الأربعاء 20 شباط (فبراير) 2013

في ندوة «فلسطين والعروبة والإسلام السياسي» التي نظمتها «ندوة العمل الوطني»

الأربعاء 20 شباط (فبراير) 2013 par منير شفيق

بداية لا بدّ من التوقف أمام عبارة الإسلام السياسي ومفهومها أو تعريفها.

في مدى معرفتي، العبارة حديثة الاستخدام والاشتقاق، وفي الأغلب هي مترجمة عن اللغات الغربية التي نعتت هذه الصفة على الحركات الإسلامية ذات البرامج السياسية أو الحركات الإسلامية التي تعنى بأمور السياسة ولا يقتصر عملها على العمل الإسلامي الدعوي أو التعبدي أو الأخلاقي أو الخيري. علماً أن هذه وضمن هذه الحدود هي حركات سياسية عملياً، فهي مشمولة بالسياسة.

إذا كان هذا التفريق هو المقصود فالمصطلح يفقد مدلوله إلاّ عند التفريق بين الحركات ذات البرامج السياسية أو المهتمة بالشأن السياسي من جهة والحركات الإسلامية التي تتجنب الخوض في الشأن العام أو في السياسة.

ولكن إذا استخدم للدلالة على حركات بعينها فهو هروب من تسمية تلك الحركات فيما يراد التجريح بها.

والسؤال هل إضفاء سمة السياسي تشكل بحد ذاتها عيباً أو نقيصة أم يراد أن يقال أن الإسلام من حيث أتى غريب عن السياسة ومن ثم من يقحم السياسة فيه يخرج من إطار الإسلام الصحيح. وهذا موقف لا علاقة له بفهم الإسلام وتاريخه.

والغريب أن الماركسيين الذين يستخدمون هذا التعبير ينسون أن صفة السياسي تنطبق على كل عمل حتى لو كان إضاءة زر الكهرباء في المنـزل إذ أنهم يعتبرون ذلك عملاً سياسياً، في نهاية المطاف، تدفع الفاتورة لشركة الكهرباء وشركة الكهرباء لها دور سياسي. وهكذا دواليك.

ولهذا أرى من الضروري أن توضع النقاط على الحروف بالنسبة إلى الحركة المقصود نقد سياساتها وليس الحديث عن إسلام سياسي يشمل حركات ذات برامج سياسية ومواقف سياسية مختلفة.

ستتناول هذه الورقة مسألتين: الأولى الحركات الإسلامية والقضية الفلسطينية. والثانية ثورات ومتغيّرات 2011 و2012 والقضية الفلسطينية.

أولا: الحركات الإسلامية والقضية الفلسطينية.

منذ أن نشأت القضية الفلسطينية انبرى علماء المسلمين على المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية للدفاع عنها ومواجهة المشروع الاستعماري والصهيوني المتجّه لبناء وطن قومي لليهود أو لاستيطان فلسطين أو الهجرة إليها. وعقد من أجل ذلك في فلسطين وخارجها عدّة مؤتمرات.

وكذلك الأمر كان بالنسبة إلى الحركات الوطنية والعروبية، كما والشيوعية حتى العام 1947.

وعندما بدأت تتشكل حركات إسلامية وفي المقدمة حركة الإخوان المسلمين في العام 1928 كان موقفها حاسماً في رفض المشروع الصهيوني وفي دعم مقاومة شعب فلسطين، وفي تحريض العالم الإسلامي.

وحدث إجماع إسلامي علمائي وحركة ضدّ قرار التقسيم رقم 181 كما الدعوة للجهاد في فلسطين ضدّ قيام دولة الكيان الصهيوني في العام 1948 وكان للإخوان المسلمين ثقل خاص في التطوّع لخوض حرب 1948.

هذه الصورة انطبقت أيضاً على التيارات العروبية والوطنية عموماً بما في ذلك حزب البعث في رفض قرار التقسيم والتطوّع للمشاركة في حرب 1948.

ولم يشذ في هذه المرحلة التي ابتدأت بقرار التقسيم لعام 1947 وامتدّت إلى حرب 1948 غير الأحزاب الشيوعية التي دعمت موقف الإتحاد السوفياتي الذي وافق على قرار التقسيم، وبعضها دان دخول الجيوش العربية والقتال ضدّ إقامة الكيان الصهيوني.

عرفت المرحلة الممتدة من 1949 إلى 1967 استمراراً إسلامياً وعروبياً ووطنياً عاماً للموقف ضدّ قرار التقسيم، وضد الاعتراف بالكيان الصهيوني إلى جانب التأكيد على تحرير فلسطين المغتصبة في العام 1948، كما التأكيد على حق العودة ورفض توطين اللاجئين الفلسطينيين.

الخرق الذي حدث في تلك المرحلة كان المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بقضية فلسطين، بما يتضمن تطبيق قرار التقسيم 1947 وقرارات حق العودة. وهو ما عبّرت عنه مصر وسورية المحرّرتين من خلال قرارات مؤتمر باندونغ وفي محافل دولية أخرى. ولكن مع تأكيد على رفض الصلح أو المفاوضات أو الاعتراف بالكيان الصهيوني، كما العمل على بناء الجيوش للتحرير.

أما على مستوى الحركات الشعبية فقد استمرّت الحركات الإسلامية والعروبية والوطنية برفض قرار التقسيم، ورفض المطالبة بتطبيقه مع الإصرار على إعداد الجيوش العربية للتحرير.

في العام 1968 بعد كارثة حرب حزيران حدث الخرق الثاني بالاعتراف بقرار 242 ولكن مع تأييد اللاءات الثلاثة التي عبّرت عنها قمة الخرطوم: لا للصلح، لا للمفاوضة، لا للاعتراف. إلى جانب دعم المقاومة التي أصبحت منذ العام 1968 جزءاً أساسياً في الصراع، مع دعم عربي رسمي وشعبي. ودعم إسلامي شعبي وعام ثالثي ورأي عام عالمي لها.

الخرق الثالث الخطير حدث بزيارة أنور السادات إلى الكيان الصهيوني والدخول بالمفاوضات المباشرة برعاية أميركية والتوصّل إلى عقد المعاهدة المصرية -الإسرائيلية والتي اشتهرت باتفاقيات كمب ديفيد لعام 1978/1979 فما فعله السادات كان انقلاباً على لاءات الخرطوم الثلاثة إذ فاوض وصالح واعترف. وبهذا انقلب على الخط القومي الناصري.

على أن الخرق الرابع جاء هذه المرّة من جانب م.ت.ف التي عقدت اتفاق أوسلو في أيلول 1993 وقد سبقه ومهّد له مؤتمر مدريد وما تبعه من مفاوضات ثنائية ما بين 1991-1993. ثم تبعه الاختراق الخامس في توقيع الأردن لاتفاق وادي عربة. ثم أضف التهافت العربي الرسمي من قبل مجموعة من دول عربية على التطبيع وفتح مكاتب اتصال للكيان الصهيوني في عواصمها.

كان كل من هذه الخروقات يشقّ في صفوف القوى القومية والوطنية واليسارية كما الفلسطينية. وذلك ما بين مؤيد ورافض. وكان من بين المؤيدين من فعلها أو وافق عليها اضطراراً مع الاحتفاظ بمقاومة وممانعة، وكان من بينهم من فعلها متهافتاً مدافعاً بحماسة عما يسمّى السلام مع الصهاينة.

أما القوى الإسلامية فقد بقيت معارضة لهذه الخروقات جميعاً وقد اشتدّ ساعدها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والتي اعتبرت قضية تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الصهيوني على رأس أهداف إستراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
JPEG
ومنذ ما بعد حرب العدوان على لبنان 1982، أخذت تتطوّر مقاومة إسلامية بقيادة حزب الله وحركات جهادية إسلامية في فلسطين انتقلت إلى مرحلة الانتفاضة نهاية 1987 مع تطور للمقاومة الإسلامية التي قادتها حركة حماس وحركة الجهاد.

وقد تبنت كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة الإسلامية في فلسطين هدف تحرير فلسطين، وتبني استراتيجية المقاومة المسلحة ورفض استراتيجية التسوية والمفاوضات والتطبيع.

وكان هذا هو موقف الحركات الإسلامية بلا استثناء على المستوى العربي والإسلامي والعالمي وفي مقدمتها الأخوان المسلمين. والذي يمكن تلخيصه بتأكيد هدف تحرير كل فلسطين وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني بل التأكيد على ضرورة زواله وإزالته، مع دعم استراتيجية المقاومة.

لم تعلن حتى الآن أية حركة إسلامية تخليها عن هذا الخط، وذلك بالرغم مما راح البعض يثيره من شبهات عكس ذلك استناداً إلى بعض التصريحات التي صدرت عن لسان مرشح الرئاسة محمد مرسي باسم حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لحركة الأخوان المسلمين، كما بعد نجاحه رئيساً لمصر، حول احترامه للاتفاقات الدولية بما يشمل اتفاق كمب دايفيد أو استمرار تبادل السفراء مع الكيان الصهيوني بعهده.

يردّ إخوان مصر بضرورة التفريق بين موقفهم وثوابتهم من قضية فلسطين حيث لم يحدث أي تغيير، وبين التزام الرئيس المصري وحكومته بتنفيذ الاتفاقات الدولية.

طبعاً، هذا التبرير غير مقنع كما أن إعلان الالتزام بتنفيذ أو احترام اتفاق كمب دايفيد لم تكن له ضرورة حتى مع الوصول إلى الرئاسة والحكومة. ولكن لا يمكن أن يستنتج منه أن الأخوان غيّروا موقفهم المبدئي من قضية فلسطين، ورُميَ عرض الحائط به. فما زالوا يُعلنون تمسكهم بالموقف المبدئي من دون تغيير، كما ما زالت قواعدهم تهتف “خيبر خيبر يا يهود”.

ومع ذلك وسواء تم التوافق على هذا المنهج في قراءة تعقيدات المواقف التي حملتها التطوّرات الجديدة، أم إذا استمرت القناعة بأن الالتزام باحترام معاهدة كمب ديفيد تعني التغيير الجوهري في الموقف ومن ثم اعتبار الأخوان انتقلوا إلى المقلب الآخر، فإن الحكم الفيصل على صحّة هذا التحليل أو ذاك سيخضع للمستقبل القريب وليس البعيد.

ثانياً: متغيرات 2011 و2012 والقضية الفلسطينية

ثمة تقدير موقف أو تقويم عام دار ويدور حوله خلاف بين وجهتي تقدير أو تقويم وما بينهما من تقدير أو تقويم ثالث أو رابع.

وذلك في ما يتعلق بمكانة القضية الفلسطينية ومستقبلها، على ضوء الثورات أو المتغيّرات التي شهدها العامان 2011 و2012 في عدد من البلاد العربية ولا سيما في تونس ومصر.

ما حدث في هذين القطرين كان تغييراً أطاح من خلال ثورة الشعب برأسيْ النظام وبطانتيهما. وكان ذلك مؤذناً بالتحوّل نحو نظامين جديدين ومن ثم انتهاء ما كان يسمى مرحلة الاعتدال العربي، الذي كان حسني مبارك يقف على رأسه ويقوده مع السعودية. كما خضعت له سياسات الجامعة العربية من خلال أمينها العام في تلك المرحلة عمرو موسى. هذا التغيير زاد من خلخلة ميزان القوى في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني.

ركزت الثورات على شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وهو الذي يعني إسقاط سياسات النظام ، وفي المقدمة، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وبالنسبة إلى الموقف من المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني. فالنظامان التونسي والمصري كانا خلال العشر سنوات منذ 2001 قد دخلا مرحلة التواطؤ بعيد المدى مع السياسات الأميركية والصهيونية. وهذا تجلى بصورة خاصة في الموقف من حربي تموز 2006 و 2008/2009 في كل من لبنان وقطاع غزة حيث حمّلا مسؤولية العدوان الصهيوني على كل من حزب الله وحماس وقاوما مع السعودية وعدد من الدول العربية وأمانة الجامعة العربية حتى عقد قمتين عربيتين تدينان العدوانين.

من ناحية موضوعية، وبمقاييس موازين القوى، وبغض النظر عن الشعارات التي طرحتها الثورات أو السياسات المتبعة من قبل الحكومات الانتقالية، كان مجرد الإطاحة خصوصاً بنظام حسني مبارك وانهيار محور الاعتدال العربي، قد شكل تغييراً في مصلحة القضية الفلسطينية وفي غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني.

على أن ما أفرزته معادلات الصراع الداخلي في الوضع العربي بعامة نتيجة متغيّرات العامين المذكورين، فرض تركيزاً خاصاً على الشأن الداخلي وإحداث التغيير الداخلي، وحمل معه مهادنة مع الخارج كانت استمراراً لتركيز شعارات الثورات على الشأن الداخلي وإن كان شعار الشعب يريد تحرير فلسطين قد علا بين الفينة والأخرى. ولكن على مستوى الأولوية بقي التركيز على إسقاط النظام ورئيسه.

وصحب هذا المتغيّر انقساماً داخل صفوف القوى والتيارات التي اجتمعت في الميادين وأسهمت جميعاً في إسقاط النظام وانتصار الثورة. وقد لعب الانخراط السريع في المرحلة الانتقالية في عملية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية دوراً مقدّراً في تعميق الانقسام داخل صفوف الشعب أي داخل الصفوف التي صنعت الثورة.

هذه الانقسامات أخذت تربك الوضع وتربك معه تقديرات الموقف للوضع. وتشوّش على التقويم الدقيق في قراءة العلاقة بين المتغيّرات المذكورة والقضية الفلسطينية. الأمر الذي يسمح بتشكل تقويم يقول إن القضية الفلسطينية دُحِرَت إلى الخلف أو حتى تمّ التخلي عنها، وتقدير آخر يقول إن كل ما يظهر على السطح من صراعات ومهادنات وتراشق بالاتهامات أو سلبيات لم يغيّر من استمرار تراجع أميركا والكيان الصهيوني في ميزان القوى.

وجاءت حرب الثمانية أيام الأخيرة في قطاع غزة وما تجلى فيها من موقف سياسي وعسكري هجومي من جانب المقاومة بقيادة حماس وحركة الجهاد الإسلامي ووصولها إلى فرض شروط المقاومة على اتفاق وقف إطلاق النار أكدت بما لا يقبل الشك في أن ميزان القوى ما زال في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني. ومن ثم فإن ما حدث من متغيّرات هو في اتجاه تعزيز القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية وليس العكس. وسيظهر بصورة جليّة أشدّ إذا ما اندلعت انتفاضة فلسطينية ثالثة في الضفة الغربية لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات واستنقاذ القدس، وبلا قيد أو شرط.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2165542

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المراقب العام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2165542 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010