط في حرب جديدة بالمنطقة بعد فشلها في حربها ضد كل من أفغانستان والعراق، وهو فشل يتعلق بإخفاق واشنطن في هندسة المنطقة حسب مشروعاتها الإقليمية التي أرادت، وهي مشغولة بإعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة وفق هندسة جديدة تؤسس لمشروع إقليمي أمريكي جديد في الشرق الأوسط .

المقصود بالهندسة الجديدة لنظام الشرق الأوسط فرض معادلة توازن قوى جديدة لمصلحة أطراف بعينها، ورسم خرائط جديدة للتحالفات وللصراعات في الإقليم، انطلاقاً من التعديلات الراهنة والمحتملة لموجة الثورات العربية وما أسقطته من نظم وما فرضته من تطورات .

وفق هذه الرؤى تبدو الولايات المتحدة حريصة الآن على التخطيط لهندسة جديدة لإقليم الشرق الأوسط، تأخذ في اعتبارها كل تلك التداعيات الموجودة والمحتملة، وهدفها حماية المصالح الأمريكية في الإقليم بما ينسجم مع الاستراتيجية الأمريكية العالمية الجديدة المتجهة إلى إقليم الشرق الأقصى لمواجهة خطر البروز الجديد للصين كقوة عالمية منافسة، وخطر احتمال تكوين محور عالمي آسيوي يضم الصين مع كل من روسيا والهند وبعض دول وسط آسيا الشريكة في “منظمة شنغهاي” . .

الولايات المتحدة تدرك أبعاد الظهور الإيراني القوي في المنطقة، وتدرك مخاطر عدم الاستقرار في مصر وبعض دول الثورات العربية، وتدرك إلى أي مدى ستكون تداعيات سقوط النظام السوري، في الداخل السوري وفي دول الجوار المحيط بسوريا، وتدرك أن سوريا ليست ليبيا، وبعثرة ترسانة الأسلحة السورية الهائلة في أيدي أطراف مجهولة، ستكون تداعياتها على الاستقرار الإقليمي أفدح من كل ما حدث في ليبيا، لأن هذه الأسلحة قد تصل إلى أطراف معادية للكيان، أو إلى أطراف تؤثر في الأمن والاستقرار في دول جوار حليفة لواشنطن، في وقت تشتعل فيه المواجهات داخل العراق .

هذا الإدراك يفرض على واشنطن أن تحافظ على مسار الحوار مع إيران على برنامجها النووي، ولعل هذا ما دفعها إلى القبول بجولة تفاوض عاشرة بين “مجموعة دول 5+1” وإيران، رغم فشل الجولة الثانية لمفاوضات المجموعة مع إيران في ألمآتا عاصمة كازاخستان الشهر الماضي .

يبدو أن تفسير صحيفة “هآرتس” لصفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة على أنها صفقة “تهدئة” من واشنطن إلى “تل أبيب”، هدفها طمأنة الكيان كي يشعر بالأمن الذي يريده ويتوقف عن التخطيط لحرب ضد إيران تراها واشنطن غير مفيدة، أو على الأقل “غير مطلوبة الآن”، فالمطلوب هو تحقيق الاستقرار الإقليمي عبر تلك الهندسة الجديدة وتوازن القوى الجديد بتحالف أنقرة و”تل أبيب” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165451

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165451 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010