السبت 25 آب (أغسطس) 2012

الحرية بعد السجن

السبت 25 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

أستطيع أن أتصور مشاعر أبناء الجولان المحتل برؤية ابنهم الأسير المحرر صدقي المقت بينهم مرة أخرى، بعد سبعة وعشرين عاماً أمضاها خلف قضبان المعتقلات الصهيونية. فهي مشاعر يمتزج فيها الفرح والفخر بأن يعود أحد مقاومي مجدل شمس مرة أخرى إلى أحضان بلدته وهضبته المحتلة، ليكون واحداً من صناع المستقبل الحتمي لأرض ستتحرر طال الوقت أم قصر، لأن القضايا الكبرى لا تؤخذ بالعواطف وتلبية الرغبات الجيّاشة والمزايدة التصيّدية. المشاعر ذاتها تراود الأسرى الفلسطينيين، ممّن عايش صدقي أو سمع عنه ولم تجمعه به زنزانة أو غرفة أو قاعة محكمة أو مستشفى سجن الرملة، ولا يخرج عن دائرة هذه المشاعر كل إنسان يتفاعل مع القضايا الإنسانية والسياسية العادلة. الأسرى الذين دخلوا السجن في منتصف أغسطس/ آب 1985 يتذكّرون جيداً تلك المجموعة المقاومة من أبناء الجولان، ومنهم صدقي المحرر قبل يومين، وبشر المقت الذي تحرر قبل قرابة العام، وأيمن أبو جبل الذي تحرر قبل بضع سنوات، وسيطان الولي الذي يمضي وقته الآن بين أحضان أسرته بعد عقود أمضاها في الأسر. من عايشهم يتذكّر مقاومين مثقفين بأدمغة لامعة، وبانكباب قل نظيره على الكتب والتثقيف الذاتي والجماعي في منظومة البناء السياسي والثقافي في سجون الاحتلال. هؤلاء أسسوا حركة المقاومة السرية في الجولان وأسهموا في الحفاظ على هوية الهضبة، بعدما ظن الكيان الصهيوني أنه انتزعها من وطنها الأم حين ضمّها وفرض عليها القانون «الإسرائيلي» العام 1981. ذات يوم مد جندي من حرس السجن الصهيوني يده لمصافحة أحد هؤلاء المناضلين الذي كان عائداً ورفاق آخرون ممّا يسمى الفسحة اليومية «الفورة»، لكنّه رفض مصافحة الحارس الصهيوني الذي استهجن الرفض قبل أن يقول: لماذا لا تصافحني فأنا وأنت درزيان. لكن المناضل الحق يدرك الفكرة ولا يتخلى عنها، ولا عذر لها أن يفعل ذلك . المناضل الحق يدرك أن الإنسان قضية وليس لحماً ودماً وتوصيفاً للديانة على شكل كلمة في بطاقة الهوية وجواز السفر. ترك يد الحارس ممدودة وقال له: لا تكرر ذلك مرة أخرى، أنت تستطيع أن تصنّف نفسك كما تشاء، لكن في واقع الحال، وهذا هو الأهم، أنت سجان مهما كانت طائفتك، وأنا أسير مهما كانت طائفتي، أي أن السجن يوحّد صفة القابعين داخله وكذلك صفة الواقفين على بواباته وأبوابه كسجانين.

أدرك ذلك الأسير أن هذا الشرطي وغيره ممن يرتدون لباس شرطة الاحتلال وشعار الكيان الغاصب، ليسوا سوى جزء من هذا الكيان ولا علاقة لهم بما كتب في بطاقات هوياتهم منذ ولادتهم. فأبناء هذه الطائفة ليسوا كلّهم يلتحقون بجيش الاحتلال، بل إن الكثيرين منهم رفضوا الالتحاق بهذا الجيش والمشاركة في قمع أبناء جلدتهم من الفلسطينيين والعرب، وتحوّلوا إلى ظاهرة تسمى «رافضو الخدمة في جيش الاحتلال». وهؤلاء لهم امتداد في أوساط شعوب المنطقة مثلما للسجانين من نفس الطائفة امتدادات مناضلة داخل السجون وفي بعض المناطق الفلسطينية واللبنانية والبلدان المجاورة.

صدقي المقت أنهى محكوميته وخرج من السجن وتحدث للحشود الغفيرة التي استقبلته في الجولان، مؤكداً تمسّكه بالمبادئ التي اقتيد إلى السجن بسببها ولم تبدُ عليه أية مظاهر تراجع أو خوف، رغم انتشائه النسبي المشروع بالحرية الشخصية التي وفّرها له الخروج من السجن. لكنه خرج تاركاً خلفه الأسير رياض العمور المضرب عن الطعام، وقد تدهورت حالته الصحية، فيما تلوح في الأفق جريمة متعمدة ترتكب بحق الأسرى المرضى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178585

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178585 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40