الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010

الدنيا هايجة

الاثنين 21 حزيران (يونيو) 2010 par حمدي قنديل

يصر الكاتب الصحفى اللبناني حسن محمود على تسمية المجزرة الإسرائيلية لأسطول الحرية بــ «يوم 31 آيار»، يربطها دائماً بتاريخها.. يود أن يرسخ هذا التاريخ في أذهان الغربيين كما رسخوا في أذهاننا تاريخ 11 سبتمبر وحملونا وزره، أنتم كانت لكم مذبحتكم في أبراج نيويورك التي اشتهرت بتاريخها 11 سبتمبر ــ ونحن مذبحتنا ــ آخر مذابحنا ــ في البحر الأبيض في 31 مايو.. وكما أن مذبحة 11 سبتمبر غيرت العالم، فإن مذبحة 31 مايو هي الأخرى ستغيره، على الأقل بالنسبة لنا.

لم يكن هذا بالضبط هو عنوان الموضوع الذي التقينا حوله مع الصحفي الفرنسي فردريك دومو في أستوديو التليفزيون التركي فى بيروت.. هذه أول قناة تركية تبث باللغة العربية.. بدأت القناة بثها على استحياء في 5 أبريل الماضي، وفي أقل من ثلاثة أشهر بدأ جمهورها يتنامى، ومكاتبها تنتشر في العواصم العربية الرئيسية، تعكس انشغال تركيا المتصاعد بشئون العرب، واهتمام العرب بالأتراك.. اليوم يناقشون في برنامج «مدارات» نتائج اجتماع لجنة إعلامية دولية عقد في مدينة أزمير، ثالث المدن التركية، لم يولها الإعلاميون العرب اهتماماً يذكر..

اللجنة منبثقة من «الاتحاد من أجل المتوسط»، المنظمة التي تحمست لها على وجه الخصوص فرنسا ساركوزي، باعتبارها إطاراً يُطبِّع بين العرب وإسرائيل تحت مظلة أوروبية، ويرأسها حالياً ساركوزي مع الرئيس مبارك.. في اجتماع أزمير الذي عقد بعد مذبحة أسطول الحرية كشف الوفد الفرنسي عن انحياز بلاده الأحمق لإسرائيل عندما طالب بتجريم اللاسامية في جميع وسائل الإعلام في دول البحر المتوسط.

قلت في البرنامج إن اللاسامية عقدة أوروبية لا تعنينا نحن العرب.. نحن ساميون أصلاً. الأوروبيون حرقوا اليهود في أفران الغاز، أما نحن فآويناهم طوال تاريخنا.. في بلدي كان قطاوي باشا وزيراً للمالية ثم النقل، وكان صيدناوي وعدس أصحاب أكبر المتاجر، وكان شيكوريل رئيساً للغرفة التجارية، وكانت ليلى مراد وراقية إبراهيم نجمتين تتصدران شاشات السينما، وكان في مصر 65 ألف يهودي عندما قامت دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.. وهناك ألف مثل مشابه في المغرب واليمن والعراق وغيرها..

لم نكن نحن العرب الذين عادينا السامية.. وعلى مدى سنوات طويلة منذ أسسنا اتحاد إذاعات الدول العربية في عام 1969 تعاونا تعاوناً وثيقاً مع اتحاد الإذاعات الأوروبية لم نسمع خلاله بأحد يطالبنا بالتسامح مع اليهود أو احترام دينهم.. الآن زاد الضغط الإسرائيلي على الأوروبيين خصوصاً بعد الحرج الذي وجدت إسرائيل نفسها فيه إثر مذبحة الاسطول، فأراد الأوروبيون أن يسكتوا إعلامنا بوصمه أنه معادٍ للسامية.

المؤسف أن فرنسا لم تتوقف عند حد طرح الأمر في اجتماع إعلام المتوسط في أزمير.. في الأسبوع الماضي اتخذ الفرنسيون اجراء شديد التعسف بإيقاف بث قناة «الأقصى» على قمر «يوتلسات» الأوروبي بدعوى أن هذه القناة تروج للعنصرية وتحض على الكراهية.. قناة الأقصى هذه تابعة لحكومة حماس في غزة، وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع حماس فحكومتها جاءت بانتخابات حرة اعترف العالم كله بنزاهتها.. حتى هذا ليس هو بيت القصيد..

بيت القصيد أن القناة تمثل شعباً يعاني الاحتلال والاضطهاد والعنصرية، وأنها تدعو للمقاومة.. هو نفس السبب الذي منعت من أجله فرنسا أيضاً بث قناة المنار التابعة لحزب الله منذ عدة سنوات.. الغريب أن فرنسا التي تصادر اليوم حق المقاومة في الإعلام هي البلد الذي عانى الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، وأقام داخل الأراضي الفرنسية وخارجها محطات إذاعية لمقاومة حكومة «فيشي» عميلة الاحتلال.

في اجتماع أزمير نريد أولاً تجريم التبرير الإعلامي لإرهاب الدولة.. جرموا الإرهاب الذي ارتكبته الدولة الصهيونية منذ قيامها وحتى قامت بمذبحة الأسطول.. وافق الأوروبيون على الاقتراح. وفي مقدمتهم وافقت فرنسا حتى تستطيع تمرير طلبها بتجريم اللاسامية..

تظن فرنسا الآن انها ترضي الأطراف جميعاً.. توحي لنا بأنها تعدل بين الكل.. هو زيف مفضوح.. إن كانت فرنسا عادلة حقاً، إن كانت تؤمن بقيم الحرية التي تباهي بها العالمين وبحقوق الإنسان وفي مقدمتها حق مقاومة المحتل وحق التعبير عن الرأي لكانت سمحت بالأقصى والمنار ومنعت القنوات الإسرائيلية التي روجت من أقمار أوروبا للعنصرية والإرهاب منذ قامت دولة إسرائيل، واختلقت في الاسابيع الأخيرة أكاذيب صارخة تبرر بها مذبحة سفن الاغاثة في مياه المتوسط الدولية.. لكن فرنسا ساركوزي غارقة في الانحياز لإسرائيل.. دلل الكاتب الفرنسي بول بلانور على هذا الانحياز في كتابه «ساركوزي، إسرائيل واليهود» الذي منع طبعه في فرنسا، والذي اتهم فيه ساركوزي بأنه منحاز انحيازاً كاملاً للصهيونية، وأنه يتهم كل من ينتقد إسرائيل بمعاداة السامية..

ساركوزي هو أشد رؤساء فرنسا عنصرية، وهو أعنفهم في مواجهة العرب والأفارقة في ضواحي المدن الفرنسية، وهو الذي وصف المهاجرين المسلمين بأنهم كآلات تنظيف القمامة وأنهم يذبحون الكباش في أحواض الاستحمام (رغم أن 500 ألف مقاتل عربي وأفريقي ساعدوا فرنسا في التخلص من الاحتلال النازي).. ساركوزي هو أقرب رؤساء فرنسا بل رؤساء أوروبا لإسرائيل.. عندما انتخب وصفه أولمرت رئيس وزراء إسرائيل وقتئذ بأنه «صديق صادق وحقيقي لإسرائيل والشعب اليهودي» فيما قال ساركوزي بأن «إسرائيل هي معجزة القرن العشرين».

في الاسبوع الماضي كاشفني دبلوماسي فرنسي بأن حرص فرنسا على إسرائيل هو الذى يدفعها ويدفع الأوروبيين جميعاً لدعم النظام في مصر.. يرون أن النظام المصري هو سند إسرائيل الأول في المنطقة، وأنه اقام صلات وطيدة معها ومع زعمائها تكفل إرساء السلام في الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تضمن الاستقرار..

استقرار مصر إذن هو أساس استقرار المنطقة.. جاء الرجل لزيارتي في بيتي ليتعرف على نوايا المعارضة المصرية تجاه إسرائيل.. من حديثه بلغة عربية فصحى تعلمها في سوريا بدا انه واسع الاطلاع بتفاصيل المشهد السياسي، وأن بلاده شديدة الاهتمام بالتحولات الأخيرة فيه واحتمالات تأثيرها على الاستقرار.. لما سألته إن كان يعتقد أن الأوضاع مستقرة حقاً، رد لي السؤال..

ما أظن أن دبلوماسياً غربياً في القاهرة يجهل ما تردت إليه الأحوال.. إذا كان هناك من يقول بأن لدينا استقراراً فهو استقرار في القاع.. كان هذا عنوان مقال كتبته منذ شهور قليلة.. الآن يمكنني أن أزعم أننا وصلنا إلى ما تحت القاع إن كان هناك تحت القاع تحت.. خذوا عندكم انهيار مكانة السلطة القضائية في الأزمة بين النيابة والمحامين والقضاة..

خذوا سقوط المؤسسة التشريعية بالتزوير الفاضح في انتخابات الشورى.. خذوا مؤسسة الأمن التي فقدت شرفها عندما اغتالت خالد سعيد وغطت على الاغتيال بشهود زور وبيان إفك كاذب.. خذوا المؤسسة التنفيذية التي انخرط وزراؤها في صفقات آثمة مع الدولة، سمسروا في أراضي ولهفوا جزراً، وفسدوا وأفسدوا.. خذوا الأزمة بين الكنيسة والدولة التي جعلت الانبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس يعلن أن «الأقباط بيغلوا والدنيا هايجة»..

الدنيا هايجة أيضاً في نقابة الصيادلة ونقابة التجاريين ونقابة المهندسين ونقابة الأطباء الذين يعيش 40% منهم تحت خط الفقر (تصريح لنقيب أطباء الدقهلية).. الدنيا هايجة في أوساط العمال الذين شردتهم الخصخصة، وهايجة في أوساط الفلاحين والشباب وغيرهم.. اسألوا أي مصري عن حال الدنيا سوف توقنون أن الدنيا هايجة في عموم بر مصر.. مصر «المستقرة» فشلت في كل أزماتها داخلية وخارجية، وتفككت تروس مؤسساتها الصدئة.

المفارقة أنه عندما وصلت من بيروت وجدت أهرام يوم السبت أمس الأول يقول إن مصر سترسل وفداً إلى العراق لإنهاء أزمة تشكيل الحكومة العراقية.. كأننا أنهينا أزمات مصر، وبلغنا «الذرا» بحل أزمة دارفور وحل أزمة مياه النيل، أو حتى حل أزمة المصالحة الفلسطينية.. كأننا الخبراء في حل الأزمات.. يا له من حال يستدعي الرثاء والغضب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2178208

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2178208 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40