الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

هل ينجح أوباما في تسوية الصراع؟

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013 par غسان العزي

لقد بات معروفاً في أوساط المراقبين الدوليين أن الولايات المتحدة التي انسحبت من العراق، وقريباً من أفغانستان قد نقلت أولوياتها الاستراتيجية إلى حوض الباسيفيك حيث التهديد الصيني لمصالحها ومكانتها الدولية . هذا لا يعني عزمها على الانسحاب النهائي من الشرق الاوسط بل على تحريكه إلى درجة أدنى في سلم الأولويات .

لكن اللافت أنه إذا كانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قد قصدت آسيا، وتحديداً الجوار الصيني، في جولتها العالمية الأولى بعد تسلمها لمهامها في العام ،2009 فإن جون كيري ذهب إلى أوروبا والشرق الأوسط في إشارة إلى عزم إدارته على بذل الجهود اللازمة لتسوية الصراع الفلسطيني - “الإسرائيلي” . حتى إن تعيين كيري نفسه، وهو الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، حمل الكثير من الدلالات على التوجهات الجديدة للإدارة في الشأن الدولي وعودة الاهتمام بأوروبا والشرق الاوسط .

وبالفعل، فإن أوباما توجه إلى فلسطين المحتلة ومنها أطلق عدداً من التصريحات والمواقف التي خال أنها تفتح الطريق أمام عودة المفاوضات المتوقفة منذ العام ،2010 أي في بداية ولايته الأولى . وتبعه كيري الذي أبدى الكثير من التصميم والتفاؤل، ليس في التوصل فقط إلى سلام قال إنه ما يزال ممكناً بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، بل إنه، كما زايد عليه نتنياهو، أبدى عزماً على إنهاء هذا الصراع مرة واحدة وإلى الأبد . أكثر من ذلك، فإنه وعد بالعودة إلى المنطقة بعد أسبوعين فقط وبالقيام بجولات مكوكية على غرار ما سبق وفعله وزير الخارجية الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر هنري كيسنجر .

بعيداً عن نظرية المؤامرة، واعتبار أن ما يفعله الأمريكيون هو اللعب في الوقت الضائع إتاحة في المجال أمام “الإسرائيليين” لتغيير الحقائق على الأرض بغية جعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً، دعونا نصدّق الأمريكيين ونبدي النوايا الحسنة حيال ما يسعون إليه . فالسلام في الشرق الاوسط لا يشكل حائلاً دون مصالحهم حتى لا نقول إنه يتفق وهذه المصالح . الرئيس أوباما قام بخطوات تنم عن رغبة حقيقية في مدّ الجسور مع العالمين الإسلامي والعربي في بداية ولايته الاولى . يكفي أن الرئيس محمود عباس كان أول زائر أجنبي إلى البيت الأبيض وقتها، ويجوز التذكير بخطابي أنقرة والقاهرة ورسالة التهنئة بعيد النيروز لإيران قيادة وشعباً، وغيرها من الإشارات الإيجابية . وللتذكير أيضاً، فإن أوباما اختار جورج ميتشل الدبلوماسي المخضرم كمسؤول عن ملف التسوية وقد بذل الرجل جهوداً مضنية لكنها باءت بالفشل، وهو الذي لم يفشل في ملف تفاوضي واحد في حياته .

وقبل أوباما جعل الرئيس كلينتون من التسوية الفلسطينية -”الإسرائيلية” هدفاً وجودياً لنفسه لدرجة أنه “حبس” باراك وعرفات في كامب ديفيد، في العام 2000 في الأيام، بل الساعات الأخيرة من حكمه، وقام بكل الجهود لدفعهما نحو أرضية مشتركة، لكن الرجل أصيب هو الآخر بفشل ذريع .

لماذا فشلت كل الإدارات الأمريكية في حل هذا الصراع، رغم أن العالم عرف تسويات لصراعات مستعصية موروثة من الحرب الباردة وما قبلها؟

من دون التشكيك في إرادة “الوسيط” الأمريكي يمكن القول إن السبب هو بكل بساطة أن الفلسطينيين والعرب ابتلوا بعدو لا مثيل له في العالم كله، من حيث قدراته على ممارسة الضغوط الفاعلة على القوة الأعظم، لا سيما ما يتعلق بقراراتها المتعلقة بالشرق الأوسط . لقد تحطمت إرادة أوباما على صخرة عناد نتنياهو في ما يتعلق بالاستيطان وبقي رئيس القوة الأعظم، ومعه كل زعماء أوروبا وحلف الاطلسي، في عجز مدقع عن ليّ ذراع نتنياهو . ورغم أن هذا الأخير جاهر بتأييده لرومني منافس اوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن هذا الأخير انتقل إلى القدس ليصالحه ويقدم له عربون الإخلاص والولاء عبر تصريحات من قبيل تأييد يهودية “إسرائيل” وعاصمتها القدس الموحدة، وأن المصالحة بين “حماس” والسلطة الفلسطينية ممنوعة، وغير ذلك مما يخالف أبسط قواعد القانون الدولي والامم المتحدة ومبادىء مدريد وغيرها . هكذا بضربة واحدة قضى أوباما على إمكانية عودة المفاوضات وهو الذي جاء لإحيائها، قبل إرسال وزير خارجيته لهذا الهدف .

بالطبع، استقبلت الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة الزائرين الأمريكيين بلاءاتها وشروطها المعروفة التي لايمكن لأي مفاوض فلسطيني أن يوافق عليها . ومن يعرف طبيعة هذه الحكومة اليمينية يدرك أنها لن تتراجع قيد أنملة، بل إنها ستزايد على من سبقها في دعم الاستيطان وتوسيعه . وإذا كان كيري يعول على دور تركي في مفاوضات مستقبيلية فإن تسيبي ليفني وزيرة العدل “المعتدلة” رفضت أي دور لأنقرة المنحازة للفلسطينيين، وزاد زميلها في الدفاع بالقول إن ما فعلته تركيا لن ينساه “الإسرائيليون” رغم المصالحة والاعتذار .

بمعزل عن النوايا الأمريكية، فإن “إسرائيل” لا تشعر بضرورة تقديم التنازلات في وقت يميل ميزان القوى لمصلحتها، فالعالم العربي منهك ومنهمك بحماية نفسه من مخاطر تفتت وتقسيم وغيرها، والاتحاد الأوروبي ملتحق بالسياسات الأمريكية العاجزة عن ممارسة أي ضغط على “إسرائيل” في غياب لوبي عربي فاعل في واشنطن أو خارجها . وإلا، فماذا يعني هذا الضعف الذي يبديه أوباما وهو الذي، رغم أنف نتنياهو، انتخب لتوه لولاية ثانية لا تزال في بدايتها؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165866

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165866 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010