الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012

حلب الحدث الحمراء

الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012 par د. حياة الحويك عطية

هي حلب، وهي منبج، أسماء الثغور التي شكلت منذ التاريخ ساحة الحسم بين جغرافية بلاد الشام، ومن ورائها سورية الطبيعية ومن ورائهما العالم العربي، وبين جغرافية آسيا الوسطى ومن ورائها جغرافية آسيا الأخرى حتى روسيا. ولا يغير في الأمر شيء أن يكون من يحكم تلك الجغرافيا البيزنطيون أو العثمانيون أو الأتراك، أن يكونوا مسلمين أو مسيحيين فهو قدر الجغرافيا والتاريخ اللذين يصنعان الجيوبوليتيك بعلاقاتها وصراعاتها.

على تلك الحدود كان يقف سيف الدولة الحمداني، وعند قلعة الحدث الحمراء كرّس قدرة إمارة على حماية أمة. منها جاء نور الدين ومنها جاء صلاح الدين، وهي من كان ضحية نار المغول والتتار. عند بوابتها أجهضت ثورة فخر الدين المعني المتحالف مع والي حلب علي باشا جانبولاد ووالي عكا ظافر العمر، بعد أن كادت تنجح في تحرير بلاد الشام من الحكم العثماني. ومن مجالها الجغرافي اقتطع الفرنسيون لواءي الاسكندرون وكيليكيا ليمنحوه لتركيا، منة من لا يملك لمن لا يستحق. كما أعطى بلفور فلسطين.

اليوم سيحسم مصير سورية والمنطقة في حلب، وعبر صراع ليست تركيا خارجه. فحلب التي تساوي مساحتها ضعف مساحة لبنان، ويبلغ عدد سكانها ما يساوي سكان لبنان والأردن معاً، هي اليوم على شفا معركة ستقرر مصير سورية، وليس النظام السوري، ومصير العرب وتركيا وإيران. بل مصير الصين وخطتها في أن تكون مع بداية العشرينيات المركز الاقتصادي الأول في العالم، ومصير روسيا في أن تحافظ على أمنها ووحدتها وتكرس دورها كقطب عالمي، أو أن تتعرض للفوضى الأمنية وربما للتفكيك، ومصير حلم محور دول «البريكس» التي تضم ثلثي سكان العالم، في تشكيل نظام مستقل دولياً ... مصير الولايات المتحدة كإمبراطورية يهتز عرشها تحت وطأة تهديدات كل هؤلاء، إضافة إلى أزمتها المالية. ولا نقول مصير أوروبا لأنها لم تعد إلا قارة عجوزاً تتعلق بذيل التنورة الأمريكية، دون ان يمنعها ذلك من أن تكون وسيلة أمريكا و«إسرائيل» للتخريب في العالم العربي.

من الذي سيقرر مصير هذه المعركة: اثنان لا ثالث لهما، الجيش العربي السوري، الذي يخوض وحيداً، كما جيش سيف الدولة الحمداني، حرب الأمة بالوكالة. وبالمقابل تجمع لا ضرورة لتعداد مكوناته، من فصائل تتعدد بتعدد مموليها ومنظميها، ومرتزقة يضمون كل النقائض من «القاعدة» الى «بلاك ووتر»، وقيادة عسكرية تتمركز في تركيا، في حين أن من يدعون السياسة، بمئات صورهم التي لم نعرف أكثرها على الساحة السياسية، يتوزعون على كل عواصم العالم بفنادق الخمسة نجوم والسيارات الفارهة، وينتقلون من ماضي تلقي مساعدات «اجتماعية» أشبه بالصدقة من الدول أو من المخابرات الغربية، الى حاضر تلقي شيكات مفتوحة،(يطال الأحباب والأصدقاء منها شذرات، ليشاركوا في الهتاف)، وتذاكر درجة أولى، وبين ظهور تلفزيوني وآخر، ينشغلون بالتفتيش عن شقق يشترونها في دول الغرب، ثمناً لدور أدوه وضمانة لما «بعد الأسد»!!!

أما المعارضون الحقيقيون، الذين اعتدنا منذ عشرات السنين أن نسمعهم يطالبون بإصلاحات حقيقية سلمية للنظام السوري لأجل تطور سورية وعبورها الى الحداثة والحريات، فيضيع صوتهم في عواصف الظلام، ويتعرض بعضهم لسرقة تضحيته العظمى، كما حصل مع المعارض معن العودات، الذي سرق «إعلاميو الثورة» على تلفزيونات الكذب وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، صورته شهيداً ليقولوا إنها صورة الشهيد داوود راجحة وزير الدفاع، كي يركبوا عليها خبراً شامتاً وسبقاً كاذباً، الى ان احتج شقيقه هيثم منّاع، فرفعت.

هذا هو نموذج ما سيأتينا من وعن حلب، قبل وخلال المعركة الفاصلة التي ستذكرنا بالمتنبي: «هل الحدث الحمراء تعرف لونها؟» وسيذكرنا ما بعدها إما بما بعد الحدث الحمراء، وإما بكارثة حريق هولاكو.

وإذا كان الاحتمال الأول هو الأرجح في ضوء المعطيات التي يقدمها لنا الجيش السوري والتوازن السياسي، فان الاحتمال الثاني يظل وارداً بمعنى تعرض المدينة للتخريب والتدمير. لكن ذلك لا يعفي أحداً من واجب الوقوف مع الوطن والأمة، وهل فعلنا غير ذلك عندما كان الكأس على العراق؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2177505

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177505 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40