الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013

أوباما في الكيان: حوار «صعب» وعلاقات راسخة

الاثنين 18 شباط (فبراير) 2013 par محمود الريماوي

تثير الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى “تل أبيب” في مارس/ آذار المقبل اهتماماً واسعاً، فهي الزيارة الخارجية الأولى لباراك أوباما الذي تفادى زيارة “تل أبيب” في ولايته الأولى . أوباما كان متحمساً للمسيرة السلمية في مستهل ولايته الأولى، لكنه اصطدم برفض وقف الاستيطان، وقد انكفأت واشنطن بعدئذٍ عن جهودها السلمية ربما على مضض، لكن النتيجة هي أن رئيس الدولة العظمى بدا عاجزاً عن تنفيذ التزاماته، وأضر كثيراً بمصداقيته الشرق أوسطية، واحتفظ في الوقت نفسه بمسافة عن “تل أبيب” بخصوص الملف النووي الإيراني، لجهة عدم التركيز على خيار مواجهة عسكرية .

قبل أسابيع من زيارته، وفي حُمّى الحملة الانتخابية “الإسرائيلية”، سرّبت مصادر أمريكية نقداً شديداً وجهه أوباما إلى نتنياهو، وصف فيه الأخير بأنه “جبان سياسياً لخضوعه لابتزاز المستوطنين المتطرفين بما يدفع الدولة العبرية إلى العزلة التامة”، وهو ما رأى فيه نتنياهو محاولة للتأثير في الانتخابات . بينما أيّد خصوم نتنياهو في الوسط و”اليسار” فحوى هذه التصريحات . في ظروف العلاقات الدولية “العادية” بين الدول، فإنه يمكن لتصريحات كهذه أن تشير إلى تدهور في العلاقات الثنائية، غير أن العلاقات “الخاصة” بين “تل أبيب” وواشنطن تصمد أمام أي تغيير أو تعديل، ولا تلبث أن تعود إلى سكتها الاستراتيجية، فبالتزامن مع هذه التصريحات كانت واشنطن قد اتخذت الموقف الصهيوني نفسه بمحاولة حرمان الجانب الفلسطيني من الانضمام إلى الأمم المتحدة كدولة غير عضو، مع الاتكاء على التدليس القائل إن دولة فلسطينية لن تقوم إلا عبر التفاوض، وبموافقة الجانب الصهيوني .

في هذه الأثناء تناقلت صحف صهيونية “خطة جديدة” لنتنياهو يستعد لبسطها بين يدي ضيفه غير الحميم، تقوم على إنشاء دولة فلسطينية مجردة من السلاح تعترف ب “إسرائيل دولة يهودية”، وعبر تفاوض يجري بغير شروط مسبقة، ومن دون تحديد حدود هذه الدولة العتيدة . وسواء رأى الضيف الأمريكي أن هذه الخطة لا جديد فيها، أو أنها تعكس رؤية المستوطنين أو لا، فإن مشاريع الاستيطان قائمة على قدم وساق، وبغير توقف على أرض الدولة الفلسطينية . لن يطوف أوباما على المستوطنات الشاهدة على احتلال “مدني” كثيف ومتسارع لأرض الفلسطينيين، ولكنه سوف يسمع تحليلاً خارقاً يفيد أن الاستيطان لا يعرقل عملية السلام، ولا يمنع قيام دولة فلسطينية مستقبلية . ومغزى ذلك أنه يمكن للفلسطينيين أن يتناولوا الماء من كأس فارغة، وليس لهم أن يحتجوا على ذلك، فمخالفة منطق الأشياء وبداهة الأمور مع ما يلزم من صفاقة، هو نهج صهيوني ثابت . وللمضيف أن يضيف أن الاحتلال ماضٍ في لفتاته الإيجابية بالإفراج عن جزء من الأموال الفلسطينية المحتجزة، وأن على الأوروبيين والعرب الأغنياء دعم السلطة مالياً لتحسين الأوضاع المعيشية في “يهودا والسامرة” .

في هذه الأجواء لا شيء ينبئ حتى تاريخه أن أوباما يحمل مقترحات أو خططاً ما في زيارته، بل إن ناطقاً أمريكياً صرح بأن الإدارة مستمرة في التزامها بالعملية، ولكن بغير رؤى محددة يستعد أوباما لعرضها في “تل أبيب” . وليس معلوماً إن كان يُراد بمثل هذا التصريح تخفيض سقف التوقعات الفلسطينية والعربية، أو تفادي إزعاج المضيفين الذين ينشغلون بجهود تشكيل حكومة أخرى برئاسة نتنياهو، غير أنه من الثابت أن العلاقات بين أوباما ونتنياهو دقيقة، وبغير ثقة متبادلة بينهما، لكن كما سبقت الإشارة فإن ذلك لا ينعكس بالضرورة على ثوابت علاقات واشنطن و”تل أبيب” . وهو الدرس الذي يستحق أن يتوقف عنده صانعو القرارات العرب . فمن بوش الأب إلى جيمس بيكر إلى باراك أوباما، الذين لم يُبدوا حماسة لسياسة الغطرسة والتوسع التي تنتهجها “تل أبيب”، إلا أن مواقفهم هذه لم تزحزح الثوابت، وفي مقدمها أن السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط لا يصنعها البيت الأبيض ولا الخارجية الأمريكية بصورة مستقلة، وأن قبول “تل أبيب” المسبق بهذه السياسة هو شرط لاعتمادها سياسة أمريكية تلقى رضا الكونغرس ووزارة الدفاع وبقية المؤسسات . ذلك هو أحد الأسرار المكشوفة للقرارات الأمريكية، وفي ضوء ذلك قد يكون أوباما محاوراً لنتنياهو، محاوراً صعباً ربما، وقد تثور خلافات بين الرجلين، لكن القرار الأمريكي بخصوص الشرق الأوسط يصنع في النهاية في “تل أبيب”، وبتنسيق شبه يومي مع اللوبي الصهيوني المتشعب في واشنطن . وهذا درس استخلصه أوباما من ولايته الأولى، وهو ما يفسر انصراف إدارته عن الشأن الشرق أوسطي، فلا يبقى أمام سيد البيت الأبيض سوى إبداء آراء شبه خاصة به، والسعي هذه المرة إلى حوار قد تكتنفه الصعوبة مع نتنياهو، بينما تبقى العلاقات الثنائية راسخة، وتقوم في جانب رئيس منها على استمرار التضحية باستقلال السياسة الخارجية للدولة العظمى في الشرق الأوسط .

في البرنامج المعلن للزيارة الرئاسية فإن أوباما سيقصد رام الله، وربما مدينة أريحا، وسوف يغرد أوباما (ولكن ليس على شبكة تويتر) بالتزام إدارته بإقامة دولة فلسطينية، وضرورة استئناف التفاوض في أجواء الثقة وبغير إجراءات تلحق ضرراً بهذه الثقة، والمقصود الحد من الاستيطان وليس وقفه نهائياً، أو مراجعة ما أقيم منه، ويتردد أن أوباما يسعى لجمع نتنياهو ومحمود عباس ربما في عمّان التي ستشملها جولته، فالعملية السلمية لا تنفد فصولها ومناسباتها ولقطاتها، أما الأرض وإنهاء الاحتلال العسكري والاستيطاني، فذلك شأن آخر منوط من وجهة النظر الأمريكية بموافقة “تل أبيب” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178040

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2178040 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40