الجمعة 7 أيلول (سبتمبر) 2012

مصر والخط الثالث

الجمعة 7 أيلول (سبتمبر) 2012 par أمجد عرار

دعوة المرشح السابق للرئاسة المصرية حمدين صباحي، القوى والأحزاب المصرية للانضمام إلى تياره الشعبي، تعبر عن حاجة الشعب المصري إلى نمو ورسوخ الخط الثالث كخيار لا بد منه من أجل استكمال أهداف انتفاضته، وصولاً إلى تحقيق انتصارها أو وضعها على طريق انتصارها. من الواضح أن تحقيق هذا الهدف الكبير والثوري يحتاج إلى أداة ثورية وسياسات مختلفة نوعياً عن تلك المتبعة، وجزء كبير منها امتداد للسياسة القائمة منذ أربعة عقود.

توجّه صباحي قد يكون تلمّساً جزئياً للطريق، لأن حلول مشاكل مصر ومهمّة استعادة دورها القومي والإقليمي والدولي بحاجة إلى خط ثوري بديل وسياسات تشكل حالة قطع مع ما مضى واستمر، مع إدارة علمية لصراع فيه أثمان وتضحيات وقرارات ترقى للعمل الجراحي.

صيغة «التيار الشعبي» لم تقدّم عبر التاريخ تجربة ثورية أفضت إلى وضع جديد، فهي صيغة جاذبة لكنّها هلامية وفضفاضة وعندما يجري العمل بها على أرض الواقع تؤدي إلى نتائج غير مقررة. التاريخ عرف صيغة الجبهة الوطنية العريضة التي تضم مختلف القوى والطبقات والشرائح صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة، وهذه الجبهة يقودها حزب قوي يشكّل عمودها الفقري، ويستند إلى رؤية فكرية واضحة ونظرية ثورية تحدد البوصلة وتستقطب أبناء الشعب نحو أهداف يلمسون وجودها لدى هذه الصيغة. أما العضوية المفتوحة بلا شروط ومعايير فإنها تؤدي بالضرورة إلى تسلل عناصر انتهازية مخربة، وقد تملك هذه العناصر نفوذاً وإمكانات تؤهلها للصعود إلى المواقع القيادية العليا، فنعود إلى «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».

مصر المنتصرة بحاجة إلى سياسة تنموية ومنهج اقتصادي مختلف نوعياً، ولكي يتحقق ينبغي أن يستند إلى خطط علمية وواقعية تنتهج آليات علمية وعملية قادرة على استخراج الطاقات وتوظيفها من خلال عملية اقتصادية منتجة تحقّق النمو، ولو على نحو بطيء في البدايات. هذه الآليات، وإن كانت لا توفر حلولاً فورية للمشكلات المتراكمة، إلا أنها ضرورية وشرطية لتحقيق مبدأ الاستقلال السياسي، لأن أية سياسات تبنى على الاقتراض من مؤسسات مالية أهدافها معروفة، أو على المساعدات الخارجية التي لا يمكن أن تكون، في أغلبيتها، بريئة ومجرّدة من الأهداف السياسية والأجندات. هناك نماذج ماثلة لدول تتبع سياسات تحتاج إلى متابع عادي يربط سياساتها بقوى خارجية من خلال الحبل السري المالي. هناك قاعدة تاريخية لم يأت الزمن بأي دليل يبطلها، هي أنه لا استقلال سياسياً من دون استقلال اقتصادي. وإذا لم يتحقق استقلال مصر اقتصادياً، لن تكون قادرة على استعادة دورها القيادي والريادي إقليمياً والفاعل دولياً، ذلك أن هذه الاستعادة تتطلب قرارات حاسمة تنطوي على نوع من المواجهة وإعادة النظر في التحالفات وأخذ الموقع في صراع ما زال قائماً مع الكيان الصهيوني الذي لم يتوقّف استهدافه لمصر في أي يوم من الأيام رغم معاهدة «كامب ديفيد».

المنطقة تعيش حالة غليان، وهي مقبلة على توترات أعلى وربما على انفجار وحرب، ومن الواضح أن الصيغة القديمة لا تستطيع أن تبقى على حالها، حيث إن الشعب المصري لم يعد يرضى بحالة الانكفاء والتهميش التي سادت عقوداً بعد خروج مصر من دائرة الصراع. ولكي يحصل التواؤم بين إرادة الشعب والسلطة السياسية، بات الطريق واضحاً، حيث إن موقف الشعب المصري في طليعة الشعوب العربية، معاد للاستعمار وربيبته الصهيونية، ومتبن حتى النخاع قضية فلسطين، ويميّز جيداً بين معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء، وأي قيادة سياسية تريد أن تقطع مع الوضع الذي كان قائماً، ستجد نفسها مضطرة للقطع مع كل سياساته، وأولاها التبعية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010