الجمعة 18 حزيران (يونيو) 2010

العرب وإدارة الأزمات

الجمعة 18 حزيران (يونيو) 2010 par د. محمد السعيد ادريس

حتى الآن لا توجد إدارة عربية متخصصة لإدارة الأزمات، تكون معنية بدراسة وتحليل ما يواجه الأمة من أزمات وتحديات، وأن تقول كلمتها وتتحمل مسؤولية إدارة هذه الأزمات ومتابعتها .

مثل هذه الإدارة غير موجودة حتى الآن، ولذلك فإن الأزمات التي تواجه العرب يجري التعامل معها منفصلة، ولا توجد أية متابعات لتطوراتها، وأكبر دليل على ذلك ما حدث ويحدث من مواقف عربية تخص الجريمة “الإسرائيلية” ضد “أسطول الحرية” .

فقد نجحت هذه الجريمة في فرض عدد كبير من النتائج والتداعيات، وكان من أبرزها وضع “إسرائيل” كدولة تمارس إرهاب الدولة ونزع كل أو معظم ذلك الغطاء الزائف من التمدن والعصرنة والديمقراطية، كما فضحت الأزمة جريمة فرض الحصار على قطاع غزة، وأكدت أن هذا الحصار جريمة ضد الإنسانية، وكل من يشارك فيه ويتواطأ معه متهم ومدان بارتكاب هذه الجريمة، كما وضعت الأزمة الكيان وكل من يتسترون على جرائمه ويدعمونه في مواجهة مأزق نفسي وأخلاقي أمام العالم لدرجة دقت ناقوس الخطر داخل الكيان، وأجبرت رئيس جهاز الاستخبارات (الموساد) على أن يحذر من أن “إسرائيل” بدأت تتحول إلى عبء على حلفائها، وخاصة الولايات المتحدة .

كل هذا حدث، لكن ما هو أهم منه أن العالم بات مقتنعاً بأمرين: أولهما ضرورة محاكمة المجرمين “الإسرائيليين” المسؤولين عن مجزرة “أسطول الحرية” من سياسيين وعسكريين . وثانيهما، ضرورة الإسراع بفك الحصار عن قطاع غزة . هذان الأمران ارتبطا بتطور آخر لا يقل أهمية وهو أن تركيا تحولت إلى رصيد قوي للعرب وإلى شريك قادر على أن يؤثر بقوة في الكيان الصهيوني وحلفائه، وأن تؤسس لشراكة عربية تركية، يمكن أن تتطور إلى شراكة عربية تركية إيرانية كفيلة بفرض واقع جديد لتوازن القوى الإقليمي يمكن أن يؤثر بفاعلية في مجرى الأحداث والتطورات، وبالذات مسار تطور الصراع العربي الصهيوني .

الآن، وفي ظل غياب الإدارة العربية المسؤولة عن متابعة وتفعيل هذه التطورات، بدأت التطورات المضادة أو المعاكسة تفرض نفسها . فالزخم السياسي والإعلامي العالمي المعادي ل”إسرائيل” أخذ يتراجع ويفتر لسببين: أولهما توقف الإعلام الدولي عن متابعة الحدث بضغوط هائلة . وثانيهما نجاح الإعلام المضاد الأمريكي و”الإسرائيلي” في طرح قضايا وأولويات أخرى بديلة قبل الترويج لحلول لمشكلة الحصار، لا تضر بالأمن “الإسرائيلي” .

هذا الفتور الذي أصاب الحماسة الدولية ضد “إسرائيل” أخذ يمتد إلى جهود محاكمة “إسرائيل” وقبول استبدال المحاكمة بتحقيق دولي غير نزيه، أو بتحقيق “إسرائيلي” بمشاركة أمريكية وأوروبية هامشية .

كما أن قضية كسر الحصار والنيل من قاعدته السياسية، أخذ يتراجع هو الآخر، وبدأت الحماسة تنحسر في مجرد البحث في كيفية تمرير مساعدات بعينها إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، مساعدات إنسانية من دون غيرها، مع الحفاظ على الخلفيات السياسية للحصار كما هي، وهي اتهام حركة حماس ب”الإرهاب” وعدم الاعتراف بشرعيتها، ومعاقبة تيار المقاومة لصالح دعم تيار الاستسلام، وإرغام حركة “حماس” على القبول بمصالحة مع السلطة تنال من الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني .

هذا التراجع يتزامن مع جهود أمريكية “إسرائيلية” تهدف إلى حل الخلافات التركية “الإسرائيلية”، بعضها يأخذ شكل الضغوط ضد الحزب الحاكم وضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان شخصياً وحكومته، وضغوط أوروبية تلمح إلى تفاهمات وإغراءات لتركيا كي تتراجع عن مواقفها الجديدة وعن تحولاتها من حليف ل”إسرائيل” والغرب إلى طرف فاعل في معادلة توازن القوى في الشرق الأوسط في اتجاه مغاير لما تريده “إسرائيل” .

نجاحات تحققت لم يكن لنا يد فيها ولم نستطع أن نحافظ عليها لأسباب كثيرة من أهمها أننا لا نملك هيئة متخصصة لإدارة الأزمات، قادرة على أن تتفاعل معها بما يخدم مصالح العرب، وبما يحدث تراكماً في الإنجازات، وبما يحول دون خسارة الإنجازات، ويتصدى للخسائر .

والآن وبعد زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى قطاع غزة، وإعلانه أن الحصار على قطاع غزة “يجب أن يرفع ويكسر”، وأن هناك قراراً عربياً واضحاً بهذا الشأن يجب أن ينفذ، فإن هذا الاعلان من جانب الأمين العام يرجح أن يبقى مجرد إعلان، إذا لم تكن هناك في الجامعة هيئة مسؤولة عن تنفيذه، ومتابعة ما يحدث على كل الصعد، وأن يبدأ العرب بكسر هذا الحصار، وأن تكون البداية بفتح المعابر العربية، وأن تدخل قوافل الدعم الرسمية العربية إلى قطاع غزة، وليس فقط الأهلية، لأن دخول الدعم الرسمي العربي هو الإعلان الحقيقي عن كسر الحصار، وبعدها تبدأ المشاركة العربية الرسمية في كسر الحصار عن القطاع عبر البحر، وأن يكون كسر الحصار شاملاً لأبعاده السياسية، أي إنهاء التعامل العربي مع حركات المقاومة باعتبارها “إرهاباً” كما تريد واشنطن و”إسرائيل”، وإلغاء كل أشكال المقاطعة لهذه المقاومة، عندها يكون الحديث عن المصالحة الفلسطينية منطقياً عملياً، وعندها تكون متابعة جهود محاكمة المجرمين الصهاينة منطقية هي الأخرى، ومن دون ذلك سوف تفلت من بين أيدينا كل الإنجازات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 41 / 2178598

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178598 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40