الثلاثاء 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2012

العراق والمشوّهون

الثلاثاء 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2012 par أمجد عرار

ما أظهرته آخر دراسة بريطانية حول الارتفاع الكبير في التشوّهات الخلقية بين الأطفال العراقيين المولودين في أعقاب الاحتلال الأمريكي البريطاني، يبعث على الغضب والاشمئزاز لدرجة ضرب الرأس بجدار بغداد أو جدار الفصل العنصري مخترقاً الضفة الغربية . الدراسة التي كشف النقاب عنها في بريطانيا، وكان المفروض أن تكون دراسة عربية، تتحدّث عن معدلات مرتفعة من الإجهاض ومستويات سامة من الرصاص والتلوّث بالزئبق، وهذه أنتجت عيوباً خلقية لعدد كبير من المواليد الذين قد لا يتاح لهم رؤية عراقهم بعيون آبائهم، هذا إذا أتيح لهم أن يعيشوا في هذه الدفيئة الواسعة للفتنة والتفجيرات والفقر والنظام السياسي الأشد تشوّهاً من المواليد العراقيين .

ما يؤكّد الربط العضوي بين هذا الواقع الكارثي والاحتلال أن العيوب المشار إليها رصدت بمعدل متزايد لدى أطفال مدينة الفلوجة التي فعلت قوات الاحتلال الأمريكي فيها ما فعلت في عدوانين عسكريّين كبيرين قبل ثماني سنوات سقط فيهما أعداد كبيرة من الضحايا شهداء وجرحى ومعوّقين، إضافة إلى ما نتج عنهما من دمار هائل يضاف إلى الدمار الذي نتج عن قصف العراق كلّه أثناء عملية احتلاله .

فالفلوجة أصبحت تعرف اليوم بأنها المدينة التي تشهد ولادة أعداد كبيرة من الأطفال المشوّهين خلقياً، أو التي تموت فيها أعداد كبيرة من الناس بسبب وباء السرطان الناتج عن ذخائر اليورانيوم المنضّب وقذائف الفوسفور الأبيض التي استخدمتها قوات الاحتلال .

ولم تكن الفلوجّة وحدها، بل رصدت عيوب خلقية مماثلة بين الأطفال المولودين في مدينة البصرة، حسب التقرير الصادر في الدولة التي كانت قواتها تحتل هذه المدينة العراقية الجنوبية . وهنا أيضاً، التقارير الطبية كشفت عن إصابات سرطانية غريبة منذ مطلع سنة 2003 حيث سجّل ارتفاع غير مسبوق في نسبة الإصابة بهذا المرض بعد الاحتلال، فمن سبعين حالة كانت تسجّل سنوياً خلال عقد التسعينات من القرن الماضي أصبح يسجل الآن أكثر من ثلاثمئة حالةً سنوياً . بل إن الإحصاءات تقول إن ما يقرب من نصف ما سجل في 10 سنوات من إصابات سرطانية . وما يؤكد أن الكارثة تتفاقم وأن عام 2010 شهد من الإصابات أكثر من ضعف ما شهده عقد التسعينات كلّه .

هذه الدراسات جاءت مصداقاً لتقارير عديدة سابقة تحدّثت عن أن الذخائر التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق أدت إلى أزمة صحية كبيرة ومتفاقمة، حيث تردد أن الذخائر التي استخدمت تحتوي على اليورانيوم المنضّب وغيره من المواد الخطرة .

عندما تلتقي هذه الوقائع المرّة والكارثية بحد ذاتها مع الموت اليومي المتنقّل، يكاد المرء يفقد الأمل برؤية العراق يتعافى، لأن هذا التعافي رهن باستيقاظ أبناء هذا البلد الذي تكمن عراقته في اسمه، وتنبّههم إلى ما حيك لهم من دسائس فتنوية مدمّرة، وما نصب لهم من أفخاخ سياسية متعددة الأشكال والألوان .

من المؤسف أن يتحوّل احتلال بلد عربي إلى قضية نقاشية وفيها وجهات نظر، في حين أن التاريخ لم يقدّم حالة واحدة يناقش فيها شعب مدى مشروعية غزوه واحتلاله مهما كانت الأعذار والذرائع . الاحتلال يضاعف المشكلات ولا يحلّها، يفاقم الكوارث ولا يخفّفها، يستعبد الشعوب ولا يحرّرها، وهو يجلب أدوات تخدمه ولا يأتي بالديمقراطية . على العراقيين أن يدركوا هذه الحقائق، وينصهروا في وطن يتسع للجميع، وألا يستمعوا لمن هم مصابون بتشوّه فكري أخطر من التشوهات الخلقية، بل هم أخطر على الوحدة الوطنية من اليورانيوم المنضّب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165995

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165995 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 25


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010