الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

الإعلام والكذب

الأحد 29 تموز (يوليو) 2012 par د. حياة الحويك عطية

تجربة مثيرة ولكنها ليست فريدة : نشرة أخبار تلفزيون «الجديد»، ومثلها «الجزيرة» تبدأ بعنوان : اشتباك بين الجيش الأردني والجيش السوري على الحدود. تستقبل النشرة شاهدين : فيروي احدهم كيف انه يسمع طلقات نار ولا يعرف من أين. ثم يروي الثاني ان أعداداً من اللاجئين السوريين تجتاز الحدود كل يوم. لا شيء في شهادة الاثنين عن اشتباك. تنتقل إلى محطة أخرى، فتسمع الخبر بصيغة أخرى : القوات السورية حاولت -على أراضيها - منع بعض اللاجئين من الهرب إلى الأردن، إلاّ أنهم تمكنوا من ذلك وبينهم جريح، وعندما دخلوا الأراضي الأردنية تولى الجيش حمايتهم ونقل الجريح الى مستشفى الرمثا. تذهب إلى ثالثة فتجد الناطق الرسمي باسم الحكومة يؤكد الرواية الثانية وينفي حصول اشتباك بين جيشين.

هذه التجربة تتكرر مئات المرات كل يوم، ومن منا ينسى «شاهد العيان» من حمص، على قناة «الجزيرة» الذي نسي المخرج ووضع على الشاشة انه يتحدث من لوس انجلوس؟ والآخر الذي تحدث من ليبيا مقنّعاً وفي نهاية كلامه نسيه المذيع وقال «شكراً لمراسلنا في طرابلس». وبشكل أكثر تطوراً وتقنية، رأينا التسجيل الصوتي الذي زور على لسان الرئيس السوري بعد اغتيال القادة الثلاثة.

نظرياً ظن الكثيرون ان قاعدة غوبلز : اكذب اكذب، حتى تصدق نفسك ويصدقك الآخرون، قد دفنت مع الإعلام النازي. كما ظن العرب ان دخولهم مرحلة الإعلام الفضائي قد نقلهم من إعلام الدولة الذي يركب لهم الخبر كما يريد الى إعلام عربي عابر للأقطار ينقل لهم حقيقة الأمور في وطنهم الكبير. غير ان واقع الأمر ان القاعدة الأولى لم تغب يوماً عن الإعلام العالمي، مع استثناءات قليلة جداً، وان الإعلام العربي قد انتقل من مرحلة الكذب المحدود لصالح حكومة معينة الى مرحلة الكذب الكبير في إطار النظام العالمي الذي بدا جديداً عام 1990. وكما في كل عقود الباطن التي تشكل احد ميزات هذا النظام فان الإمبراطورية الأمريكية (ومن ورائها الصهيونية العالمية) قد أوكلت إلى مستثمرين عرب مهمة الحملات الكاذبة التي تحتاج لشنها من وقت لآخر. وذلك بعد ان يكون قد ترك لهذا الإعلام ان يكون صادقاً في فترات الهدوء، مما يكسبه مصداقية تسوق كذبه في مراحل الأزمات.

إنها الحرب! حرب الأمة منذ مطلع القرن، في مرحلتها الجديدة.

إنها الحرب! وانه الإعلام الذي لعب منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى الحرب الثانية ومن ثم الحرب الباردة بما تخللها من حروب ساخنة، الدور الذي لا يقل عن دور الجحافل العسكرية. ولذا كان للجيش الأمريكي ثلاث وكالات مركزية تحمل اسم وكالات إعلام الحرب، إضافة الى تفرعاتها في مختلف قطاعات الجيش من أصغرها الى أكبرها. وهذه الوكالات هي من أطلق نظرية الحرب السيكولوجية ووضع أصولها وقواعدها، التي أضاف ضمنها الانجليز والفرنسيون قواعد تفصيلية (خاصة تشترشل واللورد بونسومبي الذي لخص كتابة قواعد إعلام الحرب السيكولوجية) وإذا عرفنا ان الـ«سي آي إيه» ليست إلا واحدة من هذه الوكالات الثلاث التي حلت عام 1945 وأعيد تشكيلها بأسماء جديدة. ومثلها أيضاً وكالت (آر دي آي) أي البث الإذاعي الدولي. عرفنا ما معنى ان تبنى الفضائيات العربية على يد خبراء أجانب يتولون توجيه عملها، وما معنى ان يتولى ذلك أيضاً محليون تدربوا ضمن هذه الأطر ومن أهمها متدربي (ميت) «ميديا انجامنت تيم» التابع لـ (سنتكوم)، أي القيادة الوسطى للجيش الأمريكي. وهو جهاز إعلامي انبثق عنه فور احتلال العراق جهاز اسمه (ايميت) أي «ايراكي ميديا انجامنت تيم».

لا نقول ان كل ما يقال عن سورية او عن غيرها هو أكاذيب، لكن الأكاذيب تذاب في ماء المادة الإخبارية بقدر الحاجة وبقدر الخطة التي أوكلت الى المؤسسات المبرمجة او الى الصحافيين المأجورين، دون ان يطال ذلك إطلاقاً مواقف الإعلاميين الذين يتبنون نظرة معينة عن الصراعات الداخلية القائمة، لأننا لا نتحدث عن الرأي وهو حق طبيعي، وإنما عن الخبر ودقته وهما حق وواجب وأمانة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165612

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165612 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010