الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

ناجي علوش.. في معنى الوفاء للفكرة

الأحد 29 تموز (يوليو) 2012 par نافذ أبو حسنة

«لا تستطيع هذه الأمة أن تنجز شيئاً دون أن تبني وحدتها. عندما تنجح في بناء الوحدة العربية، سوف تأخذ مكانها اللائق بين الأمم. تحرر المغتصب من الأرض، وتحرر الثروة، وتحرر الإنسان».

«أرفض هذا التعارض المفتعل حول الأولويات بين الوحدة والتحرير، هي مسارات متلازمة، ويمكن العمل عليها معاً. ولكن يجب أن نؤمن بالوحدة، وبأن لا مستقبل لنا دون الوحدة. ويجب أن نؤمن بالتحرير، فلا مستقبل لهذه الأمة إذا ظل الكيان الصهيوني مغتصباً لأجزاء من أرضها، ومهدداً لوجودها».

هذا بعض مما آمن به الراحل ناجي علوش، ليس لبعض الوقت كما هو حال كثيرين، بل حتى اللحظة الأخيرة من حياته، ويمكن الافتراض أنه كان يردد مع أنفاسه الأخيرة تلك القناعات التي حملها وناضل من أجلها كل حياته.

تعرفت مع كثيرين من أبناء جيلي، إلى المناضل والمفكر الكبير ناجي علوش، بداية من خلال كتاباته وأفكاره. في زمن كان للكتابة معناها. أي في الزمن الذي كانت فيه كفيلة بأن تثير نقاشاً وجدلاً حقيقياً، حول السبل الفضلى لإنجاز أهداف التحرير والوحدة القومية والتحرر.

كان علوش مناضلاً قومياً في صفوف حركة «فتح»، من المؤمنين بأهدافها، وبكفاحها المسلح من أجل التحرير. وقد تولى العمل على الكثير من صياغاتها النظرية حول حرب التحرير الشعبية، مستعيناً بقراءة متميزة للتجارب المشابهة من حروب التحرر الوطني، في فيتنام وغيرها. وكانت ميزته الأساسية من بين كثر ثابروا على دراسة التجارب المشابهة، والبحث عن المشتركات في خوض معركة التحرير، التصاقه بالواقع، ووعي معطياته بدقة ناتجة عن المعايشة الفعلية، والانخراط الفعلي في العمل النضالي. ولذلك لم يكن المناضل الكبير بعيداً عما يقوله ويكتبه، ويدعو إليه.

هو واحد من القلة التي كانت تعيش تطابقاً بين ما تقوله (أو تنظر له) وبين ما تعيشه سلوكاً عملياً يومياً. لم يكن من تلك الفئة التي تقول كلاماً كبيراً عن النضال، وتغرق في حمأة الفساد، وتبتعد عن ساحات المواجهة العملية، مكتفية بالكلام وبالكلام فقط. معتبرة أن دور المثقف يقتصر على «الإرشاد والتوجيه، وربما اقتراح الخطط الطوباوية».

عندما التقيته للمرة الأولى، كانت رهبة الاسم الكبير حاضرة. وكان هو من تولى التمهيد للاقتراب من صورة مناضل لا تملك بإزاء سلوكه، قبل ثقافته الموسوعية، إلا الشعور باحترام جم، سواء اختلفت أم اتفقت مع ما يقول.

تعرفت إليه أكثر في صفوف «حركة التحرير الشعبية العربية». وهناك عرفت معنى الوفاء للفكرة، حتى حين تبدو كل الظروف معاكسة لما تقول به أو تعتقده. لم يكن علوش ممن تضيع بوصلته. حين أحس بأن قيادة «فتح» تنحرف بالحركة عن أهدافها جهر بموقفه معارضاً قولاً وعملاً. كان الهدف هو الأساس بالنسبة إليه، ومن ثم لا بأس من تكييف أطر جديدة، وابتكار أنماط من العمل، حتى لو بدت مخالفة لما هو سائد، وتشبه الحلم، نظراً لما يبدو من افتراق الواقع، واشتداد الهجمة عليها.

كان الفكرة القومية تتعرض لهجوم ضار جداً، وتحت عناوين مختلفة. صرنا نصادف من يتهم حملة المشروع القومي بالخبل ومفارقة الواقع. حينها كان ناجي علوش يؤطر ويعمل من أجل المشروع القومي والوحدة، وداعياً لمواصلة الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية طويلة الأمد.

انفض الكثيرون من حوله لأسباب مختلفة. ذاب الإطار الأخير الذي كان يناضل في صفوفه، ولكن الرجل لم يكن يعرف معنى للتوقف، ولم يكن ممن يستكينون لضغوط الواقع. حتى عندما أقعده المرض عن الحركة.

ظل يفكر ويقول ويكتب منافحاً عن أفكاره. مميزاً بدقة بين الافتراق عن الواقع وبين شدة الهجمة التي يتعرض لها المشروع القومي العربي، والنضال من أجل فلسطين، والصراع مع قوى الاستعمار والرجعية. نعم قوى الاستعمار والرجعية والمشروع الصهيوني. هذه التعابير والمفاهيم التي غادرها كثيرون، نحو مواطن الوهم والصراعات المفتعلة، ولي عنق الواقع، لخدمة مشاريع بألوان براقة.

«لن يقولوا كان زمناً صعباً. ولكنهم سيقولون: لقد صمت الرجال». ناجي لم يصمت. لم تأخذه الرياح الصفراء الخادعة، كي يجامل، أو يضع رأسه بين رؤوس كثيرة، أفقدتها دولارات النفط وعيها، وتماسكها، وجعلتها تخون كل كلمة قالتها يوماً، وحازت بفضلها احترام الناس لبعض الوقت.

رحمك الله يا أبا إبراهيم. رحمك الله أيها الرجل في زمن عز فيه الرجال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165442

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165442 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010