الاثنين 15 نيسان (أبريل) 2013

الإسلاميون والإدارة الأمريكية

الاثنين 15 نيسان (أبريل) 2013 par د. عبد الاله بلقزيز

راجت، منذ سنوات عدة، معلومات عن اتصالات تجري، بواسطة “رعاة عرب وإقليميين، بين الإدارة الأمريكية وجماعة “الإخوان المسلمين” في مصر وسواها من التنظيمات الإسلامية السياسية في البلاد العربية . لم تكن المعلومات دقيقة عن نوع الحوار الجاري بين الطرفين، الذي ضُرِب عليه تكتم شديد من قبلهما معاً . وقيل حينها، تفسيراً له، إن الإدارة الأمريكية تجرب فرضية من فرضياتها السياسية - الموضوعة سلفاً ضمن روزنامة خياراتها - هي فرضية عزل قوى التطرف الأصولي من طريق مفاوضة القوى الإسلامية المعتدلة، وتشجيعها على المشاركة في الحياة السياسية، والتفاهم معها على قضايا خلافية تتعلق بالإدراك المشترك، وبالموقف السلبي من الغرب والسياسات الأمريكية . . إلخ . وما كان أحد يتوقع، حينها، أن تنتهي الاتصالات إلى أكثر من “الاستمزاج” الأمريكي لرأي الإسلاميين، فالإدارة تلك لم تكن قد حسمت خياراتها بعد في نوع التعامل مع قوى “الإرهاب” الإسلامية، وكانت لاتزال منخرطة في حربها الأمنية ضدها، و-بالتالي - لم يكن أفق الاتصالات بالإسلاميين ليتجاوز تحسس استعداداتهم للتفاهم .

ولكن يبدو أن الأمور سارت بسرعة تفوق إيقاع التوقّع، فانتقلت الاتصالات إلى تفاهمات، والتفاهمات إلى اتفاق وتعاون من أجل إدارة مرحلة جديدة في المنطقة العربية بعد إزاحة بعض النخب الحاكمة من السلطة . وإذا كان من غير المشكوك فيه أن الرعاة الإقليميين للحركة الإسلامية، وللحوار بينها وبين الإدارة الأمريكية، نهضوا بدور في إقناع الإدارة بفائدة ذلك الحوار في تليين مواقف الإسلاميين، وإنضاج التفاهم بين الفريقين، فإن الذي لا مْريَةَ فيه أن الأمريكيين لم يكونوا بعيدين، تماماً، عن إدراك فوائد التعاون مع إسلاميين كانوا، دوماً، حلفاء لهم في الماضي القريب: في المعركة ضد الشيوعية والناصرية والحركة القومية العربية، بل وتعاونوا معهم حتى في أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق: حيث كان الفرع العراقي ل “الإخوان المسلمين” (“الحزب الإسلامي”)، في جملة القوى المتعاونة مع سلطات الاحتلال، والعاملة في مؤسساتها (“مجلس الحكم الانتقالي” مثلاً) .

والمثير في مسألة العلاقة الجديدة بين الإدارة الأمريكية والتيارات الإسلامية (من المدرسة السياسية الإخوانية خاصة)، أن المهتمين بأمرها، وهم كثر، ينشغلون كثيراً بأسئلة تتعلق بالأسباب التي تدفع إدارة أوباما إلى نهج سياسة التفاهم والتعاون مع التيارات الإسلامية، بعد طول قطيعة، والمراهنة على هذه التيارات لإدارة أنظمة الحكم في بلدان رئيسة في المنظومة العربية، وما عساها أن تكون حساباتها في هذا التغيير المفاجئ في مواقفها . . إلخ . وظني أن مثل هذه الأسئلة قد لا يعنينا كثيراً، بقدر ما يعني الرأي العام الأمريكي، أو هو لا يعنينا بمقدار ما تعنينا أسئلة أخرى أدعى إلى الاهتمام وأوكد، وأوّلها السؤال عن الأسباب التي تدعو “الإخوان” وبقية التيارات الإسلامية إلى أن تقبل التعاون مع الإدارة الأمريكية، والاتفاق معها على شروط تسلّم السلطة في البلاد العربية التي تسلّمتها فيها . وليس لقائل أن يقول، هنا، إنها استلمتها بتفويض شعبي عبر صناديق الاقتراع، فلقد حصل ذلك أيضاً في جزائر نهاية العام ،1991 وفي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في العام ،2005 ولم ينعم الإسلاميون بالسلطة لأن أمريكا رفضت الاعتراف بنتائج صناديق الاقتراع، خلافاً لما يحصل الآن تماماً .

ويتفرع من هذا السؤال الأصل، كما يبرره، أسئلة أخرى ليست في حكم الافتراضية، وإنما يقوم عليها دليل من الواقع، ومن تجربة حكم التيارات الإسلامية اليوم . ومن هذه الأسئلة:

لماذا تغلق النخب الإسلامية الحاكمة ملف الصراع العربي - الصهيوني وقضية فلسطين، إما من طريق تكريس الاعتراف بمعاهدات الصلح مع الكيان الصهيوني، إما من طريق الصمت المطبق على جرائم جيش هذا الكيان في الأراضي المحتلة؟ والسؤال هذا مشروع بالنظر إلى أن هذه القضية كانت في جملة موارد الشرعية التي حظيت بها التيارات الإسلامية، سابقاً، بوصفها - أو هكذا صورت هي نفسها - تيارات رافضة لاتفاقات الذل والعار، ومناهضة للتسوية، وداعية إلى الكفاح المسلح لتحرير الأرض من النهر إلى البحر! هل كان هذا الصمت من الشروط التي طُلَبتْ منها والتزمت بها؟

ولماذا تحرص هذه النخب الجديدة على احترام “الاقتصاد الحُرّ” وسياسات الخصخصة وكأنها من ثوابت الوطن! وكأنها أدعى إلى الالتزام من التخطيط الاقتصادي وتدخُلية الدولة لحماية حقوق الفقراء والكادحين، وتأمين العدالة في توزيع الثروة؟ أين شعارات العدالة الاجتماعية، ورفض الاقتصاد الرّبوي، والدفاع عن “اقتصاد إسلامي” بديل التي أمطرتنا بها الحركات الإسلامية في العقود الثلاثة السابقة؟ هل كان احترام النظام الرأسمالي والليبرالية الوحشية من الشروط التي التزمت تنفيذها النخب الإسلامية في اتفاقاتها غير المعلنة مع الإدارة الأمريكية؟

ثم لماذا دخلت السياسات الاقتصادية لهذه النخب نفق صندوق النقد الدولي (مثلما كانت الحال في عهد حسني مبارك)، هل لأن الإسلاميين لا يملكون - تماماً - برنامجاً اقتصادياً، مثلما زعموا، فما كان عليهم سوى أن يطبقوا برامج الأنظمة السابقة - في مصر وتونس وسواهما - أو أن تنفيذ هذه السياسة الانتحارية، يتسلّموا التي يمليها صندوق النقد الدولي، كان مطلوباً منهم كي يتسلموا السلطة؟

أسئلة يفرضها واقع تجربة الإسلاميين في الحكم، وعليهم أن يجيبوا عنها وحدهم، بعد أن اختاروا أن يكونوا في السلطة وحدهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 32 / 2177786

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2177786 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40