الاثنين 18 آذار (مارس) 2013

فتن التاريخ تقصم ظهر المسلمين

الاثنين 18 آذار (مارس) 2013 par د. عبد الستار قاسم

مجرم كل من يفرق بين مسلم سني ومسلم شيعي لأنه يعمل على تمزيق الأمة وتقطيع أوصالها وهدم أواصرها وبث الفتنة والفساد بين صفوفها وإغراقها في دماء أبنائها، واستنزاف طاقاتها وإنهاك قواها لتكون لقمة سائغة للأعداء والطامعين من اليهود والأمريكيين. هذا المجرم المتعمد ليس مسلما حتى لو صام وصلى وقام الليل وتنفل واعتمر وتشبث بأهداب الكعبة. هذا ضال أحمق، أو ثعلب ماكر يتغطى بالإسلام ليهدم أمة جمعها الإسلام على الخير والمحبة ومبادئ العدل وإقامة الميزان.

المجرم هذا خارج عن الأمة ليس لأنه يقترف خطيئة الإفساد فقط، وإنما لأنه يتعدى على عقيدة التوحيد بالله سبحانه الواحد الأحد، والتي تستمد الأمة منها وحدتها ولحمتها وتضامنها وتكافلها. إلهنا إله واحد، وأمتنا أمة واحدة، ولا يمزق أو يفرق بين أبنائها إلا من خاب وتخلى عن عقيدة التوحيد. المجرم هذا ليس مجرد فاسق أو زنديق وإنما خارج عن الملة ولعين.

وأمتنا أمة واحدة رغم أنف كل الفرق بمن فيها الفرق التي اندثرت مثل الخوارج والقدرية والجبرية، ورغم أنف كل الأحزاب والتنظيمات الحديثة التي تهون عليها الدماء، وتتبنى مناهج القتل والتفجير والذبح والتدمير والتخريب. وهي أمة ستقيم العدل على ربوعها دون تمييز بين مسلم وغير مسلم، أو بين شيعي وسني، أو بين هذا الحزب أو ذاك، أو بين عربي وغير عربي.

إنني متخصص في الفكر السياسي الإسلامي، وقد بحثت كثيرا في القرآن الكريم حول حرص رب العزة على تقسيم المسلمين إلى سنة وشيعة فلم أجد؛ أو تقسيمهم بين حنبلي وجعفري وشافعي، وبحثت فيما إذا كان يفضل الشيعة على السنة أو السنة على الشيعة فلم أجد، أو فيما إذا كان يفضل العربي على غير العربي، أو مؤمن على مؤمن آخر، أو يفضل شخصا على آخر. وجدت في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى الإسلام، وهو إسلام واحد. لم أجد إسلاميْن في القرآن الكريم، ولم أجد أيضا تدخلا إلهيا في تنصيب خلفاء، أو تفويضا إلهيا لأحد بعينه لكي يكون قيّما على الإسلام. حتى أن الكهنوتية والرهبنة مرفوضتان في الإسلام، ولا يملك أحد سلطة التفويض الإلهي. وجدت في القرآن الكريم أن الجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ووجدت بغضا شديدا للإفساد في الأرض، ووجدت أمرا للمسلمين بمقاتلة من يقاتلهم ويخرجهم من ديارهم، ويظاهر على قتالهم وإخراجهم من ديارهم. الله سبحانه وتعالى يأمر بعدم الاعتداء، إنما برد العدوان بمثله.

قرأت لرجال دين سنة ما يكفرون وفقه الشيعة، وقرأت لرجال دين شيعة ما يكفرون وفقه السنة. لم أجد حقا في أقوال هؤلاء ولا أقوال أولئك. لا يجوز إطلاقا تكفير أحد من المسلمين إلا إذا مس العقيدة، أما الاختلاف في القضايا الفكرية والشرعية لا يبرر التكفير، ويقع المكفر بالكفر من منطلق أن من كفر مسلما فقد كفر. من قراءتي لأدبيات السنة والشيعة لم أجد اختلافات في العقيدة والتي تشمل الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر. (لا تشمل العقيدة ما يتردد على ألسنة بعض المسلمين مسألة الإيمان بالقضاء والقدر لأن القضاء يختلف عن القدر، والقدر يبقى مادة الحق والباطل التي تتطلب إعمال الفكر، والمسلم يعبر عن إيمانه بالقدر من خلال البحث العلمي عن الحقيقة). ومن حيث أن اختلافات وخلافات عقدية غير موجودة فإن اللجوء إلى التكفير إنما عبارة عن عمى بصر وبصيرة.

تطورت الفرق الإسلامية بعد أن وقعت خلافات بين المسلمين، وهي نتاج أحداث تاريخية وليس تشريعات إسلامية. لقد فرق التاريخ أمما كثيرة غيرنا، ومزق قبائل ودولا وشعوبا، وأدى إلى قيام حروب بين فرقائها. اهتدت الأمم العاقلة إلى طريق الصواب وتركت التاريخ للتاريخ، وأمم أخرى بقيت على ضلالها وفضلت أن يبقى حاضرها معلقا بماضيها. عدد كبير من أبناء المسلمين لا يريدون العيش في الحاضر ولا يتطلعون نحو المستقبل، ويبقى الماضي ماسخا لنفوسهم وقابضا على قلوبهم محاصرا لعقولهم فيجرون الأمة كلها إلى أحزان ناتجة عن سوء أفعالهم. إنهم يتمسكون بفتن التاريخ من أجل تدمير الحاضر وحصار المستقبل.

أغبياء كثر منا يريدون أن يحاربوا الآن معركة الجمل ومعارك صفين وكربلاء. إنهم يصرون على بعث التاريخ ليبقى السيف مسلطا على رقابنا يقتّل بعضنا بعضا، نهلك في أنفسنا الحرث والزرع، ونقضي على آمال الأجيال، وننتهك حرمات الأبرياء والنساء والأطفال. هؤلاء لا يشقون فقط بغبائهم، وإنما يجرون الأمة جميعها إلى شقاء ومحن لا تزيدها إلا ضعفا وتمزيقا. ونحن جميعا شاهدنا المأساة في العراق حيث بقرت البطون وقطعت الرؤوس وبترت الأطراف، وسيق الناس كالأنعام إلى مذابح الإجرام، وما زلنا نرى القتل الجماعي حتى الآن. هكذا يفعل التعصب المذهبي الذي لا علاقة له بالإسلام ولا بالرسول الكريم ولا بالخلفاء والأولياء الصالحين.

الإسلام يرى في التاريخ مصدرا للعبر والتعلم، وليس للاستنساخ وإعادة الإنتاج. التاريخ لا يتكرر، إنما يعمل المؤمن الحق على الاستفادة من الدروس التاريخية ليتجنب الهفوات والأخطاء، وليكرس الإيجابيات التي تتوافق مع رسالة الإسلام. أما إذا كان منا من يعترض على طقوس دينية معينة لها علاقة بالأحداث التاريخية، فعلينا أن نعلم أن كل المسلمين من سنة وشيعة وطرق دينية وفرق لها ممارساتها الطقوسية المرتبطة أيضا بقضايا تاريخية. الطقوس المرتبطة بالتاريخ لا علاقة لها بالفكر الإسلامي ولا بالتشريع، وإنما تتعلق مباشرة بالمستوى الحضاري غير المرتفع للأمة. هناك طقوس لها علاقة بالوثنية التاريخية وليس بالإيمان الإسلامي، وهناك تشريعات لا علاقة لها بالإسلام وإنما تتعلق بعادات عربية جاهلية بخاصة فيما يتعلق بىالمرأة.

أغبياؤنا يفتحون الباب ويمهدون الطريق أمام الأعداء لإشعال الفتن وتأجيج نيران الاقتتال بين الطوائف. إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية تستغل غباء هؤلاء الآن في العراق ليتحول العراقيون عن التحرير والانشغال بالاقتتال الداخلي وبث المزيد من الفوضى والكراهية والبغضاء في صفوف الشعب الواحد. عملاء إسرائيل وأمريكا يقومون الآن بارتكاب الجرائم المذهلة البشعة الحاقدة في العراق تمهيدا لحرب أهلية لا تقف داخل حدود العراق الافتراضية وإنما تمتد لتكون حربا بين الشيعة والسنة.

والفتنة تتمدد نحو لبنان إذ توظف أموال طائلة ووسائل إعلام عديدة لخدمة فتنة سنية شيعية. هناك في لبنان من يعمل ليل نهار، ويدفع بقوة نحو اقتتال لبناني داخلي، ويبدو أنه لولا حرص حزب الله على عدم الانجرار لغرقت لبنان بنهر من الدماء.

أغلب الحكام العرب والعديد من رجال الدين المزيفين الفاسقسن الذين لا يعرفون الله يحاولون الآن اللعب على حبل السنة والشيعة بهدف حجب التأييد عن المقاومة ضد إسرائيل سواء كان أبناؤها من السنة أو الشيعة. هؤلاء لم يكونوا يوما مع الله، ولم يكونوا يوما مسلمين بغير الوثائق الرسمية، وهم الآن يحاولون تذكير الناس ببعض الأحداث التاريخية السخيفة التي لم تأت على المسلمين إلا بالضرر. هؤلاء الحكام ومن والاهم من المنافقين الذين يدعون الإسلام يقفون ضد الإسلام وضد العرب وضد حركات المقاومة حيثما وجدت، ويقفون مع إسرائيل خدمة للسيد الأمريكي الذي يحمي عروشهم الخاوية. هم جميعا ضد حماس السنية، وضد حركة الجهاد السنية، وضد حزب الله الشيعي.

علينا أن نكون على وعي بأن إلهنا واحد وقرآننا واحد وإسلامنا واحد، وأن التاريخ لا يشكل سببا للتفرق. نحن جميعا مع المقاومة العربية والإسلامية التي تعمل على خلاص الأمة من النير الأمريكي والجبروت الصهيوني. نحن مع حزب الله الذي يقاتل دفاعا عن الأمة كلها، ودفاعا عن لبنان وفلسطين، ومع حماس المجاهدة ضد الصهاينة، ومع الجهاد الإسلامي المجاهد، ومع كل حركة مقاومة تعمل على خلاص الأمة من الاحتلال والاستعمار، والسير بالأمة نحو العزة والكرامة والاستقلال. فلا يلقين أحد أذنا لعميل أمريكي، أو جاسوس إسرائيلي، ولا للمختبئين تحت عباءة الدين.

القرآن يوحدنا، والفرق تمزقنا.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2181105

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2181105 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40