الأحد 10 آذار (مارس) 2013

لماذا لا ينتهي الانقسام الفلسطيني؟

الأحد 10 آذار (مارس) 2013 par علي جرادات

مؤسف أن يصبح من غير الممكن تناول أي من جوانب جوهر الملف الفلسطيني، أي الصراع مع الاحتلال، إلا ارتباطاً بالانقسام الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس” . فقد صار واضحاً أن قيادتيهما غير جادتين في إنهاء هذا الانقسام . بل، وصار جلياً أن كلاً منهما يبحث عن ذرائع للتهرب من تنفيذ اتفاقاتهما بشأنه . ومن فرط هذا وذاك، وبما يشي بغياب متبادل لإرادة تنفيذ هذه الاتفاقات، وما أكثرها، صار بوسع مشادة عابرة بين اثنين من قادة الحركتين، (عزام الأحمد وعزيز دويك)، تعطيل اللقاءات بينهما إلى أجل غير مسمى .

هنا يثور السؤال: هل يتعلق الأمر فعلاً بما بين الطرفين من خلاف سياسي أم بما بينهما من صراع على التفرد بالتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني؟ يجيز التفكير في هذا السؤال شواهد عدة تكثفها حقيقة أن الهبات الجماهيرية ضد الاحتلال تتوالى، وأن عدم توافر قيادة وطنية موحدة هو ما يحول دون تطور أي من هذه الهبات إلى انتفاضة شعبية تنقل الحركة الوطنية الفلسطينية من حال إلى حال مختلفة نوعياً، سواء لناحية علاقة أطراف هذه الحركة بعضها ببعض، أو لناحية علاقتها بشعبها، أو لناحية، (وهذا هو الأهم)، كيفية إدارتها للصراع مع الاحتلال . ما يعني أن المسؤولية السياسية عن إجهاض هذه الهبات لا تقع فقط على عاتق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعلن صراحة عن عدم اقتناعها بالانتفاضة كخيار سياسي، بل، تقع، أيضاً، وبالقدر ذاته، على عاتق قيادة “حماس” التي ما انفكت “تخطب” في الناس عن الانتفاضة، لكنها تريدها خارج نطاق “حصتها” من “سلطة” اسمية، وبما لا يهدد استمرارها، وبما لا يمس خيار سياسة “التهدئة” المبرمة مع الاحتلال بواسطة مصر ورعايتها . هذا فضلاً عن أن أياً من جولات الحوار بين الطرفين لم يبحث بجدية في البرنامج السياسي الوطني، وعن أن أياً من اتفاقاتهما المعطلة لم تحتوِ إلا على ما هو عام بشأنه . بل، إن كل ما ورد في هذه الاتفاقات وشى بتوافق الطرفين على تجديد المرحلة الانتقالية لاتفاق “أوسلو” التي انتهى عمرها الزمني في مايو/ أيار 1999 .

يحيل ما سبق إلى تاريخ تعقيدات مسألة التمثيل الفلسطيني، بعامة، وإلى تاريخ صراع الطرفين على هذه المسألة، بخاصة . إذ، وكما لدى كل الشعوب، يعد التعدد والتنوع لدى الفلسطينيين ظاهرة طبيعية . بل، وكان منطقياً أن يفرز تشتيتهم بعد احتلال أرضهم وضعية خاصة من التنوع والتعدد في الاجتماع والاقتصاد والفكر والسياسة . غير أن هذه الوضعية الخاصة والمعقدة شكّلت سيفاً ذا حدين، فهي، وإن أغنت مجتمعهم السياسي والمدني وزادته ثراء، فإنها وفرت لعدوهم، ومن يرعاه أو يواليه، مدخلاً للّعب على تناقضاتهم والعبث بوحدتهم الوطنية، وبمستواها السياسي بالذات . هنا يكمن سر حرص الفلسطينيين على وحدة تمثيلهم السياسي واستقلاليته، وعدم تهاونهم مع أي طرف داخلي، مهما علا شأنه، يسهم، بوعي أو بجهالة، في تحويل الخلاف الفكري والسياسي المشروع إلى صراع على التمثيل الوطني، بحسبان أن ذلك بمعزل عن النوايا والتبريرات، إنما يصب الحب في طاحونة عدوهم الساعي بثبات إلى منع تكريس ما بلوروه وطوروه وكرسوه، بتضحياتهم الجسيمة ونضالهم المديد، من مؤسسات وطنية جامعة . لكن هذا الحرص لم يفضِ يوماً إلى تسامحهم مع أي تشكيل قيادي، مهما ارتفعت أسهمه النضالية، يحاول استخدام “قدسية” وحدة التمثيل السياسي الوطني واستقلاليته، تذكرة للتفرد والسيطرة، أو إجازة لتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف .

يفسر ما سبق سيادة الخلاف داخل الوحدة بين “فتح” كتيار مركزي في منظمة التحرير الفلسطينية وبين بقية الفصائل المنضوية في إطارها، منذ نشأتها إلى اليوم . فحتى بعد اتفاق “أوسلو” كمحطة شطرت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى فسطاطين، فإن أياً من فصائل المنظمة المعارضة لهذا الاتفاق لم يلجأ إلى تشكيل إطار موازٍ لها، بل حافظ معظمها على عضويته في جميع مؤسساتها، بما فيها التنفيذية، بينما حافظ بعضها على عضويته في مؤسستها التشريعية . وأكثر، فإنه يسجل لحركة “الجهاد الإسلامي” عدم التورط في خطيئة الاحتراب الداخلي، رغم أنها من أكثر الفصائل الفلسطينية، إن لم تكن أكثرها، جدية وانسجاماً في معارضة هذا الاتفاق .

لكن كل هذا بدأ يتغير، وإن بتدرج، منذ تأسيس حركة “حماس” في العام 1988 حيث لم تنجح كل محاولات ومساعي ووساطات واتفاقات ضمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني جامع . وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من نجاح صيغة التنسيق بين قيادتي “المنظمة” و”حماس” في التخفيف من وطأة خلافهما على المجريات الميدانية للانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987-1993)، وبقدرٍ أقل على مجريات انتفاضة الأقصى المسلحة، (2000-2004)، إلا أن عدم توصل الطرفين إلى صيغة ائتلافية على أساس الحد الأدنى الوطني المشترك أبقى الباب مفتوحاً على تحويل الخلاف الفكري السياسي الداخلي المشروع، بوصفه تناقضاً ثانوياً، إلى تناقض رئيس في مرحلة تحرر وطني ماانفك الشعب الفلسطيني يعيشها رغم نشوء سلطة وطنية انتقالية مقيدة ومحدودة، وفقاً لاتفاق “أوسلو” . وهذا من أسف ما حصل بالفعل في يونيو/ حزيران 2007 حيث انفجر هذا التناقض بإقدام قيادة “حماس” على ارتكاب خطيئة حسم قضايا الخلاف السياسي بوسائل عسكرية، بينما كان بالمقدور السيطرة على ما سبق هذه الخطوة من اقتتال داخلي محدود . وهو الأمر الذي أفضى، بمعزل عن النوايا والتبريرات، إلى تعميق الأزمة السياسية التي تعصف بالتنظيم السياسي الفلسطيني منذ الدخول في دهليز “أوسلو”، سواء لناحية ما تعيشه فصائل وأحزاب الحركة الوطنية من مظاهر التفكك والتشرذم والترهل، أو لناحية ما يعصف بالمؤسسات الوطنية التمثيلية الجامعة من انقسام عمودي أنتجه غياب وحدة الرؤية والبرنامج والقيادة، وعمقه استشراء ممارسات ترجيح الفئوي الخاص، بل والشخصي أحياناً، على حساب الوطني العام، مع كل ما أفضى إليه ذلك من تباين للأجندات وتعدد للرهانات وتحويل للخلاف الفكري السياسي إلى حالة ممتدة من الصراع على تمثيل شعب يجثم الاحتلال على صدره ويلعب، في السر حيناً، وفي العلن حيناً آخر، على انقسامات نخبه السياسية العبثية بلا شك أو ريب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2181925

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2181925 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40