الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

تحديات الفكر القومي العربي

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013 par د. خليل حسين

في خمسينات وستينات القرن الماضي شهد الوطن العربي مداً قومياً عربياً لافتاً، بفعل العديد من الظروف الذاتية والموضوعية التي أحاطت بالمجتمعات العربية في مختلف دولها وأنظمتها . وتمكنت بعض حركاتها وأحزابها السياسية من الوصول إلى السلطة وممارستها بدعم شعبي تفاوتت قوته بحسب التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته . غير أن العديد من التطورات المتصلة بالأوضاع الإقليمية والدولية وكذلك الداخلية أعادت الفكر القومي العربي إلى بدايات مربكة متعلقة بقدرة هذا الفكر على الاستمرار بنفس الأدوات التي استعملت سابقاً، وبالتالي طرح العديد من الأسئلة المقلقة التي يصعب الإجابة عنها في ظروف كالتي تمر بها الأمة العربية حالياً .

لقد كان لقيام “إسرائيل” أثره في تأجيج الفكر القومي العربي في الذاكرة الجماعية للعرب، فاصطفت الجماهير العربية ونخبها ومثقفوها وراء الأحزاب القومية العربية باعتبارها الأدوات الكفيلة بتحقيق آمال الأمة، لكن سرعان ما تبيّن في ما بعد انحراف بعضها عن البوصلة وتوجهها نحو تركيز دعائمها في السلطة، فيما كانت الأحداث والتطورات تتسارع بشكل مطرد، وفي الوقت الذي لم تتمكن هذه الأحزاب من اللحاق بها ازدادت هزائمها بمواجهة “إسرائيل” كما تعمّقت الهوّة في الداخل بينها وبين مجتمعاتها، إلى أن أصبح الفكر القومي العربي لافتة وشعاراً للحكم ووسيلة للبقاء فيه، ما أعطى الفرص الثمينة في مراحل لاحقة للكثير من الأحزاب العقائدية لا سيما الدينية للظهور وبقوة على حساب أحزاب استلمت السلطة لعقود ولم تتمكن من تطوير عقيدتها ووسائل حكمها .

جاء الحراك المجتمعي العربي في الآونة الأخيرة ليعيد خلط الأوراق في المجتمعات العربية ونظمها، لكن من دون طرح بدائل قابلة للحياة، ما أفسح المجال للأحزاب والحركات غير القومية وبالتحديد الإسلامية لقيادة هذه الحركات والوصول إلى السلطة في بعضها، في موازاة ذلك كان الفكر القومي العربي وأحزابه تشهد ضموراً وتراجعاً مخيفين ما ترك الساحة مفتوحة ومن دون عناء لخصومه التقليديين والتاريخيين لأن يفعلوا بهم ما عوملوا به سابقاً من تهميش وقهر واستبعاد .

لكن المشكلة لا تكمن هنا بالتحديد، أي التهميش والقهر، بل إن المشكلة الآن لا تكمن في التحديات الداخلية لجهة الأحزاب التي استلمت السلطة عنوة منها، بل تكمن في التحديات الخارجية أيضاً وبشكل يصعب مواجهته إلا بإعادة النظر لمجمل أدوات المواجهة وطرقها ووسائلها .

فحالياً لم تعد “إسرائيل” الوحيدة التي تتحدى العرب وأيديولوجيتهم، بل إن ثمة فواعل إقليمية لا تقل بأساً وقوة وهي فاعلة حتى في أدق تفاصيل حياتهم السياسية اليومية، بل نكاد نجزم أن العرب يعيشون هذه الأيام في كوكب آخر ينتظرون فرجاً لن يأتي أبداً . فالعثمانية الجديدة التي وصلت بلبوس إسلامي تحاول إسقاط تجربتها واستنساخها في مجتمعاتنا العربية التي خبرت سابقاً مثيلاً لها في مواجهة الأحزاب القومية في غير بلد عربي، كما تواجه تحديات أخرى من نوع إسلامي آخر يبدو أكثر تشدداً في استعمال أدوات المواجهة نفسها مع “إسرائيل”، ويعتبرها بعض العرب خطراً موازياً للخطر “الإسرائيلي”، فالفكر القومي العربي غائب عن السمع أو الكلام وبالتأكيد الفعل .

إذاً، ثمة تحديات من النوع الثقيل الذي يجب علينا نحن العرب مواجهتها والإجابة عن أسئلتها التي تتسم وتصل في بعضها إلى حدود خطر الوجود من عدمه، فهل بات بالإمكان إعادة قراءة واقعنا وتقديم الجديد فيه؟ وقبل ذلك هل نحن العرب مستعدون للاعتراف أولاً أن ثمة مشكلة تواجهنا وينبغي الإفصاح والمصارحة وحتى المجاهرة بها بيننا؟ وهل نحن قادرون حالياً وفي هذه الظروف على إعادة إنتاج فكر قومي قابل للإحاطة بمشاكلنا كافة؟ وقبل هذا وذاك هل لدينا القدرة على إعادة إقناع مجتمعاتنا وحتى نخبنا ومثقفينا به؟

يبدو أن ثمة صعوبات هائلة تواجهنا لدى التفكير بهذه الأسئلة وما يستتبعها من خيارات ممكنة، لكن في المقابل علينا الاقتناع أولاً وأخيراً، أن الحل يكمن في التغيّر وليس التغيير، بمعنى أن علينا أن نغيّر أولاً ما في أنفسنا قبل أن يحاول الغير تغييرنا . ثمة أمم وشعوب ودول سادت ثم بادت، وبعضها نهضت بعدما كانت أثراً بعد عين، لكن ذلك ترافق مع اقتناع مبدئي لدى مفكريها ونخبها، أن التغيّر ينبغي أن يسبقه إعادة نظر بمجمل قواعد تفكيرنا وفكرنا وسلوكنا بشكل يتناسب مع ما أحاط ويحيط بنا من متغيرات وتحديات . صحيح أن ثمة طريقاً طويلاً وشاقاً ، لكنه يبقى أفضل بكثير من العيش في كوكب آخر على أمل العودة منه ظافرين منتصرين ولو افتراضياً .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178261

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178261 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40