الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012

رومني والفروق الثقافية

الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

كان لافتاً في الجولة الأخيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أنها، على غير عادة المسؤولين الأمريكيين، لم تشمل رام الله، مقر السلطة الفلسطينية. عندما حاول مسؤول فلسطيني تبرير الموقف باعتبار أن هيلاري كانت التقت الرئيس الفلسطيني في باريس قبل جولتها في المنطقة، وبالتالي لا داعي للقاء جديد، بعضنا كاد يحسن الظن بالوزيرة الأمريكية، ويتّهم نفسه بسوء الظن، إلى أن جاء مرشّح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمريكية إلى المنطقة واستثنى رام الله منها أيضاً، فعدنا إلى ما كنا عليه من موقف يدرج الاستثناء الأمريكي في سياق السياسة المقصودة إزاء السلطة، انسجاماً مع الغضب «الإسرائيلي» منها لرفضها العودة إلى المفاوضات مع استمرار الاستيطان، ولتلويحها بورقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ولو بصيغة «دولة غير عضو».

لو اقتصر الأمر على عدم الزيارة، لحاولنا التماس العذر وقلنا إن «المعنى في بطن الشاعر»، لكن التصريحات التي صدرت عن رومني والتي طفحت بالتزلّف والتملّق لـ «إسرائيل» على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده، أعطت استثناء السلطة من الجولة معنى آخر. فلم يكد الفلسطينيون يهضمون إهداء رومني «إسرائيل» موقفاً داعماً لتهويد القدس، حتى خرج بتصريح يمزج بين التراجيديا والكوميديا، وفيه أرجع سبب الفجوة بين الوضع الاقتصادي في «إسرائيل» ونظيره لدى الفلسطينيين، إلى فروق في «الثقافة»، وليس إلى الاحتلال الذي يتحكم حتى بنسبة الأوكسجين التي يتنفّسها الفلسطينيون.

لا أعرف إن كان رومني يجهل أو يتعمد تجاهل حقيقة أن الثقافة تتشكل لدى جماعات بشرية توحدها عوامل مشتركة، وهذه العوامل هي التي تشكل عناصر تكوّن الأمة، وهذه العناصر ليست متوافرة لدى التجمّع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، الذي شكّل قسراً ورغم أنف التاريخ من مجموعات عرقية تحمل ثقافات الدول التي أتت منها، وبالتالي فإن مستشاري رومني مطالبون بأن ينصحوا له بعدم تكرار الحديث عن فروق في الثقافة بين كيان متعدد الثقافات كتعدد مصادر الهجرة، وشعب فلسطيني يعيش كجزء من أمة عربية عمرها آلاف السنين، قبل أن يأتي شمعون بيريز، رئيس الكيان وأحد مؤسسيه، من بولندا عندما كان عمره أحد عشر عاماً.

ثم إذا كان الوضع الاقتصادي مرتبطاً بالثقافة، فليفسّر لنا تطبيق هذه المعادلة على وجود ملايين الأمريكيين تحت خط الفقر، وكيف يفسّر لنا ترنّح دولة مثل اليونان اقتصادياً، وهي مستودع ثقافي وحضاري لكل شعوب الأرض منذ آلاف السنين.

أعترف بأنني بين الحين والآخر أحاول البحث عن فعل أو موقف أمريكي إيجابي يجبرني على أن أنظر إلى أمريكا بعين الارتياح، وأن أكتب عنها معجباً بها ومدافعاً عنها، إذ إنه ليس هناك عاقل في هذا الكون لا يشعر بالأسف والأسى وهو يرى دولة عظمى تمتلك إمكانات مادية ضخمة، ولا تستخدمها في إقامة عالم عادل ينتشل ملايين البشر من الفقر والمرض، وينصف شعوباً تئن تحت نير الاحتلال والذل والقهر والعبودية، والنهب المنظّم والمقونن.

لكن من الواضح أن البحث عن موقف أمريكي كهذا يصطدم بسياسات غارقة في العنصرية والفوقية ورعاية قوى الظلم والاحتلال، حتى بتنا أمام سياسة تقسّم الإرهاب إلى حميد وخبيث، والطغاة إلى أدوات وأعداء، والحرية إلى مسرح للعبة الأمم. الآن يدلي رومني بتصريحات ومواقف سيظل تنفيذها رهناً بوصوله إلى السلطة، وبالتأكيد سينفّذ الكثير منها، لأن السياسة الأمريكية تسير في منحى صاعد لمصلحة «إسرائيل»، بمعزل عن اسم الرجل الذي سيجري إجلاسه على الكرسي في البيت الأبيض ولونه، والذي تدل المعطيات على أنه سيكون رومني.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178523

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178523 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40