السبت 12 كانون الثاني (يناير) 2013

تركيا وشراكة جديدة مع« إسرائيل»

السبت 12 كانون الثاني (يناير) 2013 par د. محمد السعيد ادريس

التوجه التركي الجديد نحو دولة الكيان الصهيوني لم يأت فقط نتيجة لجهود مضنية بذلتها الحكومة “الإسرائيلية” لمعالجة ما ظلت تعتبره مجرد “سحابة صيف” مع صديق وربما حليف استراتيجي، لكنها أيضاً محصلة تفاعل عوامل كثيرة أدت في مجملها إلى عودة تركيا “أردوغان، غول، داوود أوغلو” لمراجعة حساباتها في علاقاتها الإقليمية من ناحية، وفي علاقاتها الدولية من ناحية ثانية، مع الأخذ في الاعتبار ماتموج به الساحة الداخلية التركية من مواقف وتطورات وتفاعلات فرضت نفسها بقوة على صانع قرار السياسة الخارجية .

الحدث الجديد الذي نحن بصدده والذي يمكن أن يتطور ويفرض تحولاً جديداً في التوجه الاستراتيجي التركي يتركز في الخطوة التي اتخذتها الحكومة التركية بإلغاء رفضها لمشاركة الكيان الصهيوني في نشاطات غير عسكرية ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعام 2013 مثل اللقاءات وورش العمل شرط عدم حدوث تواجه بين الجنود “الإسرائيليين” والجنود الأتراك في هذه النشاطات .

البعض يحاول إرجاع هذا التطور إلى جهود شخصية للأمين العام لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن خلال لقاء جرى في بروكسل في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي 2012 ضمن رؤية للناتو ترمي إلى مأسسة العلاقة مع “إسرائيل” على نحو ما فعل مع عدد من دول شرق أوروبا، خصوصاً بعد أن ألغت بعض الدول الأعضاء في الناتو رفضها لمشاركة دول مثل مصر وتونس والأردن وغيرها في تلك الأنشطة غير العسكرية، أي أن قرار تركيا بإلغاء رفضها السابق لمشاركة “إسرائيل” في أنشطة الناتو المذكورة جاء ضمن جهود خاصة بالحلف نفسه، لكن مستحيل فصل هذا القرار عن استجابة الناتو لطلب تركيا بنصب بطاريات صواريخ من طراز “باتريوت” على حدودها مع سوريا، وهو الطلب الذي جاء تحت ضغوط تطورات شديدة الأهمية لها علاقة بالأمن القومي التركي وبتطورات الأزمة السورية، وهي تطورات سريعة ومتلاحقة .

بهذا المعنى يكون القرار التركي وليد نوعين من التفاعلات، الأول يتعلق بالتطورات التي لحقت بعلاقات تركيا الإقليمية وهي، في المجمل، علاقات إحباط مركزها الأزمة السورية، التي وضعت تركيا وجهاً لوجه مع كل من إيران والعراق اللذين يقفان بقوة إلى جانب النظام السوري، في الوقت الذي لم تستطع فيه تركيا تعويض تردي علاقاتها مع سوريا وإيران والعراق بعلاقات مميزة مع مصر، حيث ظهرت مصر كمنافس قوي صاحب أولوية في العلاقة مع الملف الفلسطيني، وبالذات في أزمة غزة الأخيرة، حيث استطاع الدور المصري أن يدير هذه الأزمة بمعزل عن الدور الذي كانت تأمله تركيا . أما النوع الثاني من التفاعلات فيتعلق بالتطور الجديد في علاقة تركيا مع حلف الناتو .

فقد أدركت تركيا أنه، في اللحظات الحاسمة والحرجة التي تتعلق بالأمن القومي لتركيا، لا يمكن المراهنة أو التعويل على غير الحليف الأطلسي . فحاجة تركيا إلى بطاريات صواريخ “الباتريوت” فرضت عليها مراجعة علاقاتها مع الغرب، هذه المراجعة جاءت بدورها بدافع من فشل تركيا في إدارة ملفات علاقاتها الإقليمية، وبدافع أكثر من فشلها في إدارة الأزمة السورية، وتحول ميزان قوة إدارة هذه الأزمة إلى أطراف أخرى إقليمية، بل وإلى الولايات المتحدة التي كانت القوة الحقيقية في فرض تحوّل في غير صالح المجلس الوطني السوري المدعوم من تركيا لمصلحة قيادة جديدة بديلة للمعارضة هي الائتلاف الوطني الذي جرى إعلانه من العاصمة القطرية الدوحة .

هذان التفاعلان من شأنهما فرض مراجعة جديدة في التوجهات الاستراتيجية التركية أهم معالمها، أولاً العودة مجدداً إلى أولوية البُعد الغربي والأطلسي في هذه التوجهات، وثانيها انكفاء الاندفاعة التركية نحو العالمين العربي والإسلامي وإعادة ضبط علاقات تركيا بهذين العالمين في غير مصلحة ما كانت تهدف إليه من طرح تركيا كقوة موازنة مع العرب بين كل من إيران ودولة الكيان الصهيوني، مع انحسار الدور التركي الوسيط في الأزمات بعد أن أضحت تركيا في حاجة إلى وسيط بينها وبين جيرانها لحل ما طرأ من عثرات ومشكلات من شأنها تهديد علاقات بذلت جهوداً مضنية لتأسيسها، وثالثها العودة التركية مجدداً لدعم الشراكة مع دولة الكيان الصهيوني .

بهذا المعنى نستطيع أن نقول إن قرار تركيا برفع “الفيتو” عن تعاون حلف الناتو مع الكيان الصهيوني في أنشطة غير عسكرية مثل الندوات وورش العمل والمؤتمرات لم يكن بضغوط أطلسية فقط، ولكن الأهم أنه لن يقتصر على إعطاء ضوء أخضر تركي للناتو كي يعيد مدّ يده إلى “إسرائيل”، ولكنه مرشح للتطور إلى أن تمد تركيا يدها إلى “إسرائيل”، لأنها باتت من ناحية في حاجة إلى أن تجدد التعاون مع الكيان الصهيوني، ولأنها تدرك، من ناحية ثانية، أن تأمين وتفعيل الدعم الأطلسي للأمن القومي التركي لن يكون على النحو المأمول من دون مروره من بوابة الدعم “الإسرائيلي”، أي من دون ضوء أخضر “إسرائيلي”، كما أنها مدفوعة من ناحية ثالثة لضبط العلاقات التعاونية المتصاعدة بين “إسرائيل” وكل من اليونان وقبرص، وهي لن تتمكن من ذلك من دون أن تكون على مقربة من “إسرائيل” .

هذه المعاني والإدراكات ليست جديدة على صانع القرار التركي على الرغم من كل التوتر الذي أصاب العلاقات التركية “الإسرائيلية” في ذروة الاندفاع التركي نحو دعم القضية الفلسطينية وبالذات، ابتداء من العدوان “الإسرائيلي” الأسبق على قطاع غزة (2008 2009) والاعتداء “الإسرائيلي” على أسطول الحرية ومقتل تسعة أتراك أثناء توجه هذا الأسطول لكسر الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، ورفض قادة الكيان الصهيوني الاعتذار والتعويض عن هذا الاعتداء . فقد حرص رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية دائماً على تأكيد سياسة بلاده “التوازنية” في علاقاتها الإقليمية بما فيها العلاقة مع “إسرائيل” وفي علاقاتها الإقليمية الشرق أوسطية وعلاقاتها مع أوروبا . أردوغان قال ذلك صراحة في إحدى زياراته لطهران: “تركيا لن تضحي بعلاقاتها مع الغرب لمصلحة التحالف مع الشرق . . فناحية من وجهنا للغرب والأخرى للشرق” . قال ذلك في رده على سؤال عما إذا كانت مواقف بلاده الحادة تجاه “إسرائيل” إشارة لتحولها ناحية الشرق بعد عقود طويلة من الجفاء بين أنقرة العلمانية ومحيطها الإسلامي، لكنه لم يكتف بذلك، وقال إن “أنقرة ستواصل علاقاتها مع “إسرائيل” ولكنها لن تقبل بأي ضغط “من إسرائيل وحلفائها” من الخارج ليملي عليها مواقفها السياسية” . وفي الوقت نفسه أعلن أن “تركيا وإيران تستطيعان صوغ نظام إقليمي جديد يقلل من حجم الفراغ (في المنطقة) ويضع حداً لمخططات الأعداء في الخارج” .

أردوغان قال ذلك بعد توقيع اتفاقيات عدة في طهران في المجال التجاري بهدف زيادة التبادل التجاري مع إيران من 12 مليار دولار سنوياً إلى 20 مليار دولار في عامي 2010 2011 . ولخص براق جزوجير جين المتحدث باسم رئيس الوزراء في زيارته تلك لطهران (29-10-2009) مضمون التوجه الاستراتيجي التركي بقوله: “إن تركيا توسع من علاقاتها . . ولا تغير منها . . لدينا صداقات قوية مع سوريا والعراق وإيران وروسيا وجورجيا وأرمينيا واليونان وبلغاريا وغيرها . . وهذا يعني انه ليس لدينا موقف سلبي تجاه دولة ما، ولا نقبل لأنفسنا أن نصبح مع مجموعة ضد أخرى، لسنا من مؤيدي سياسة المحاور” .

كما نفى أن يكون هذا التوجه على حساب تركيا مع الغرب و”إسرائيل” .

وإذا كانت العلاقات التركية قد تردت مع “إسرائيل” بعد ذلك وبالذات في مجال التعاون العسكري خصوصاً بعدما رفضت تركيا مشاركة “إسرائيل” في مناورات “نسر الأناضول” الجوية التركية، وأجرت مناورات عسكرية مع سوريا بعد يومين فقط من استبعاد “إسرائيل” من المشاركة في المناورات، فإن هذا العقاب التركي ل”إسرائيل” لم يحل دون مواصلة التعاون الاستراتيجي بين البلدين على نحو ماتكشف من زيارة كل من ديفيد بن اليعازر وزير التجارة والصناعة “الإسرائيلي” وايهود باراك وزير الدفاع آنذاك لأنقرة، وهي زيارات أكدت هذا التعاون وحرص الطرفين عليه ضمن الضوابط التي منعت كلاً من رئيس الجمهورية عبدالله غول ورجب طيب أردوغان رئيس الحكومة من لقاء ايهود باراك في أنقرة مكتفيين بلقاءات مع كل من وزيري الدفاع والخارجية .

حدث ذلك في ذروة الخلافات، لكن التطورات الجديدة في سياسة تركيا والانتكاسات التي واجهت علاقاتها الإقليمية وتعويلها على مزيد من التعاون مع حلف الناتو وتفاؤلها بغياب وزير الخارجية “الإسرائيلي” افيغدور ليبرمان عن حكومة ما بعد الانتخابات القادمة في “تل أبيب” يزيد من فرص تطوير شراكة جديدة تركية “إسرائيلية” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2176760

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

5 من الزوار الآن

2176760 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40