الخميس 17 حزيران (يونيو) 2010

اي دور لتركيا بين العرب و«اسرائيل»؟

الخميس 17 حزيران (يونيو) 2010 par د. عصام نعمان

لعبت تركيا مع العرب ، خلال نصف قرن ، ثلاثة ادوار .

في خمسينات وستينات القرن الماضي ، لعبت دور حليف الغرب ضد العرب . كانت عضواً رئيساً في حلف بغداد المماليء لـِ “اسرائيل” والمعادي لحركة التحرر العربية بقيادة جمال عبد الناصر . في ظل حلف بغداد تواطأت بريطانيا وفرنسا واسرائيل على مصر وقامت بغزوها العام 1956 انتقاماً منها لتأميمها مرفق قناة السويس ، فلم تحرك تركيا ساكناً . بعد الحرب ولغاية انهيار الاتحاد السوفياتي ، ظلت تركيا تدور في فلك الغرب الاطلسي وتقيم مع اسرائيل علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية قوية .

بعد وصول الاسلاميين الى السلطة بشخص نجم الدين اربكان ومن ثم رجب طيب اردوغان ، انفتحت تركيا على العرب ولعبت دور الوسيط بين سوريا واسرائيل في مفاوضات غير مباشرة .

إزاء ممانعة دول عدة إنضمام تركيا الى اوروبا ، ضاعف اردوغان انفتاحه على العالم العربي والإسلامي ، ونسج صلات مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، لاسيما مع حركة “حماس” ، وعزز علاقاته السياسية والاقتصادية مع سوريا وارتقى بها الى مستوى الشراكة الاقليمية ، وشارك بفعالية في الترويج لشعار كسر الحصار على غزة ، وساند حملة “اسطول الحرية لغزة” الى حد الإصطدام مع اسرائيل سياسياً وديبلوماسياً واعلامياً .

اليوم تلعب تركيا ، بقيادة اردوغان ، دور نصير الفلسطينيين والعرب ، لاسيما في ما يتعلق برفع الحصار عن غزة ، بل هي شفعت هذا المطلب المحق بمطلب آخر هو ضرورة رفع الحصار عن حركة “حماس” . ألم يعلن اردوغان اخيراً في خطبته بمدينة قونية “ان رجال حماس ليسوا ارهابيين ، وان حماس يجب ان تعطى فرصة للممارسة الحكم الديمقراطي” ؟

اكثر من ذلك ، دخل اردوغان على خط مصالحة “فتح” و“حماس” بقوله إن “حماس” أعطته تفويضاً بذلك وانه ينتظر ان تمنحه “فتح” تفويضاً مماثلاً.

هذه المواقف جميعاً توحي بأن رئيس وزراء تركيا ، ماضٍ في نهجـه السياسي الاقليمي الذي يصبّ في مصلحة اكثرية الشعب العربي ولكن ليس ، بالضرورة ، في مصلحة اكثرية الحكومات العربية . ذلك ان حكومات عدة تصنّف نفسها بأنها “معتدلة” ولا تجاري انقرة في كل مواقفها وتتحفظ ضمناً عن بعضها بسبب تعارضها مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة .

مهما يكن من أمر ، فإن نهج اردوغان يتطلب توضيحاً وذلك لتمييز اطروحاته عن اطروحات تحمل العناوين ذاتها ويرفعها سواه .

لنأخذ مطلب رفع الحصار مثلا. انه لا يعني إزالة العقبات التي تحول دون وصول مواد الغذاء والدواء والبناء الى قطاع غزة فحسب بل يعني ايضا إلغاء قرار حجز شعب غزة في سجن كبير هو القطاع نفسه . انه يعني تحرير شعب غزة من كل اجراءات الإحتلال الاسرائيلي التعسفية المتمثلة بالحصار البري والبحري والجوي الذي يصادر حرية الناس في جميع الميادين وعلى جميع المستويات .

الى ذلك ، يعني رفع الحصار ، في المفهوم التركي ، الإعتراف بحركة “حماس” وبالحكومة المنبثقة عن الشعب الفلسطيني في الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2007 ما أدى الى امتعاض اسرائيل وامريكا وبالتالي رفضهما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة اسماعيل هنية ، وقيامهما بالضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من اجل إقالتها .

هذا الموقف من الانتخابات ومن “حماس” وحكومة هنية يشكّل افتراقاً تركياً كاملاً عن سياسة الولايات المتحدة التي تدعم حصار اسرائيل لغزة وتحاول الآن الإلتفاف على مطلب رفعه بصورة كاملة بالدعوة الى فتح المعابر جزئياً امام مواد الغذاء والدواء والبناء وإبقائها مغلقة وخاضعة للتفتيش إزاء سائر المواد والبضائع بدعوى الحؤول دون وصول اسلحة الى فصائل المقاومة .

إن اتضاح موقف تركيا على هذا النحو يلقي على العرب عموماً وملتزمي خيار المقاومة خصوصاً مسؤولية سياسية ، بل ميدانية ايضا ، بألاّ يكونوا أقل إلتزاماً بنصرة فلسطين والفلسطينيين من تركيا والاتراك . إن موقفاً متهاوناً في هذا المجال لا يسيء الى قضية فلسطين وحقوق الفلسطينيين فحسب بل يضرّ تركيا و(اردوغان) أيضاً .

كيف يمكن ان نتصرف ، لا سمح الله ، على نحوٍ يسيء الى قضيتنا والى تركيا ؟

ان نتهاون في مسألة رفع الحصار ، فنقبل بأن يقتصر فتح المعابر على نقل مواد الغذاء والدواء والبناء ولا نصرّ على وجوب فك الحصار عن كامل القطاع وتحرير شعب غزة من السجن الكبير الذي وضع فيه منذ ثلاث سنوات .

ان نتهاون في مسألة إجراء تحقيق دولي في جريمة اعتداء اسرائيل بتاريخ 31/5/2010 على “اسطول الحرية لغزة” في المياه الدولية ، فنرضى بتحقيق تجريه اسرائيل وحدها .

ان نعود الى تسيير سفن ملأى بعدد محدود من المتضامنين وذلك بشكل افرادي ما يسمح لـِ “اسرائيل” بأن تتعاطى معها كما تعاطت مع سفينة “راشل كوري” ، أي بالقول إنها اعترضتها من دون صدام لأن المتضامنين على متنها أشخاص حضاريون وليسوا اسلاميين متطرفين كالمتضامنين الاسلاميين من ركاب السفينة التركية “مرمرة” !

حذار التهاون في ايٍّ من المسائل المار ذكرها فنسيء الى قضيتنا كما نسيء الى صديقة فلسطين والعرب الجديدة ، تركيا . ففي التصدي لكل هذه المسائل يجب ألاّ نكون أقل إلتزاماً ونصرةً لفلسطين والفلسطينيين من تركيا والاتراك .

لعل أفضل ما يجب ان ندعو اليه ، مداورةً ، كي تقوم تركيا (وغيرها من الدول) بإعتماده مباشرةً هو تنظيم أساطيل من السفن يمتلأ كل منها بمئات المتضامنين مع شعب غزة ، يكونون مستعدين للإصطدام والعراك مع جنود البحر الاسرائيليين اذا ما حاول هؤلاء منعهم من الوصول الى ميناء غزة . المطلوب حصول مقاومة غير مسلحة ولكن فعالة للجنود الإسرائيليين بغية حصول حدث بل احداث تصنع اخباراً وتجتذب انتباه ملايين البشر تحت كل كوكب.

وحبذا لو تقوم تركيا بإرسال بعضٍ من قطع اسطولها لمواكبة الاساطيل المتجهة الى ميناء غزة في المياه الدولية الى ان تصل بها الى المياه الاقليمية الفلسطينية ، وان تدعو الامم المتحدة لتقوم ، بشكل او بآخر ، بتفتيش السفن وحمولاتها قبل تفريغها لتتأكد من انها لا تحمل أسلحة او معدات عسكرية .

إن احداً لن يلوم تركيا اذا ما نفذ اسطولها البحري هذه المواكبة للأساطيل المدنية المتجهة الى ميناء غزة لأن المواكبة تتم في المياه الدولية وهي من قبيل “المرور البريء” الذي يجيزه القانون الدولي ، مع العلم ان اسرائيل خرقت هذا القانون بإعتراضها “اسطول الحرية لغزة” في المياه الدولية ، فلا يمكنها تحت اية ذريعة ان تعترض قيام تركيا بممارسة حقها وفق أحكام القانون الدولي .

ولا خوف من نشوب صدام بين اسطولي تركيا واسرائيل في أعالي البحار او في المياه الاقليمية الفلسطينية لأن لتركيا الوزن السياسي والقدرة الردعية الكافية لإحباط اي تفكير اسرائيلي جنوني من هذا القبيل ، ولأن اميركا ، ام اسرائيل ، لن تسمح لإبنتها المدللة بأن تزجها في ورطة كهذه ، مهما استبد بها الدلال و... الجنون .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2177908

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2177908 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40