الأربعاء 15 آب (أغسطس) 2012

عن الإسلام السياسي والسلطة: ليس قيادة الثورة ولا نظامها

الأربعاء 15 آب (أغسطس) 2012 par طلال سلمان

يتعجل الإسلام السياسي استكمال سيطرته على الحكم في العديد من الدول العربية التي أسقطت الثورة فيها أنظمة الطغيان، مستفيداً من أن تنظيماته وجماعاته كانت الأقوى والأغنى والأقدر على الحشد والتعبئة بين الحركات والجماعات السياسية التي نزلت الى «الميدان»، سواء تلك التي تعيش على رصيد تاريخي لم يعد قابلاً للصرف، أو المستجدة منها والتي لا تملك الخبرة المطلوبة ولكنها تملك إرادة التغيير والاستعداد للمواجهة بالصدر العاري من أجل إنجازه.

وكان بين ما سهّل على تنظيمات الإسلام السياسي الهيمنة على مواقع الحكم في معظم الدول التي شهدت انتفاضات شعبية عارمة، أنها تملك برنامجها الخاص وخطة عملها التي هي خلاصة تجربتها الطويلة والمريرة في مواجهة النظام العربي الذي كشف «الميدان» حقيقة انه أضعف مما كان يتوقع الثوار وأعجز من أن يواجه تيار الاعتراض الشعبي العارم، خصوصاً ان «أصدقاءه الكبار» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية سرعان ما تخلوا عنه ونفضوا أيديهم منه، واندفعوا نحو «الميدان» و«الأصدقاء القدامى» فيه يزكونه ويرعون تقدمهم نحو الإمساك بالسلطة.

ولم تكن مصادفة أن تتوالى زيارات كبار المسؤولين الأميركيين الى المنطقة، ونزولهم إلى «الميدان» في أكثر من عاصمة عربية مشجعين، وذهابهم الى القيادات بألا تتسرع ولا تتفرد، وبأن تكتفي بالإشراف على الانتخابات وإعداد الدستور الجديد وتنصيب رئيس المستقبل الذي لن يستطيع التمرد أو الخروج على إرادتهم.

لم تتردد الإدارة الأميركية في إظهار تأييدها مباشرة أو عبر «أصدقائها» العرب، لقوى الإسلام السياسي التي تصدرت المشهد، ولا دارت هذه القوى إظهار انبهارها بالديموقراطية الأميركية ومحاولة تقليدها في بناء المؤسسات، وأولاها وأخطرها مؤسسة الرئاسة، مع جنوح واضح إلى مركزية القرار فيها، حيث أمكن، أو الى تأمين الغلبة حيث تعذر التفرد... ولعلها قد اتخذت من التجربة التركية وشخصية اردوغان وحزبه الإسلامي نموذجاً للحكم المنشود.

كانت أقوى حجج الإسلام السياسي في التقدم نحو السلطة مستمدة من التجربة البائسة لأهل النظام العربي خلال حكمهم «الأبدي» للبلاد التي أوصلتهم ـ غالباً ـ الانقلابات العسكرية إلى سدة السلطة فيها.

فقد ثبت شرعاً أن «النظام العربي»، ممثلاً برموزه كافة، وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، لم يكن يقل فساداً وضعفاً وتفككاً وعجزاً عن مواجهة مطالب الشعوب التي يحكمها ويتحكم بأسباب حياتها، عن ذلك «النظام العربي» الذي حكم عشية نكبة فلسطين في العام 1948، وان كان أقوى على الشعوب التي هيمن عليها وغالباً عبر الانقلابات العسكرية التي وقعت رداً على الهزيمة ثم استمرأ الضباط الحكم فتناوبوا عليه.

فالدول لم تكن دولاً.. والأنظمة عبارة عن الرؤساء القادة الذين يحكمون إلى الأبد، ومع كل منهم حاشية من الأتباع.

الجيش للاستعراض الذي بات مصدر خطر فألغي مباشرة في البلاد العربية كافة بعد اغتيال السادات على المنصة في 6 أكتوبر 1981. أما الحكم الفعلي فبيد المخابرات والأجهزة الأمنية المرتبطة بالرئيس مباشرة، وأما التمثيل الشعبي فمزيف ولا يعبر عن إرادة الناس ومطالبهم فضلاً عن طموحاتهم.

من المفارقات أن الشعب كان مؤثراً على القرار في تصدي أهل النظام العربي للمشروع «الإسرائيلي» في حرب 1948، ولذلك خاضوها وهم يعرفون أنهم يدفعون ببلادهم الى هزيمة مدوية.. أما اليوم فمثقل بهمومه التي تكاد تمنعه عن استذكار فلسطين وقضيتها المقدسة.

ولقد سبقت الجيوش الشعب إلى التحرك وخلع الحكم القائم بعد تحميله مسؤولية الهزيمة في المواجهة المرتجلة مع المشروع «الإسرائيلي» المعد بدقة، والذي احتشدت لتأييده الدول شرقاً وغرباً.

اليوم لا أمل في الجيوش التي دجنتها الأنظمة وحجرت عليها بوصفها مصدر الخطر، وأغرقتها بالامتيازات التي حولتها إلى حماة للطغاة بالأجر المجزي.

بل ان الجماهير تكاد تقبل اليوم قدراً من الهيمنة الأجنبية، الأميركية خاصة، بعد انكشاف عجز دولها عن إنجاز أي من المهمات الطبيعية المطلوبة منها، وأبسطها ألا يجوع الشعب، وألا تهدر كرامة أرضه وحقه في أن يعيش فيها.

وها هي وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كلينتون تجول على ميادين الثورة في الدول التي أسقطت أنظمتها التي كانت تحظى بالدعم الأميركي نتيجة ولائها المطلق، وكأنها مرشدة الثورات وموجهة خطاها في اتجاه المستقبل المنشود.

ولقد ثبت شرعاً أن أنظمة الطغيان من الطبيعة ذاتها مهما اختلفت الشعارات المرفوعة للتمويه. لكن المخالف للشرع والمنطق أن تتولى الإدارة الأميركية «ترشيد» الانتفاضات الشعبية التي نجحت في إسقاط أنظمة الطغيان لكنها فشلت ـ أو تكاد ـ في بناء النظام الجديد القادر والمؤهل على تحقيق مطالب الميدان، فضلاً عن طموحات الشعب إلى التحرر والتقدم.

إن الثورة إنجاز إنساني عظيم أخطر من أن يترك للهواة أو المغامرين أو الذين تنقصهم الإرادة والتصميم والقدرة على الحوار والتعاون ببرنامج مشترك، يتجاوز موضوعات الخلاف الفكري ليركز على إنجاز التغيير.

لم يكن الإسلاميون وحدهم في الميدان، بل لعلهم قد نزلوا إليه متأخرين، وبقصد مقصود، إذ كانوا يعدون لدورهم في مرحلة ما بعده... ولا يستطيع الإسلاميون وحدهم أن يتولوا زمام الأمور، في أية دولة عربية، فلم يكونوا في أي يوم أكثرية، ولا هم الآن الأغلبية برغم تصدرهم مواقع السلطة، ولا يحق لهم أن يحتكروا القرار الوطني.. فلقد دلت الانتخابات على أنهم لا يمثلون إلا ربع الناخبين، بل انهم قد وصلوا إلى السدة، حيثما وصلوا، بأصوات أطراف سياسية أخرى ذات تاريخ نضالي عريق يعطيهم الحق في المشاركة في السلطة وفي تحمل مسؤولية إعادة بناء الدولة.

السلطة، بعد الثورة، ليست امتيازاً لحزب وفئة ولا يجوز أن تكون.

كذلك فإن للنظام الجديد مهمات جليلة هي أخطر من أن يتصدى لتحقيقها حزب أو جماعة أو تنظيم واحد.

وها هو العدو «الإسرائيلي» مرتاح تماماً للتطمينات التي تلقاها مباشرة أو عبر الإدارة الأميركية حول «الثورات العربية»، ولذا يصرف اهتمامه عنها ويعلن التعبئة للهجوم على إيران..

ويكفي بدرس المجموعات المسلحة التي اعتدت على جيش مـصر وكرامتها دليلاً على تواطؤ «إسرائيل»، التي ما زالت عدواً، مع أي طرف يحاول إظهار ضعف النظام الجديد الذي لما يتكامل بعد في مصر، والذي لن يكتسب شرعيته إلا إذا قدم نفسه كجبهة تجمع قوى الشعب المصري في مواجهة مهماته الثقيلة في الداخل وفي الجوار القريب ثم في العـالم من حوله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010