الأربعاء 29 آب (أغسطس) 2012

تحرير الدين

الأربعاء 29 آب (أغسطس) 2012 par عبد الزهرة الركابي

فيما كان خطيب «جامع براثا» في بغداد الشيخ جلال الدين الصغير «يبشرنا»، بانطلاق الحكم الإسلامي الجديد من العراق، ينبري في وقت متزامن خطيب (مسجد القائد إبراهيم) في الإسكندرية بمصر الشيخ أحمد المحلاوي بالقول، «إن طاعة الرئيس محمد مرسي أصبحت فرضاً على كل مسلم مثلها مثل الصلاة». وفي الوقت نفسه أيضاً يشن السلفيون المتطرفون بالسيوف في مدينة بنزرت في تونس، هجوماً على منظمي مهرجان «يوم القدس» الذي شارك فيه عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار الذي اضطر الى النفاذ بجلده من باب خلفي. وقد أدى هذا الحادث الى إصابة ثلاثة من المنظمين وامرأة. ويعد هذا الهجوم الثالث من نوعه للسلفيين الذين قاموا بارتكابات واعتداءات، تتمثل في استخدام السلاسل والسكاكين ومفكات البراغي والبيض وقوارير المياه والأحذية في هجومهم على المسرحيين ومعرض للرسوم، وكذلك في الاعتداء على أستاذ للجماليات. الواضح أن هؤلاء على مختلف مشاربهم وتسمياتهم ، استغلوا تمخضات أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، لإملاء توجهاتهم السياسية والاجتماعية التي اختزلت في محاولات السيطرة على الدين والدولة في البلدان التي باتت في قبضتهم على النحو المعروف، لا سيما في تونس ومصر، وهذه التوجهات اتخذت أبعاداً متشددة ومتطرفة، أدت إلى تعطيل الكثير من الفعاليات الفنية والاجتماعية والسياسية، كما حصل في تونس التي أسلفنا في ذكر الاعتداءات التي قاموا بها والأساليب والأدوات التي استخدموها. وإذا كان الإسلاميون المتطرفون في هذه الفترة الانتقالية، قد اتضحت وشخصت أغراضهم وأهدافهم، فإن لزاماً على القوى الأخرى إيجاد السبل المناسبة لصون الدين من ممارساتهم والمحافظة على شكل الدولة المعتاد، من خلال فض ائتلافاتها مع القوى الإسلامية الحاكمة، وكي يتسنى لهذه القوى توحيد صفوفها والتحضير جيداً لمحطات العمل السياسي المستقبلي، بما في ذلك استيعاب دروس اللعبة الديمقراطية التي أوصلت الإسلاميين الى الحكم. لاشك أن جماعة «الإخوان المسلمين» خرجت من تحت عباءتها الكثير من التنظيمات والأحزاب المتأسلمة، حيث كانت منذ الستينات تدعو لنظام إسلامي يتمثل في أطروحة «حاكمية الله»، وبما أن الحكم قد آل إلى هذه الجماعة في مصر، وإلى «حركة النهضة» الإسلامية في تونس، فلا مناص من القول إن الجماعة ومن خرج من عباءتها، لن تتوانى عن السير بهذا الاتجاه، عندما تحكم قبضتها على مفاصل الحكم بشكل كامل، لأن هناك موانع مرحلية في هذا الوقت، قد تجعل الجماعة ومن على شاكلتها، تتريث قليلاً في تنفيذ أهدافها بشكل مباشر، خصوصاً أن هناك صراعاً داخلياً واجتهادياً بين جماعات الإسلام السياسي، وكذلك بين هذه الجماعات والمؤسسات الدينية التقليدية مثل الأزهر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن هذا الصراع يتمحور حول الوظائف الدينية، وكذلك الأهداف السياسية والدينية المختلطة، حيث يحتدم الصراع بشأن المرجعية في الدين، ويرى السلفيون في هذا الجانب، أنهم أولى بها من «الإخوان»، وإذا كان هذا الأمر يمثل وجهاً جانبياً من هذا الصراع، يبقى جوهر الصراع في تطبيق المفاهيم التي يطرحونها، فالإسلاميون الحزبيون يريدون إقامة دولة إسلامية تطبق الشريعة، وهم القائمون على تطبيقها، وبذلك فهم يريدون تولّي السلطة باسم الإسلام حسبما يقول أحد الباحثين.

وعلى كل حال، يدعي «الإخوان» وبعض السلفيين، أن تطبيق الشريعة لا يتعارض مع مدنية الدولة، وبالتالي ليس هناك تمييز وتمايز بينهما، بيد أن المعنيين يعتبرون مثل هذا الادعاء ليس صحيحاً، وإنما هو ذريعة للاستيلاء على الدولة باسم الدين، وهم يقترحون بمواجهتها (أي هذه الذريعة) من خلال إقناع الناس بعدم التصويت للإسلاميين، ويطالبون باستحداث نهوضٍ في الفكر الإسلامي يُحرّر الدين من قبضة التسييس والاستتباع. خلاصة القول، إن قيادات الإسلاميين تواجه العديد من المشاكل المزمنة التي استفحلت منذ وجود الإسلاميين في موقع المعارضة، وهي مشكلات تُعد بمثابة العوائق في طريق تنفيذ أهدافها في هذه المرحلة، فهناك مشكلة التربية التي نشأت عليها كوادرها، والمتمثلة في التشدد الذي يسود في صفوفها، وهذا الخطر المستشري في الوعي، بشأن تطبيق الشريعة، بما في ذلك كيفية تغيير شكل الخطاب الذي كان سائداً في المعارضة إلى خطاب يتماشى مرحلياً مع موقع السلطة الذي أصبحوا يحتلونه. كما تواجه هذه القيادات مشكلة المشاكل، وهي الاعتراف حقاً بأن الشعب مصدر السلطات، والقول بالتالي بالدولة المدنية، ناهيك عن مشكلة العمل على إحداث نهضة في الشأن الديني باتجاه إخراج الدين من الصراع السياسي، خصوصاً أن هذه القيادات استخدمت الدين في الوصول الى الهدف السياسي أو السلطة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 55 / 2178248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40