الأحد 5 آب (أغسطس) 2012

معركة حلب: الدولة ضمنت النتائج؛ لكن لماذا اختلفت عن دمشق؟

الأحد 5 آب (أغسطس) 2012 par د. أمين محمد حطيط

بات من المؤكد ان معركة حلب ستنتهي في غير صالح محور العدوان على سوريا رغم كل ما سخر لها من وسائل ورغم ما حشد لها من طاقات وعول عليها من أهداف، وقبل ان نعرض لأهم الأسباب التي حددت الآن مسار المعركة ونتائجها، لابد ان نذكر بحجم الهجوم ووسائله لنخلص الى مفاعيل الخسارة على أطراف جبهة العدوان ومكوناتها.

فمن حيث الوسائل، نعلم ان قيادة العدوان حشدت أكثر من 12 الف مسلح من جنسيات سورية وعربية وإسلامية وخصصت المعركة بخبراء من الحلف الأطلسي تولوا مهامهم في دائرتين، ميدانية مباشرة عبر الإشراف على المسلحين وتوجيه النصح لهم في عملياتهم الإرهابية ومركزية تتولى تخطيط وقيادة العملية عبر غرفة عمليات أحدثت في تركيا - اضنة - على الحدود مع سوريا لضبط مسارها واستثمار النجاح ان تحقق ومعالجة الإخفاق ان أمكن.

وقد زودت القوى المهاجمة بالأسلحة والذخائر والتجهيزات الحديثة التي تعطيها دفعاً معنوياً فضلاً عن رفع المستوى القتالي لديها، عمل ترافق مع حرب نفسية مكثفة ضد الشعب السوري وجيشه وحكومته.

أ‌- وضعت خطة الانقضاض على حلب بإحكام، وقدر واضعها حتمية النجاح الذي يتحقق برأيه بعد ان يتمكن المهاجمون من الوصول الى نصف المدينة على الأقل في القفزة الأولى، ثم التمدد الى معظم أحياء المدينة والسيطرة على المقرات الرسمية في خطوة ثانية لا تتجاوز في مهلتها مع الأولى الـ 5 أيام كحد أقصى، وقد عولت القوى المهاجمة على أكثر من عامل مؤثر في المواجهة لصالحها كما اعتقدت، وتحديداً على:

1- قرب حلب من الحدود التركية وتواجد المسلحين بكثاقة في ريفها ما يجعل طرق الإمداد مفتوحة وآمنة ويمكن من تعزيز المعركة بما تحتاجه من عديد وسلاح وعتاد.

2- انشغال القوى المسلحة السورية المختصة في آماكن أخرى، خاصة انشغالها في معركة دمشق بشكل أساسي كما وفي متابعة الوضع في مناطق حمص ودرعا، مع تصور لدى المعتدين بأنه لن يكون بمقدور الدولة وفي مهلة الأيام الخمسة المحددة ان تحشد ما هو مطلوب من قوى للدفاع عن حلب او منع اجتياحها من قبل «جيش الإرهاب الأميركي الحر» الذي انضوى في صفوفه كما بات معلوماً مرتزقة ومضللون ومجرمون من مختلف الجنسيات.

وقد راهنت تلك القوى المعتدية على هذا الانشغال لأنها لاحظت ان الوحدات القتالية السورية المعدة للدفاع عن سوريا بوجه «إسرائيل» لم تحرك ولم يلجأ إليها رغم كل الضغوط لأن الدولة حسمت أمرها في ان لا تقع في فخ المعتدي وتكشف نفسها أمام «إسرائيل» كما أراد المعتدون.
دوافع الثأر وخوف جزء من المسلحين من المستقبل ما يدفعهم للقتال بذهنية قتال المستميت الذي لا يرى بداً من وجوب الانتصار، ذهنية تحكمت بالمقاتل الإرهابي في الميدان وحكمت سلوك قيادته الميدانية والأبعد قليلاً أيضاً.

ب‌- كما ان المهاجم لحظ الفوارق الأخرى بين معركة دمشق ومعركة حلب، تلك الفوارق التي تمكن من التفلت من نقاط قوة الدولة في المعركة الأولى وتفاديها في المعركة الثانية خاصة لجهة:

1) حضور القوى اللازمة وجهوزها في دمشق ما مكنها من المبادرة الى معالجة الموقف دون ان تهدر دقيقة انتظار في التحشيد او وضع الخطة او اتخاذ القرار، وما ان حصل الهجوم حتى حصل الرد السريع ما سبب الصدمة والانهيار الإدراكي لدى قسم كبير من المسلحين.

2) تنفيذ العملية العسكرية الدفاعية عن دمشق تحت تأثير الزخم النفسي والمعنوي للقوى المسلحة نتيجة العملية الإرهابية التي أدت الى استشهاد أربعة من كبار الأعضاء في خلية الأزمة.

3) الواقع الجغرافي للأحياء التي تم الدخول إليها من قبل المسلحين، وهو واقع لم يمنح لهم فرص الاستفادة من خصائص حرب الشوارع والقتال في المناطق الآهلة، ومكن الجيش من استعمال قدراته العسكرية دون خطر او حذر شديد من إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء. ولأجل ذلك اتجه المسلحون في حلب الى اختيار الأحياء القديمة والتاريخية واتخاذ المواطنين دروعاً بشرية لعرقلة عمل الدولة بالصيغة والخطة التي طبقت في دمشق.

ج- لكن رغم كل ما حشد المعتدي، ورغم كل الاحتياطات والاستفادة من دروس معركة دمشق، يبدو ان معركة حلب باتت محسومة لصالح الدولة من حيث نتائجها، لكنها تنطوي على أمرين لا يمكن إغفالهما، وهما الوقت اللازم لإنهائها والثاني الثمن والكلفة اللازمة لانجازها.
فمن حيث الوقت بات من المؤكد ان الدولة لن تقع في فخ نصبه المعتدي في حلب، وهي لن تعتمد في أي حال إستراتيجية «قبضة النار المدمرة» – والدولة تملك من القدرات العسكرية المناسبة لهذه الإستراتيجية – وهي سياسة إذا اعتمدت تسرع في حسم الموقف لكنها تسبب في خسائر فادحة بالأنفس والأموال، ولذلك لجأت الدولة الى «إستراتيجية الاحتواء والقضم المتدرج» والمعالجة الموضعية لكل خلية إرهابية تظهر دون ان تمس المواطنين المحاصرين بنار الإرهابيين.

أما من حيث الثمن فلا يمكن التغافل عن حجمه في وجهيه، البشري وما يمكن ان يقع من خسائر في صفوف العسكريين وكذلك بعض المدنيين، وخسائر اقتصادية ومالية من جراء العمليات العسكرية والاضطرار الى وقف الدورة الاقتصادية في محيط ميدان العمليات.

لكن وكما قلنا فان النتائج في حلب باتت محسومة لصالح الدولة بالاستناد الى مجريات المعركة القائمة، فضلاً عن عوامل ظهرت وطبعت هوية المعركة في حلب يمكن ذكر بعضها كالتالي:

1) تمكن القوى التي كانت متمركزة في حلب ومحيطها من استيعاب القفزة الأولى للمسلحين ووقفهم عند مساحة لا تتجاوز سدس المدينة (5 أحياء من أصل 29 حياً)، ثم قيامها بعملية الاحتواء الأولى بانتظار التعزيز والتحشيد اللازم للمعركة الحاسمة.

2) قدرات القيادة السورية على تعزيز وتحشيد القوى في حلب بوحدات قتالية مختصة تتميز بالليونة والمرونة اللازمة للقتال وفقاً لإستراتيجية القضم المتدرج، مع توفر طاقات معتبرة للإسناد الناري المركز والموضعي.

3) انخراط فئات الشعب في حلب بصيغة او أخرى في العملية الدفاعية عن المدينة، سلوك أدى الى إظهار المهاجم بمثابة المعتدي الآتي لاحتلال المنطقة، فكانت ردة الفعل الشعبية رائعة هنا لجهة حرمان الإرهابيين من البيئة الحاضنة لهم رغم كل ما قاموا به من ترغيب وترهيب، طبعاً لا يمكن أن نغفل وجود فئات تعاونت مع المسلحين في بعض الأماكن ولكنها تبقى شرائح محدودة الأثر والفعالية والحجم.

4) التفاوت في المستوى القتالي بين القوى الإرهابية المقتحمة، والقوى العسكرية السورية المدافعة، وهو واقع قاد قيادة محور العدوان للتحذير من مجزرة قد تقع بهؤلاء في معركة غير متكافئة مع القوى النظامية التي لن تسمح بأي حال من الأحوال من بقاء الإرهابيين في أماكن تواجدهم في حلب.

هذه الحقائق رسمت مسار معركة حلب ونتائجها، وبات الإرهابيون يدركون عجزهم عن استثمار وجودهم في حلب لتحويله الى سيطرة، وباتت قيادتهم تعلم استحالة ذلك ما حملها على اعتماد نهج جديد في العدوان وهو الميل الى المناورة التأخيرية من اجل كسب الوقت ومنع الانهيار السريع، في حين ان الحكومة السورية تملك من الطاقات والعزم على تطهير المدينة من الإرهاب ما يكفي وان المسألة مسألة وقت فقط، وان اعتماد الدولة لاستراتيجيين مختلفتين لكل من دمشق وحلب ليس إلا دليلاً على مدى الاحتراف والحرص الذي تبديه، حيث تكون السرعة من غير تسرع حيث يجب، ويكن التمهل من غير إهمال حيث يفرض الحال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2180615

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180615 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40