السبت 2 آذار (مارس) 2013

تحدي المستقبل بين فلسطين والكيان

السبت 2 آذار (مارس) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

لم يعد من الممكن الفصل بين الحديث عن المستقبل الفلسطيني وبين الحديث عن مستقبل الكيان الصهيوني بحكم الصراع الوجودي بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني .

لذلك فإن متابعة ما يحدث ويموج داخل الكيان الصهيوني من تفاعلات سياسية واقتصادية وأمنية، وعلى الأخص موجة التحالفات الجديدة التي يجري تأسيسها بعد الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً ضمن جهود تشكيل تحالف حكومي موسع وقوي داخل الكيان، ومقارنتها بتعثر جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتحول هذه المصالحة إلى أمر “مستحيل” بعد كل جولات تلك المصالحة، ومقارنتها أيضاً بحالة الانصراف العربي شبه الكامل عن القضية الفلسطينية، تكشف عمق الفجوة التي تتسع يوماً بعد يوم بين اضمحلال المشروع الفلسطيني على أيدي “أهله وعشيرته”، والجهود الدؤوبة لإنقاذ المشروع الصهيوني المحكوم عليه تاريخياً بالزوال لكونه مشروعاً استعمارياً استيطانياً وعنصرياً .

فعلى الرغم من أن تحالف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان وحزبه “الليكود” مع وزير خارجيته السابق أفيغدور ليبرمان وحزبه “إسرائيل بيتنا”، لم يستطع تحقيق ما كان يطمح إليه من انتصار انتخابي، بل إنه خسر أكثر من عشرة مقاعد داخل الكنيست، فإن النتائج جاءت، في التحليل الأخير لمصلحته، لأن ما خسره تحالف “الليكود - بيتنا” من مقاعد ذهب إلى أحزاب وأطراف أكثر يمينية وعنصرية وتشدداً، ومن ثم لم تخرج تلك المقاعد عن يد تحالف “الليكود - بيتنا”، أو بعيداً من الصف اليميني - التوراتي المتشدد . كما أن نتنياهو نجح في جهوده لضم أطراف أكثر تجانساً مع مشروع تحالف “الليكود - بيتنا” وبالتحديد في دعم الاستيطان، والانصراف عن عبء التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وإعطاء كل الأولوية للبناء الداخلي، مع التركيز على أولوية “الخطر الإيراني” كمصدر حقيقي لتهديد الكيان بدلاً من “الخطر العربي” الذي انحسرت فعاليته كثيراً على الأخص نتيجة لموجة الحراك الشعبي التي اجتاحت دولاً عربية مهمة وفرضت قضايا داخلية لها أولوية طاغية على قضايا الصراع مع الكيان .

أبرز التحالفات “الإسرائيلية” الجديدة هي الائتلاف بين حزبين جديدين فرضا نفسيهما على الساحة السياسية “الإسرائيلية” هما حزب “يش عاتيد”، (يوجد مستقبل) بزعامة يائير لبيد الذي أحرز 19 مقعداً في الانتخابات التشريعية الأخيرة وحل ثانياً بعد تحالف “الليكود - بيتنا” وحزب “البيت اليهودي” بزعامة نفتالي بينيت .

هذا التحالف يعد قوة فعالة لا يستهان بها داخل الحكومة “الإسرائيلية” الجديدة، لأنه يعكس أحد أبرز التحولات الجارية في المجتمع “الإسرائيلي”، وهو تصاعد قوة الطبقة الوسطى المعولمة التي تحاول الصعود بقوة في المجتمع “الإسرائيلي”، وتحديث مشروعها السياسي والاقتصادي من خلال المزج بين الإيمان العميق بالدولة اليهودية، وبين التطور التكنولوجي والقوة العسكرية، أي المزج بين القوة العَقَدية ومقومات الدولة العصرية الحديثة القادرة على أن تكون شريكاً قوياً في إدارة النظام العالمي من خلال تطورها الصناعي والتكنولوجي وقوتها العسكرية التي تمكنها من فرض إرادتها بالقوة والاعتماد على النفس والحد من التبعية والاعتماد على الخارج، تحسباً لأية ضغوط خارجية من شأنها أن تعوق حرية إرادة القرار الوطني، ولكن مع وعي بضرورة عولمة الدولة اليهودية وإظهارها على أنها جزء فاعل من العالم الغربي المتطور .

واضح أن أزمة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتحسب لضغوط أمريكية متوقعة سواء في ما يتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين، أو ما يتعلق بالخطر النووي الإيراني، لها تأثيرها في دفع كل من يائير لبيد ونفتالي بينيت إلى التحالف معاً لتطابق مشروعهما السياسي الذي فرض على يائير لبيد أن يفتتح حملته الانتخابية في مستوطنة “أريئيل” المقامة داخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية دليلاً على أولوية السياسة الاستيطانية والتوسع لتهويد وضم الضفة الغربية، كضرورة لفرض خيار الدولة اليهودية على العرب والعالم، والذي دفعه أيضاً إلى اللقاء والتحالف مع بينيت الذي يدافع عن الاستيطان والمستوطنات ويريد من الحكومة الجديدة التي يجري تشكيلها حالياً أن تنعى حل الدولتين وتمضي قدماً في فرض الإرادة “الإسرائيلية” على الشعب الفلسطيني من خلال تفريغ عملية إقامة الدولة الفلسطينية من أي مضمون حقيقي، وجعل هذه الدولة، في حال لم تستطع الحكومة “الإسرائيلية” منع إقامتها، مفرغة السيادة

هذا التحالف بين حزبي “يوجد مستقبل” و”البيت اليهودي” الذي يصر على أن يدخل الحكومة باعتباره كتلة واحدة، من شأنه أن يكون قوة مضافة كبيرة إلى الحكومة الجديدة وفق توازن للقوة بين هذه الكتلة وكتلة رئيس الحكومة مع وزير الخارجية السابق ليبرمان “الليكود - بيتنا” .

مجمل هذه الجهود تقول إن ما يحدث الآن داخل الكيان الصهيوني من موجة تحالفات وائتلافات حزبية، في مقدورها أن تسفر عن تشكيل حكومة جديدة قوية تعطي كل الأولوية لجهود ترميم البيت اليهودي ومواجهة مشكلات وأزمات المجتمع وتحديث المشروع الصهيوني، أما على الجانب الآخر الفلسطيني فما يحدث هو العكس تماماً بعد فشل جولة المصالحة الأخيرة التي امتدت في القاهرة لثلاثة أيام بين حركتي “فتح” و”حماس”، على الرغم من التدخل المصري الإيجابي ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين هذه المرة كما كل مرة، بعد أن فشل المجتمعون في التوصل إلى آليات محددة للمضي قدماً في المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ ست سنوات، ما دعا إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إلى القول إن “حوارات القاهرة لم تحدث الاختراق المأمول لكنها باقية” .

فقد برزت عقبات عدة في جولة المحادثات الجديدة التي كان يفترض الاتفاق خلالها على آلية لانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني . وقد أرجع مسؤولون في “حماس” الفشل إلى تراجع الرئيس محمود عباس عن المضي قدماً في عملية المصالحة بعد تلقيه اتصالاً هاتفياً يحثّه على انتظار جهود أمريكية جديدة تتجه إلى صياغة رؤية للتفاوض مع “إسرائيل”، ما دفع عباس إلى الإصرار، في جلسة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، على أن يقوم بإصدار مرسومين ببدء تشكيل الحكومة الجديدة وتحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكن “حماس” رفضت هذا الطرح وطلبت أن يُصدر مرسوماً واحداً لتشكيل الحكومة ومن ثم تمهد الحكومة للانتخابات ويتم التوافق على موعدها في ما بعد، الأمر الذي فجر خلافاً غادر عباس عقبه القاهرة . أما مسؤولو “فتح” فيرجعون الفشل إلى ضغوط مارستها قيادة “حماس” في غزة على خالد مشعل لتعطيل المصالحة لأغراض شخصية، ولعدم وجود رغبة لديها للتقدم في هذا الملف .

وتحدث عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة “فتح” للإذاعة الفلسطينية الرسمية موضحاً أن قادة حماس في غزة رفضوا إصدار مرسومين بتشكيل الحكومة وتحديد موعد الانتخابات في آنٍ، وعَد هذا الرفض تخريباً لجهود المصالحة، موضحاً أن حركته متمسكة بضرورة بدء مشاورات تشكيل الحكومة مع بدء عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة رسمياً . قد يكون للانقسام الفلسطيني دوافعه المصلحية بين حركتي “فتح” و”حماس” وهو الاستئثار بالسلطة، كذلك فإنه لا بد من فرض طرف ثالث فلسطيني قادر على أن ينهي تلك الثنائية البغيضة بين الحركتين وأن يسعى إلى وضع نهاية للانقسام الفلسطيني على قاعدة العودة إلى جوهر استراتيجية التحرير الوطني الفلسطيني، وأن يعيد التأسيس لآليات جديدة لتحقيق الأهداف تأخذ في الاعتبار خصوصيات الواقع الراهن للصراع، وخصوصيات كل البيئة العربية والإقليمية والدولية .

هذا الطرف الثالث سيكون المعني، قبل غيره، بعملية بناء البيت الفلسطيني وصياغة النظام السياسي المأمول، والبت بمصير حركة التحرير الفلسطينية ورؤاها وأساليب عملها، مع إدارة الوضع الفلسطيني ضمن شراكة وطنية جامعة تضع نهاية لثنائية “فتح” و”حماس” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165488

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165488 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010