الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013

استقالة فياض وارتباك الخطاب الفلسطيني

الثلاثاء 23 نيسان (أبريل) 2013 par د. يوسف مكي

الصخب الذي أثير حول استقالة رئيس حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، الدكتور سلام فياض، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها، تثير تساؤلات كبيرة حول الأهداف التي تقف خلفه، فقد بدا نموذجاً كاريكاتورياً للمراوحة بين تراجع واندفاع، غاب عن صناعة القرار الفلسطيني، منذ عقود عدة .

قيل إن استقالة فياض، هي احتجاج على محاولة الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، إقناع وزير المالية، نبيل قسيس بالتراجع عن استقالته، التي قبلها رئيس الحكومة ، ما أثار غضب الأخير، ودفع به إلى تقديم استقالته .

الاستقالة ذاتها لم تكن موضوع الصخب، كذلك . ولكنها تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، التي طالبت ببقاء فياض في منصبه . فقد أثارت هذه التصريحات حفيظة الرئيس الفلسطيني، وطاقمه في الحكم . فالقيادي في فتح، عزام الأحمد، وصفها بالإهانة المخجلة، وشاطره كبير المفاوضين، صائب عريقات الغضب فقال إنها تدخل سافر في قضية فلسطينية بامتياز، من غير المسموح لأحد التدخل فيها . والتحقت حركة حماس، بقافلة الغاضبين، فكرر المتحدث باسمها، سامي أبو زهري، ما قاله عريقات، إن استقالة فياض، هي شأن داخلي لا يجوز لأحد التدخل فيه .

مطلب كيري، لم يذهب في النهاية، في مهب الرياح . فسلام فياض سيواصل مهمته كرئيس لحكومة تصريف أعمال . وليس هناك ما يؤكد مغادرته لموقعه في الأيام أو الأسابيع أو حتى الشهور القليلة المقبلة، بما يعني في نتيجته خضوع السلطة الفلسطينية للإملاءات الأمريكية، التي أثارت الضجة، بما يجعل المراقب يصل حد الجزم، بأن هناك أسباباً أخرى، غير معلنة للزوبعة المثارة .

الحديث عن التدخل الأمريكي سواء في الشؤون الداخلية الفلسطينية، أو في دول الطوق يبدو أمراً مستهجناً، بعد أن وضع قادة هذه الدول جل أوراقهم في السلة الأمريكية، وقالوا إن 100% من أوراق الحل هي بيد الإدارة الأمريكية . ولم تكن تلك سياسة عابرة، بل أمر واقع، حكم الصراع العربي- الصهيوني منذ حرب أكتوبر عام 1973م، حتى يومنا هذا .

في أول لقاء بين الرئيس المصري الراحل، أنور السادات بمستشار الرئيس نيكسون لشؤون الأمن القومي، هنري كيسنجر، أبلغ الرئيس السادات المسؤول الأمريكي بالانتقال الاستراتيجي في السياسة المصرية، الذي استند إلى ثلاثة عناصر: حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وأن بلاده ترى أن كل أوراق الحل بيد أمريكا، وانتقال علاقات مصر الاستراتيجية من الاتحاد السوفييتي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية .

حدث الفصل بين القوات على الجبهتين المصرية والسورية، بعد حرب أكتوبر مباشرة، برعاية أمريكية . وتعهد كيسنجر للكيان الغاصب، أن لا مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، قبل رفعها الراية البيضاء والتخلي عن الكفاح المسلح، والاعتراف بالكيان الصهيوني . وبناء على هذا التعهد، رفضت الإدارة الأمريكية أي دور للفلسطينيين في مفاوضات التسوية . وتمسك الرئيس كارتر بذلك التعهد، فرفض مشاركة الفلسطينيين، في مباحثات السلام التي أدت إلى عقد معاهدة كامب ديفيد بين الحكومة المصرية و”الإسرائيلية” .

أجبرت المقاومة الفلسطينية، على الرحيل عن بيروت، إلى مناطق بعيدة عن هدفها . واندلعت انتفاضة أطفال الحجارة، لتنقل مركز الجاذبية في الصراع الفلسطيني، من المخيمات في الخارج إلى الأراضي المحتلة .

ورغم بسالة الانتفاضة، والصدى الإيجابي الذي حققته على الصعيدين العربي والعالمي، وإبقائها جذوة الكفاح الفلسطيني حية وقوية، فإن الرئيس الفلسطيني الراحل، نفذ حرفياً ما تعهد به كيسنجر، وألقى خطاباً من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ، تعهد فيه بالتوقف نهائياً عن الكفاح المسلح، وكرر عدة مرات في ذات الخطاب نبذه للعنف . بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فأزيلت من الميثاق الوطني، كل المواد التي تؤكد مطلب تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، وتلك المواد التي تعلي من شأن الكفاح المسلح، ووافق على الاعتراف بشرعية قيام دولتين، على أرض فلسطين التاريخية .

أتاحت تلك التحولات المجال لفتح باب حوار أمريكي، في تونس، لم يتعد مستوى السفير، استمر شهوراً قليلة، ثم أعيد غلق الأبواب الأمريكية أمام منظمة التحرير، تحت ذرائع بائسة .

ومرة أخرى، تدخل الأمريكيون برضا فلسطيني، في مؤتمر مدريد، بعد حرب الخليج الثانية، وحددوا شروط التفاوض، وعدد الأعضاء المتفاوضين، ونوعية الملابس التي يرتدونها، حيث منعوا من لبس الكوفية الفلسطينية، وذكر المناطق التي ينتمون إليها وأسمائها .

عقدت مفاوضات سرية لاحقاً في أوسلو، بإشراف نرويجي بين منظمة التحرير ومندوبين عن الكيان الغاصب، لكن حديقة البيت الأبيض، هي التي رعت توقيع تلك الاتفاقية، بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون . وفي المباحثات الماراثونية، لتطبيق مواد اتفاق أوسلو برعاية الرئيس كلينتون، أبدى عرفات امتعاضه من التحيز الأمريكي لمصلحة “إسرائيل”، فما كان من كلينتون سوى إبلاغه أنه إذا لم يكن سعيداً بالرعاية الأمريكية لهذه المفاوضات، فعليه اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لانتزاع مطالبه . وكانت ردة فعل عرفات هي العدول عن الاحتجاج، والقبول بالتحيز الأمريكي .

وقائمة التدخلات الأمريكية بالشأن الفلسطيني طويلة، وقائمة المطالبات بالتدخل الأمريكي من قبل قادة منظمة التحرير، وعلى رأسهم “أبومازن” طويلة أيضاً . واقع الحال، أن هذه القيادة، كانت تشكو حتى أيام قريبة، من زيارة كيري للمنطقة، من تجاهل إدارة الرئيس أوباما للقضية الفلسطينية، وتطالبه بالتدخل فيها . وقام كيري مؤخراً بزيارة للأراضي المحتلة ولتل أبيب . بالتأكيد لم تكن تلك الزيارة للاستجمام، وهي أيضاً لن تكون تماهياً مع تطلعات الشعب الفلسطيني، بل عمل استباقي بهدف لجم أي احتمال لانتفاضة فلسطينية ثالثة، وهو احتمال توقعه كثير من المراقبين والمتابعين لمسيرة الكفاح الفلسطيني .

الخطاب الفلسطيني، جاء مرتبكاً ومتناقضاً، بين مطلب وإلحاح فلسطيني مستمر على الإدارة الأمريكية للتدخل في أصغر صغيرة من الشأن الفلسطيني، إلى احتجاج على مناشدة بإبقاء رئيس حكومة السلطة الفلسطينية في منصبه . وهو ارتباك يعكس حالة العجز عن صياغة استراتيجية عملية لتحقيق صبوات الفلسطينيين . وهو في نتيجته انعكاس للعجز عن المزاوجة في النضال بين حمل راية المقاومة، بكل أدواتها، والتفاوض من موقع القوة . وما لم تتحقق هذه المزواجة فليس أمام الخطاب الفلسطيني سوى المزيد من القلق والارتباك .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165818

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165818 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010