الأربعاء 20 شباط (فبراير) 2013

صورة لا تنسى !

الأربعاء 20 شباط (فبراير) 2013 par د.امديرس القادري

هناك في بلاد الغرب وعند الأحرار من أصحاب الضمير الحي لا ينسون ، ولكن ما أسهل النسيان عندنا نحن العرب والمسلمين ، لاسيما حين يتعلق الأمر بشهدائنا في فلسطين وصور أجسادهم المشوية والمحروقة ، أو تلك المشوهة التي فقدت جميع معالمها والتي ما عدنا نميزأيديها من أرجلها ، صور من كل الأعمار والبشاعة التي يندى لها الجبين هي القاسم المشترك فيما بينها ، فظاعة ما بعدها فظاعة ، فعدونا الصهيوني المجرم وعندما يقوم بالعدوان فهو لا يميز بين الأجنة في الأرحام ، وبين الأطفال الرضع الذين لا مأوى لهم سوى أحضان أمهاتهم ، وطائراته وما تلقيه من فسفور قاتل لا تفرق بين بشر وحجر وشجر، فكل شيء تصل إليه قنابلها يجب حرقه وتدميره وتسويته مع سطح الأرض .
والصورة التي نتحدث عنها فاز بجائزتها المصور السويدي “بول هانسن” وذلك في مسابقة الصورة الصحافية العالمية للعام 2012 والتي تعد الأهم في مجال التصوير الصحافي ، الصورة حصلت على المركز الأول من بين عشرات الصور المرشحة ، وقد أظهرت مجموعة من الرجال الفلسطينين وهم يحملون جثتي طفلين في أحد شوارع غزة ابان العدوان الأخير عليها ، وكان الصحفي هانس قد التقط الصورة الفائزة في 20 تشرين الثاني 2012 ونشرها في الصحيفة السويدية “داغنز نايهتر” .
في الصورة طفلين في الثالثة والثانية من عمرهما ولا يظهر من الأكفان البيضاء التي التفت حول أجسادهما سوى وجهيهما البريئين والنديين ، بالطبع كانا يقطعان طريق الرحلة الأخيرة نحو المدفن ، استشهد الطفلان مع الأب عندما دمر منزلهما في غارة لهذه الطائرات “الإسرائيلية” فيما أصيبت أمهما ونقلت إلى العناية الفائقة بأحد مستشفيات غزة .
أحد أعضاء لجنة التحكيم المسؤولة عن المسابقة علق على الصورة بالقول : “إن قوة هذه الصورة تكمن في التناقض بين غضب وألم المشيعين ، وبراءة الطفلين البادية على وجهيهما ، إنها حقا صورة لا تنسى” ، فالحمد لله على أنه لا يزال عند هذا الغرب من يعترفون بوجود البراءة على وجوه أطفال فلسطين حتى ولو كانوا قتلى ، وشكرا لهم على هذا الإحساس وعلى هذا الشعور الإنساني النبيل .
لست أدري كيف سمح اللوبي الصهيوني لهذه الصورة أن تفوز ؟ وكيف شقت هذه الصورة طريقها نحو الجائزة ؟ بدون عرقلة أو إعاقة من القتلة أعضاء هذا اللوبي الذين لا يتركون مجالا لوسيلة إعلامية أن تنشر ما قد يسيء لهم ولجرائمهم التي يرتكبونها بلا شفقة أو رحمة بحق المدنين الأبرياء من أبناء شعبنا ، فشكرا لهذا الصحفي السويدي الذي تمكن من الإنتصارعليهم ، والإفلات من حصارهم ، ليظهر بشاعتهم و شهوة القتل التي يتلذذون بها ، وشكرا لهذه الهيئة وأعضاءها الذين أجازوا نشر الصورة ومهدوا لها الطريق لتحصد المرتبة الأولى .
ولكن وحتى لا نذهب بعيدا ، أفلا تستحق هذه الصورة أن يتم وضعها على مائدة ما يسمى بالحوار الوطني الفلسطيني الذي انطلق في العاصمة المصرية لتكون بديلا عن كل الملفات التي لا قيمة ولا معنى لها؟! ألا يستحق هذا اللحم أن يتم التوقف أمامه من قبل القادة والمسؤولين المجتمعين ومن كل الفصائل ، وإذا لم يكن كذلك ، فما معنى أن يتناقشوا ويختلفوا على كل شيء ؟ فيما يظل هذا اللحم وهذا القتل الذي يقوم به عدونا وكأنه نسيا منسيا داخل الضمائر والعقول والأذهان .
جولات صاخبة من الجدل الفارغ العقيم بإسم “المصالحة الوطنية” على الإنتخابات وتشكيل لجانها ، وعلى الحكومة ، وعلى تفعيل منظمة التحرير وعلى الحصص وكيفية التوزيع ، بينما يظل هذا اللحم الآدمي المحروق ملقي جانبا في زوايا القاعات الفارهة التي يدعون تدارس الموقف خلف جدرانها ! ماذا عسانا أن نقول ؟ وكيف يمكن أن نذكرهم بأن الدفاع عن لحمنا ودمنا وشجرنا وحجرنا يجب أن يظل هو الأولى والأهم من كل أجنداتهم وذرائعهم التي لا قيمة ولا معنى لها .
أحرارالعالم يسارعون إلى نشر صورالضحايا لفضح عدونا وتعريته ، بينما تواصل القيادات الفلسطينية رحلة البحث عن مخرج لإستئناف المفاوضات مع هذا العدو على أمل التوصل إلى سلام معه ، وهو سلام وهمي وذليل لن يكتب له أن يرى النور حتى قيام الساعة ، ولكن ، وبجرة قلم ، فلا مانع عند هذه القيادات أن تنسى وتغض الطرف عن الآف الشهداء الذين سقط لحمهم واحترق ، ومن أجل خلق الأجواء الإيجابية لزيارة الرئيس الأمريكي المقبلة ، ولا مانع من القفزعن أشياء كثيرة وتعطيل المصالحة الوطنية من جديد ، فالرضى الأمريكي ودولاراته أهم وأكثر نفعا عندها !



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2180845

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2180845 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40