الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

الدرس الروسي!!

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013 par علاء حمودة

هل هي نبوءة الفناء من قلب صراع الأضداد أم انه فرز ودفع للناس بعضهم بعضا؟!.. إنها الحيرة القاتلة التي لا تترك للمرء اختيارا في تفسير ما يجري على الساحة من تناقضات مفزعة الا الاعتقاد أن عقارب الساعة ربما اختارت التمرد على نواميس التاريخ وحركته لتدور إلى الوراء بسرعة مدهشة، وفي ذلك آية من آيات الله في منطقتنا المنكوبة بالمتناقضات والصراعات، بلقائها التاريخي في سياق واحد لتحول (الاختلاج) من عيني العربي إلى تلافيف عقله، وتكسر اشارات المرور في عقله ذهابا وإيابا، لتكسر كل قواعد العقل والمنطق في فهم ما ظنناه ربيع حرية وكرامة فوجدناه ذروة خريف الاستبداد والتبعية، وفي ما حسبناه فورة ثورة وصحوة صدتنا الثورة المضادة والردة الانتكاسية، وفي ما تعشمنا بأنه حاضنة الثوار والباحثين عن الحرية فزكم أنوفنا بروائح الموسم البيولوجي لتكاثر العملاء وتجارة الإرهاب.
لا بأس من تزايد التناقضات، لتغلب المرء أمراض النفس بانفصام حاد في الشخصية، فيصبح مواطنا صالحا بالنهار ومجرما من عتاة المجرمين تحت جنح الليل، فتلك موضة عصر اخترنا أن نغلبه بالثورات والانتفاضات فغلبنا بالتناقضات والأضداد والمؤامرات، فلا مفر اذن من أن تنسدل أستار ليله احد أيامه قبل اشراقة نهاره متشفيا منتقما متندرا بـ (الستينات وما ادراك ما الستينات؟!!)، ثم يدهش النظارة بركوبه قطار أيامها من عربته الأخيرة دون بطاقة هوية أو مسوغات اعتماد، ليصل به إلى واحدة من محطاتها الخارجية وهي روسيا، حيث تتوالد وتتداعى المعاني بـ “عبدالناصر” و“السد العالي” و“التسليح” و“المصانع”، وتتدافع الأسئلة كـ“طلقات الكلاشينكوف” الروسي 7.62 X 39.. هل هي الكراهية حبا؟! أم أنه غرام أو انتقام؟!!
انه ربيع (القرد والقرداتي) و(جهاد المناكحة) الذي يفرض علينا فرضا تجاوز المضحكات المبكيات بل وتجاهل (عقد مزمنة) و(مركبات نقص مستحكمة) تجاه التاريخ، ولنقل حسنا تلك الخطوة ظاهريًّا من الرئيس محمد مرسي في تنويع دائرة علاقاته الدولية، ففيها محاولة للمصالحة مع التاريخ ونظرة جديدة للمستقبل، لكن فيما يبدو ان ادارته لدفة الأمور اختارت الهروب للأمام واقتطاع مساحة مما تظنه جماعته فراغا سياسيًّا وتاريخيًّا في مصر والعالم بعد وصولهم الحكم، فكان أن ادارت الجماعة وخبراؤها ظهرهم لأرشيف التاريخ القريب والبعيد، ولم يلتفتوا لاختيارات نظامهم السياسي منذ مطلع حكمهم، مُصرين على الاستمتاع بـ (حمام شمس) عند (الدب الروسي)، فكان بديهيًّا أن تتجمد أطراف التحرك أمام حقائق التاريخ والواقع الراهن والجيوسياسة، وتبدو رحلة روسيا بلا هدف أو مضمون أو نتيجة جدية.
بالطبع، لن ننزلق كثيرا وراء شهوة متابعة موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) وهو يحمل تناقضات صورة الاستقبال الكبير الذي حظي به الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر في مطار موسكو والاستقبال الذي لقيه الرئيس الحالي محمد مرسي بمطار ولاية “سوشي” الروسية من عمدتها (فقط)، ففي تلك المقارنة ظلم تاريخي كبير لعبدالناصر ومرسي من حيث الفوارق الجوهرية تاريخيًّا وسياسيًّا وعلى صعيد الامكانات والمؤهلات السياسية، لكن يبدو أن خبراء الإخوان ومنظريهم السياسيين لم يعدوا للزيارة الإعداد اللازم، فنسوا أو تناسوا حكم المحكمة الروسية العليا لجمهورية روسيا الاتحادية في الـ 14 من فبراير 2003 بأن تنظيم الإخوان المسلمين يعد تنظيماً إرهابيًّا، وهو ما يخلع عن الزيارة أي طابع رسمي يحظى بالاستقبال اللائق برئيس مصر، ويحصرها في سياق الزيارة الودية وغير الرسمية، لأن الاستقبال الرسمي ـ وببساطة ـ يضع بوتين تحت طائلة المساءلة القضائية.
تاريخيًّا، فإن القيادة الروسية وخلال مباحثاتها مع مرسي لم تنقض ماضيها السوفييتي القديم رغم تفكك كيانه، حيث تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن التعاون بين الاتحاد السوفيتي السابق ومصر في عصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكيف كان عبد الناصر رئيسا لكل المصريين، ولم يسمح بالاعتداء على أي رمز من رموز الأرثوذكسية فى عهده، وهي لفتة تستحق الانتباه من حيث إعادة تذكير مبطن بماض الصراع بين عبدالناصر والإخوان وكلمة مرسي الشهيرة عن تلك المرحلة التاريخية (الستينات وما أدراك ما الستينات)، ومن ناحية أخرى كانت أحداث الكاتدرائية في مصر ودور القيادة المصرية حاضرة خلال الزيارة، هذا في ضوء العلاقات الراسخة بين الكنيسة القبطية المصرية ونظيرتها الروسية.
المدهش أكثر، أن الاخوان وقبل رحلة مرسي الروسية، لم يبنوا جسورا دولية تؤهلهم لعبور الخلافات التاريخية، بل اختاروا منذ اللحظة الأولى اختيارا أميركيًّا صرفا في الكثير من الملفات، وتجاوزوا التناقضات العميقة بالبروتوكولات والإحراج السياسي، فهل مثلا غابت عن فطنة روسيا دور الفرع السوري لجماعة الاخوان فيما تشهده سوريا من دمار ومحاولات تفكيك، أو تخلي ادارة الاخوان عن الفرصة التاريخية للحل في هذا الملف الشائك، واعتمادها لغة الخطاب الأميركي منذ اللحظة الأولى في المصادرة على المطلوب والدعوة لرحيل الأسد، وهي أمور لا تجعل من مجرد رفض التدخل الخارجي في سوريا أو تفهم الموقف الروسي تكأة روسية لمساندة نظامه.
الحق، ان الاخوان اختاروا أن يناوروا ويصعدوا على أكتاف تاريخ ليسوا صناعه أو شركاء في صناعته بل في ألد ألوان الخصومة السياسية معه والرغبة في دفنه، واختاروا أن يشتبكوا مع تفاعلات عصر ليسوا رجاله وغير مؤهلين للعب دور الرقم الصعب في معادلته، واكتفوا من متاع الدنيا بما تبقى من سمعة مصر ومكانتها والدعم الأميركي وحراسة بوابة اسرائيل وفق شروط جديدة تعيد انتاج الماضي.. ربما تصلهم الرسالة ويتعلموا الدرس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 59 / 2178823

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2178823 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40