السبت 13 نيسان (أبريل) 2013

(السلام الاقتصادي) وخرافة السلام

السبت 13 نيسان (أبريل) 2013 par عوني صادق

بعد ثلاثة أيام من زيارته لها، غادر وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، فلسطين المحتلة “مفعماً بالأمل”، وهو الذي جاءها “مستكشفاً”، فغادرها “مكتشفاً” أن “السلام بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين ممكن”! بعد عشرين سنة من “عملية السلام” والمفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية، يتبين لكيرى أن “إقامة السلام ممكنة”، ولكن على أساس أنه “إذا أمكننا تلبية احتياجات “إسرائيل” الأمنية، وهي حقيقية، وأمكننا تلبية تطلعات الفلسطينيين إلى دولة، وهي حقيقية، يمكننا الوصول إلى وضع يكون من الممكن فيه إقامة السلام”!

أي كلام ذاك، وأية أحجية يرميها في وجوهنا وزير الخارجية الأمريكية؟ أتراه يتذاكى علينا، أم يريد أن يبلغنا بالطريقة الأمريكية أن إقامة “السلام” الذي يعيد الحق الفلسطيني (وفقاً للشرعية الدولية وليس لغيرها) هو المستحيل بعينه؟ لقد قال لنا إن “من الممكن إقامة السلام” بشروط، أولها “تلبية احتياجات “إسرائيل” الأمنية”، لكنه لم يقل لنا ما هي بالضبط هذه “الاحتياجات”، وكيف يمكن تلبيتها في وقت يعرف فيه أن تلبيتها ستؤدي إلى إلغاء إمكانية قيام “دولة فلسطينية”، إلا إذا كان المقصود إطلاق اسم “دولة” على “أي شيء” غير “الدولة” . ولأن الأمر كذلك، لم تتصل “أل التعريف” بها، وهو ما يذكرنا بالقرار 242 والسيئ الذكر اللورد كرادون! أما نحن فنعرف أن كل شيء تريده “إسرائيل”، ويكون منافياً للحقوق الفلسطينية والقانون الدولي، تضعه تحت بند “الاحتياجات الأمنية” . وإذا كانت شروط نتنياهو لمجرد استئناف المفاوضات، كما ذكرت صحيفة “معاريف” هي: “تجميد الخطوات الأحادية الجانب في الأمم المتحدة، ووقف التحريض، ووقف الخطوات الداخلية الرامية إلى تحقيق المصالحة بين “فتح” و”حماس”، والاعتراف ب”إسرائيل” دولة يهودية” . . . إذا كانت هذه شروط استئناف المفاوضات، فماذا سيتطلب الأمر للتوصل إلى اتفاق “ينهي الصراع مرة واحدة وإلى الأبد”، كما قال نتنياهو للوزير الأمريكي؟

لذلك، كان لا بد أن يتجاوز كيري الحديث في السياسة والمفاوضات، وأن يذهب إلى منطقة يتفق فيها مع “رؤية” نتنياهو للحل، أو خطوة على طريق استبدال السلام ب”السلام الاقتصادي”، وهي في الأصل “رؤية” أمريكية، أو أمريكية- “إسرائيلية” قديمة ومشتركة، لذلك كذبت “معاريف” عندما خرجت تقول: “كيري يتبنى السلام الاقتصادي”! فالمعروف أنه قبل “اتفاق أوسلو”، وقبل أن تبدأ “عملية السلام”، كانت “الرؤية” الأمريكية تفيد بأن “تحسين ظروف معيشة السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة” هو “الوصفة” الصحيحة لحل الصراع وتحقيق السلام . وليس عجيباً أن يعود كيري بعد كل السنوات، أن يجمل نتائج زيارته بقوله: “اتفقنا بأننا سنقوم بجهود جديدة، ومحددة للغاية لدفع التنمية الاقتصادية، وإزالة العوائق والحواجز الموجودة في ما يتعلق بالتجارة في الضفة الغربية” . وليس غريباً أيضاً على “العقلية النيوليبرالية” القائمة على التجارة المعولمة والسوق والشركات العابرة القومية، أن تفكر على هذا النحو . ويبدو أنه لا ترد على ذهن كيري، أو ذهن رئيسه، قضية اسمها “الاحتلال الإسرائيلي”، وإن وردت فلا بد أن ترد على أساس أنه ليس لها “حل سياسي”، غير سياسة “فرض الأمر الواقع” “الإسرائيلية”، ومن خلال أدوات “النيوليبرالية” القائمة على التجارة والمشاريع الاقتصادية، وتسيير الحياة اليومية للسكان .

يعتقد البعض أن “إسرائيل تواجه حالة من فقدان الاتجاه”، في ظل الحكومة الجديدة التي أفرزتها انتخابات الكنيست السابعة عشرة، وأن التغييرات التي جلبتها “أنتجت حالة عاجزة عن تقديم إجابات حاسمة للقضايا الكبرى”، وأن “إسرائيل” ستستمر بعقلية “إدارة الأزمة وليس حل الأزمة” . لكن الحقيقة أنه منذ احتلال ،1967 والحكومات “الإسرائيلية” تعد احتلالها “أزمة” وتديرها على هذا الأساس، ليس لأنها كانت، أو هي اليوم، “تواجه حالة من فقدان الاتجاه”، بل لأنها لا تريد لهذه “الأزمة” حلاً لا يتفق مع أطماعها ومخططاتها التوسعية . وكانت منذ أول يوم للاحتلال، ولا تزال، جادة في فرض الوقائع على الأرض لتجعل الحل الذي لا تريده مستحيلاً، ولتفرض “الأمر الواقع” الذي تريده من دون الوصول إلى اتفاق سلام . لقد جاء في آخر تقرير إحصائي صادر عن “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطييني، صدر يوم 29/3/،2013 أنه حتى نهاية ،2011 بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية (536،932)، نصفهم يسكنون القدس . وفي الوقت نفسه يستغل “الإسرائيليون” الذين يشكلون (51%) من السكان في فلسطين التاريخية (85%) من المساحة الكلية لأرض فلسطين .

وأثناء وجود جون كيري في تل أبيب، التقى زعيم “البيت اليهودي”، نفتالي بينيت، أحد أبرز ما أنتجته انتخابات الكنيست الأخيرة، وزير خارجية كندا، جون بيرد، وقال له: إن “الدولة الفلسطينية بحسب التصور الحالي لن تقوم”، مضيفاً: ويجدر بنا أن ننتقل إلى الخطة الثانية “التي تبدأ من الشعب وليس بالدبلوماسية، وفي صلبها الاهتمام بمستوى المعيشة للفلسطينيين وبحرية الحركة لهم”! ها هو صوت جديد وقوي آخر ينضم إلى نتنياهو، (إضافة زعيم “يوجد مستقبل” يائر لبيد الذي احتل المكان في الانتخابات)، ليعلن أن “السلام الاقتصادي هو الحل”، ولنتأكد بعد ما خرج به كيري من زيارته أن “السلام” ليس أكثر من خرافة .

ويبقى لنا تساؤل مشروع: لماذا سفر الوفد العربي إلى واشنطن في 29 الجاري، خصوصاً أن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قالا إن الوفد ذاهب للبحث في “إنهاء الاحتلال” استناداً إلى “المبادرة العربية للسلام”، التي قال كيري بخصوصها: إنها “ليست أساساً للمفاوضات” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2165458

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165458 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010