الثلاثاء 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

حكومات تصريف الأعمال

الثلاثاء 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2012 par عوني صادق

بينما يعلن نتنياهو وليبرمان عن توحيد حزبيهما وخوض الانتخابات التشريعية المقبلة في قائمة واحدة “لمواجهة التحديات«، يستمر التراشق بين حركتي (فتح) و(حماس)، بالاتهامات وكذلك بالإجراءات، ما يكشف نسياناً متعمداً للقضية الوطنية . وإذا كان قد جرى العرف أنه عندما تقدم حكومة ما استقالتها وتكلف الاستمرار في عملها إلى حين تشكيل حكومة جديدة، ليصبح اسمها “حكومة تصريف الأعمال«، فإن الشعب الفلسطيني، ولأنه “يختلف”عن غيره من شعوب العالم، له حكومتان لتصريف أعماله!

لقد أعادت أحداث الأسبوع الماضي، في الضفة الغربية وقطاع غزة، طرح السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني على نفسه كل يوم منذ سنوات، وهو: هل حقاً يمكن لأحد أن يفهم ما يجري في الساحة الفلسطينية؟ وما الذي ترمي إليه الفصائل والأحزاب والقيادات والنخب فيها؟ وأهم من ذلك، أين موقع وما قيمة ما تمارسه “الحكومتان”في “جناحي الوطن”في رام الله وغزة، سواء على الصعيد السياسي، أو العسكري، أو حتى على الصعيد الثقافي؟ وأخيراً، أين نجد موقع القضية الوطنية وسط كل ذلك؟

في أسبوع واحد تابعنا ثلاثة تطورات، يفترض أن لكل منها قدراً من أهمية: الانتخابات البلدية في الضفة، وعودة الغارات “الإسرائيلية”على القطاع، متزامنة مع زيارة أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، إليه . بالنسبة إلى الانتخابات البلدية، جرت وكأن المدن والقرى الفلسطينية ليست تحت الاحتلال، وقد نافست حركة (فتح) نفسها وفازت، بسبب مقاطعة حركة (حماس)، وأحياناً بالتزكية . وبالنسبة إلى زيارة الأمير القطري، كان الاستقبال الذي لقيه على طريقة الدول كاملة السيادة، ويرى البعض أن ذلك يفضح نوايا وخطط الحركة في غزة . أما الغارات “الإسرائيلية”التي أصبحت روتينية، وبعد استشهاد 13 فلسطينياً، بينهم قائد ميداني لحركة (حماس)، فتم التوصل بشأنها إلى “تهدئة”جديدة برعاية مصرية . فماذا، وكيف، يمكن للمواطن الفلسطيني أن يفهم هذه التطورات وما ترافق معها من مظاهر وأفعال؟

لقد كان هناك من اتهم سلطة رام الله بأنها، بإجرائها الانتخابات البلدية في الظروف الراهنة، إنما تكرس الانقسام الفلسطيني، ومن ثم تكرس الحالة المزرية للوضع الفلسطيني برمته . لكن السلطة ترد، ومعها حركة (فتح)، بأن حركة (حماس) هي التي رفضت المشاركة ولم تسمح بإجراء الانتخابات في القطاع، وهي المسؤولة عن تداعيات إجرائها في الضفة وحدها . لكن لو سألناهما، ما الذي يريدانه منها، لأجاباك على الفور: هذه الانتخابات محلية، ولا علاقة لها بالسياسة . للناس شؤون لا تنتظر ولا بد من تسييرها، ومصالح لا بد من رعايتها، وخدمات لا بد من توفيرها لهم . ولو سلمت معهما بكل ما يقولان، يظل السؤال المعلّق: ولكن، ألا يترك هذا انطباعاً بأن الوضع طبيعي، وأن الفلسطينيين يمارسون حياة طبيعية حرة، مع أن كل شيء يتم من خلال سلطات الاحتلال وموافقتها، وفي الوقت الذي تستمر (سلطات الاحتلال) في سياسات مصادرة الأرض، وإقامة المستوطنات، وتهويد القدس وتهجير سكانها العرب . . . إلخ؟، ألا يصبح ثمن تسيير “شؤون الناس”نسيان الاحتلال، والسكوت عن تآكل الحقوق الوطنية، وبالتالي ألا يصبح دور السلطة، في هذه الحالة، “تسيير وتيسير”شؤون الاحتلال، ومن ثم المساهمة في ضياع القضية الوطنية؟

بالطبع هناك من يفصل تماماً بين المسألتين، ويقول لك إن السلطة تتابع هذا الموضوع، على كل المستويات . لكن الحقيقة هي أن السلطة، ومعها الحكومة، لا تفعلان سوى “تصريف الأعمال«، ومن ضمنها تصريف “أعمال الاحتلال”. وهناك من يختصر هذه “الأعمال”في تأمين “صرف”الرواتب . ذلك أنه بعد أن لم يعد هناك وجود للمقاومة في الضفة الغربية (بالطبع دون أن ننسى تجمعات نعلين وبلعين والجدار الأسبوعية)، وأصبح الوضع بعد “التنسيق الأمني”يوصف بأنه (صفر مطلوبين) للأجهزة الأمنية “الإسرائيلية”(مع أنها اعتقلت ثلاثة فلسطينيين صباح يوم العيد)، أي أنه ليس هناك وجود حتى للعمل السياسي إلا بقدر ما هي “عملية السلام”التي تعفنت موجودة، وبقدر ما هي “العملية السياسية”الميتة - حية، وبدلالة المفاوضات المتجمدة التي تنتظر مصير “ترقية”السلطة في الأمم المتحدة!

وفي 28 يونيو/حزيران الماضي، أقام “مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات”في بيروت، حلقة نقاش بعنوان “أزمة المشروع الوطني الفلسطيني . . . الآفاق المحتملة«، شارك فيها 43 شخصاً من ممثلي الفصائل الفلسطينية، ونخبة من السياسيين والأكاديميين المتخصصين والمهتمين بالشأن الفلسطيني . وفي الجلسة الأولى، قدم رفعت شناعة “رؤية”حركة (فتح)، وانتهى إلى القول: “كان اتفاق أوسلو ينص على أن مرحلة انتقالية تنتهي في سنة ،1999 إلا أن الضغط “الإسرائيلي”استمر في التعطيل لنجد أنفسنا اليوم في سنة 2012 والأراضي الفلسطينية بكاملها محتلة، والعدو يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني . . ومجمل الأهداف والحقوق الوطنية في خطر حقيقي”. وأول أسباب ذلك، كما قال شناعة يعود إلى: “أن الحكومات “الإسرائيلية”المتعاقبة، بعد إسحق رابين، دمرت أية إمكانية للوصول إلى حلول سياسية، وأثبتت عملياً أن الجانب “الإسرائيلي”لا يريد حلاً سياسياً . ثم جاء نتنياهو لينسف آخر ما تبقى من حل الدولتين”.

وإذا كانت هذه “رؤية”حركة (فتح)، كما يعرضها رفعت شناعة، فإن السؤال المطروح يصبح مشروعاً: ماذا تفعل السلطة، والحكومة، في رام الله، غير “تصريف”معاملات لا بد من موافقة “الإدارة المدنية”التابعة للجيش “الإسرائيلي”عليها، إلى جانب “صرف”الرواتب؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010