الخميس 30 آب (أغسطس) 2012

في منزل جزار قانا

الخميس 30 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

أجزم أن كل محامي الأرض لو التقوا معاً لما استطاعوا أن يبرّروا أو يفسّروا أو يدافعوا عن زيارة صحافيين فلسطينيين لرئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز في منزله، رغم كل ما قيل عن تحذيرات من نقابة الصحفيين في الضفة بأنه ستكون هناك مجموعة من العقوبات بحق من يلتقي مجرم الحرب هذا، لأن من شأن اللقاء معه حتى لو في القطب الشمالي أن يمنح جرائمه غطاء فلسطينياً، ومن نخبة اسمها الصحافيون. هذا العجوز المواظب في خدمة شيء واحد هو المشروع الصهيوني، يمارس في العقود الأخيرة دور الماكياج لتجميل الوجه القبيح لهذا الكيان الاحتلالي الاستيطاني البغيض. هؤلاء الذين يرفضون الحوار بين حكومات عربية ومعارضاتها، ويسهمون بأقلامهم في إطالة نزف الدم العربي، لم يعد لديهم حوار «مشروع» سوى مع قتلة العرب.

قبل بضعة عقود، كانت بعض اللقاءات تعقد خلسة مع يهود تقدّميين، وقد أخذ هذا الموضوع حيّزاً واسعاً من الجدل الساخن في أروقة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ودوائرها الصحافية والثقافية، وحسم الجدل لمصلحة تسويغ اللقاءات مع القوى اليهودية المعادية للصهيونية، وكان ذلك الحسم إيجابياً وحتى ثورياً، مع العلم أن بعض من في منظمة التحرير كان يريد تحويل هذه النافذة الصغيرة إلى بوابة يعبر منها إلى التسوية مع الكيان الصهيوني نفسه، ولكن على نحو تدريجي وبغطاء من قوى اليسار. ورغم ذلك كانت اللقاءات تجري تحت ستار من السرية وعلى استحياء وخجل، وفي كثير من الأحيان كانت تصدر تصريحات تنفي حصول هذا اللقاء أو ذاك. وسواء كان النفي صحيحاً أم غير ذلك، فإنه يعكس شعوراً عميقاً بالخجل والخوف من ردة الفعل الشعبية.

هذه الأيام يباهي أحد الصحافيين الذين حلوا «ضيوفاً» لدى بيريز، حسب ما توهّموا، وطعماً تطبيعياً حسب واقع الحال الذي لا واقع غيره، بأن اللقاء يكاد ينسج معلقات من شعر المديح بـ «سيف الدولة» الجديد. يمدح ويثني ويشيد ويتقافز فرحاً، لأنه تحدّث «وجهاً لوجه» مع جالب المفاعل النووي من فرنسا وزارعه في النقب الفلسطيني، لدرجة أن هذا الصحافي يقتبس آية من لقرآن الكريم ليجيّرهاً «فتوى» للقاء، لأن هذه «الفتاوى» أصبحت موضة سياسية لكل من هب ودب وقبض. أحد المنتشين باللقاء يضع عنواناً لمقال «صحافي فلسطيني ورئيس «إسرائيلي» ومستقبل مشترك». أي مستقبل هذا الذي يتحدّث عنه هؤلاء التطبيعيون؟ فليعودوا إلى الوراء عشرين عاماً، إلى سنة 1993 عندما وقعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع هذا البيريز وتوأمه إسحاق رابين «اتفاق أوسلو». في ذلك الوقت، ألم يكن عام 1999 مستقبلاً «مشرقاً» في تنظيراتهم باعتباره نهاية مفاوضات الوضع النهائي التي ستجلب الدولة وعاصمتها القدس الشريف؟ ما إن انتهت تلك السنة حتى بدأت «إسرائيل» مرحلة جديدة من العدوان الفلسطيني عندما كانت شرارتها تدنيس شارون لحرم المسجد الأقصى، ثم ارتقى العدوان درجات عبر قنص الأطفال بالرصاص في المرحلة الأولى من انتفاضة الأقصى، قبل أن تبدأ الاجتياحات والمجازر واستخدام الطائرات المقاتلة والدبابات لأول مرة منذ عام 1967.

كل تلك الحقبة الدموية كانت في «تبشيرات» المطبعين والتسوويين «مستقبلاً مشتركاً».

وإذ يضحك عليهم بيريز بكلام عن «الشبه والاختلاف» بين الإسلام واليهودية والقيم المشتركة بينهما، فإن هذا لا يبرئ هذا البيريز من دم أطفال قانا في مذبحة لبنان.

مهما يكن من أمر فإن هؤلاء واهمون إذا اعتقدوا بأنهم قادرون على تحويل العدو التاريخي للأمة إلى منقذ لبعضنا من بعض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165884

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165884 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010