الثلاثاء 9 نيسان (أبريل) 2013

مهما عَظُمَ الكيان سيُهزم

الثلاثاء 9 نيسان (أبريل) 2013 par د. فايز رشيد

من يستمع إلى خطابات وتصريحات نتنياهو ومعظم القادة “الإسرائيليين” يلمس بلا أدنى شك مدى الغرور والفوقية وشعور العظمة فيها، إنهم يهددون كل دولة وكل زعيم أو سياسي ممن يقفون ضد “إسرائيل” . إنهم يتبجحون كثيراً، ينطلقون من أنهم يقودون دولة كبرى، دولة عظمى ولا يرون كل الآخرين إلا من خرم إبرة . لكن الحقيقة أن “إسرائيل” قويت بسبب عوامل الضعف العربي ليس إلا . بنيان “إسرائيل” من داخلها سيظل هشا حتى لو امتلكت كل عوامل القوة والتدمير . هي دولة كانت وستظل مصطنعة مهما عظمت .

إن كل الحروب التي خاضتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين والعرب حرصت فيها على نقل المعارك إلى أراضي العدو، بعيداً عن جبهتها الداخلية والمناطق التي تحتلها في منطقة 48 . ذلك ليس مصادفة بالطبع وإنما أصبح معروفاً للقاصي والداني . بالمعنى الاستراتيجي فإن الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” لا تحتمل حرباً تُشن عليها .هي لم تتعود تحمل تداعيات الحرب لأسباب عديدة من أبرزها، أن ارتباط “الإسرائيلي” بالأرض الفلسطينية التي يعيش عليها هو ارتباط هش وغير عقائدي (حتى وإن بدا كذلك بالنسبة لمعسكر القوى الأشد تطرفاً) .

“الإسرائيليون” يدركون حقائق الولادة القسرية ل”إسرائيل”، ويعرفون أن أصحابها الأصليين كانوا، ومازالوا وسيظلون يطالبون بها ويناضلون من أجل تحريرها .

في أحد استطلاعات الرأي “الإسرائيلي” كانت أجرته صحيفة “هآرتس” فإن 40% من “الإسرائيليين” يفضلون الهجرة منها . مهما جرى في تفسير أسباب ذلك ومنها الاقتصادي بالطبع، لكن أحد العوامل المستقرة في أذهانهم أن “إسرائيل” تفتقد إلى عنصري الأمان والاستقرار التاريخيين . لذلك أيضاً فإن الإحصاء الذي جرى نهاية العام الفائت من قبل جامعة “تل أبيب” أظهر ارتفاعاً كبيراً في نسبة الحاصلين على جنسية ثانية من “الإسرائيليين” . سامي ميخائيل الباحث “الإسرائيلي” في الشؤون الاستراتيجية والأديب (العراقي الأصل) الذي ترجمت بعض كتاباته إلى العربية، قال في مداخلة له في مؤتمر الرابطة الدولية للدراسات “الإسرائيلية”، الذي عقد في حيفا أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي: “بإمكان “إسرائيل” أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور . يوجد خطر حقيقي على “إسرائيل”، إذا لم تدرك القيادة الحالية بحقيقة أن “إسرائيل” ليست موجودة في شمالي أوروبا، وإنما في المركز النشط للشرق الأوسط المعذب، هذا الذي ليس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهنا . وشددنا ليل نهار على أن هذا المحيط مكروه منا أيضاً . قد نفقد كل شيء، ودولة “إسرائيل” ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني” .

أبراهام بورغ ابن الحاخام يوسف بورغ الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، رئيس الكنيست بين الأعوام 1999-2003 المنافس لإيهود باراك مراراً على زعامة حزب العمل، الذي تولى مناصب وزارية عديدة في “إسرائيل” ومنصب رئاسة الوكالة اليهودية في سنوات طويلة ، قال لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في المقابلة التي أجراها معه الصحافي أري شاليط ونشرت يوم 8 يونيو/حزيران 2007: “إن يهودية دولة “إسرائيل” ستقرب نهايتها . . .إن “إسرائيل” دولة فاشية وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم . . .إن أكثر من نصف النخب “الإسرائيلية” لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة “إسرائيل” وفي النهاية نصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية . تصريحاته أحدثت هزة في “إسرائيل” بأرقام خيالية من مقياس ريختر .

كثيرون من الكتاب “الإسرائيليين” تطرقوا إلى الارتباط الهش بين “الإسرائيلي” ودولته منهم: إسرائيل شاحاك، إيلان بابيه، ومن الشخصيات العامة: المحامية التي اشتهرت بدفاعها عن المعتقلين الفلسطينيين في السبعينات وبداية الثمانينات فيليتسيا لانغر، التي هاجرت مع عائلتها في ما بعد إلى ألمانيا الغربية (آنذاك وقبل توحد شطري ألمانيا) . معروف أن بابيه يقيم في لندن .

إن من الأسباب التي تجعل “إسرائيل” حريصة على خوض المعارك في أراضي الغير (العدو) هي افتقادها إلى المدى الجغرافي الاستراتيجي، فهي موجودة في ارض فلسطين التاريخية، في وسط من العداء الشعبي العربي لها بسبب من عدوانيتها وعنصريتها وفاشيتها وجرائمها وقبل كل شيء اغتصابها فلسطين .

من ناحية ثانية: فإن المسافة بين شرق فلسطين المحتلة حيث نهر الأردن، والبحر الأبيض المتوسط ناحية الغرب (الخط الذي يمر من نابلس) لا تتجاوز 72 كم ، وفي الجنوب 117 كم، وبالتالي فإن هذا يسهل من هزيمتها في موازين الحروب الرسمية إذا ما جرت (هذا وفقاً لآراء العسكريين الاستراتيجيين) .

من الأسباب التي تقف وراء الحرص “الإسرائيلي” على نقل المعارك إلى أرض الغير، أن “إسرائيل” بنت استراتيجيتها على الحرب السريعة والخاطفة، فهي لا تحتمل الحروب الطويلة . وذلك حين تم توجيه الصواريخ في عدوانها على لبنان وغزة في عامي ،2006 و2012 إلى جبهتها الداخلية، فإنها بادرت إلى طلب التهدئة أو الهدنة من خلال الوسطاء .

من الأسباب أيضاً، افتقاد الشارع “الإسرائيلي” إلى “البنية المجتمعية” التي في الغالب تكون موحدة في تاريخها وتراثها وحضارتها . كل ذلك ينطبق على دول العالم كافة باستثناء “إسرائيل” التي أنشئت قسراً واغتصاباً للأرض الفلسطينية . بالتالي جرى تجميع اليهود من دول العالم، من أمريكا إلى إثيوبيا (ويعتزمون إحضار مهاجرين ممن يدّعون أنهم يهود من الهنود الحمر في أمريكا) من دون وجود روابط حقيقية مشتركة في ما بينهم سوى الانتماء للديانة اليهودية (التي كانت وهي كذلك وستظل ديانة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الشعب، القومية، الأمة مثلما تحاول “إسرائيل” تسييد هذه الأوصاف على شارعها) .

هناك مقولة تحتاج إلى نوع من التوضيح وهي، أن “الإسرائيليين” يتوحدون في عدائهم للعرب أثناء الأزمات، هذا صحيح في الأزمات أو في أوقات الحروب السريعة، التي يكون موقعها خارج “إسرائيل” .

أما في الحروب الطويلة التي تصبح الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” جزءاً منها، فإن التناقضات داخل “إسرائيل” تتفاقم ليس بالضرورة أن يكون عنوانها: العداء للعرب لأن هذه المسألة مفروغ منها، وإنما التناقضات التي تكون واجهتها: التناقض بين مفهومين: الأمن والاستقرار الموعودين وحقيقة الواقع المتمثل في حروب مستمرة تخوضها “إسرائيل” .

إن المعتقدين بإمكانية هزيمة “إسرائيل” من الفلسطينيين والعرب، لا يبنون وجهة نظرهم هذه على أوهام بل على حقائق موضوعية وليست عاطفية أو غيبية . لذا فإن هزيمة “إسرائيل” لمرة واحدة تعني نهايتها، ومهما تعاظمت “إسرائيل” فستُهزم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165476

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165476 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010