الخميس 26 تموز (يوليو) 2012

الظافرون بالعار

الخميس 26 تموز (يوليو) 2012 par أمجد عرار

في ثمانينات القرن الماضي، لم يبق بيت فلسطيني إلا ودخله كتيّب يحوي قصة عميل للاحتلال اسمه مازن الفحماوي، من لحظة الارتباط حتى إعدامه في سجن الرملة. قصّة ذلك العميل تلخّص حالة الصراع المحتدم والاشتباك الدائم بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الذي لا تقتصر حربه ضد الفلسطينيين على الرصاصة والقذيفة وزنازين التحقيق وقضبان السجن. أبناء الأمة العربية والإسلامية، وأصدقاء الشعب الفلسطيني يرون الوجه الآخر لهذه الحرب، والمتمثّل بالهجوم المنظم على الجبهة النفسية والاجتماعية، والاختراق المكثّف لجدار المناعة الثقافية والأخلاقية والوطنية لأبناء الشعب الفلسطيني الذي تمرّس في هذا الاشتباك اليومي مع الاحتلال، وبات على دراية بالأساليب الصهيونية المتجددة والمحدّثة والهادفة إلى تحويل الفلسطينيين إلى كم بشري مستسلم.

ولأن الجماهير تتعلّم من تجاربها الخاصة، كانت قصة الفتى مازن درساً اجتماعياً وتربوياً علاوة على دروسها الأمنية والوطنية. فوالد مازن طرده من البيت بسبب تدخينه السجائر، بدلاً من التعامل مع هذا الخطأ بحنكة وهدوء، ولم يدرك خطورة ترك فتى في مقتبل العمر يغادر المنزل، ويهيم على وجهه في شارع تراقب مخابرات الاحتلال حتى «زامور» السيارات فيه.

اضطر الفتى إلى العمل في مطعم ليس بعيداً عن مقر للمخابرات «الإسرائيلية» التي كانت على علم، من عملائها، بحالة مازن. دأب عناصر المخابرات على الطلب من الفتى أن يأخذ لهم السندويتشات على نحو متكرّر، وفي كل مرة يزيدون له «بقشيش» السجائر والمال، وبهذه الطريقة تم سقوطه في أوحال العمالة لتبلغ حصيلة وساخته إسقاط أكثر من مئتي شاب وشابة في الضفة والمناطق المحتلة عام 48 والمئات من المهمات القذرة الأخرى، لكن مشغّليه الذين اعتقلوه بعدما ثارت الشكوك حوله واحترق فيلمه، لم ينفعوه حين صدر بحقه حكم الشعب في السجن.

من طبيعة المنطق التراكمي للفعل الشعبي، أن الانتفاضة الكبرى اندلعت نهاية عام 1987 بعد عشرين عاماً على احتلال الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، حيث كان الوعي الشعبي قد وصل إلى ذروته، وأصبحت الفصائل الفلسطينية محاطة بمنظمات جماهيرية ومؤسسات أهلية جعلت من الفلسطينيين جيشاً شعبياً منظماً مؤهلاً للاستجابة لقرارات القيادة الوطنية الموحّدة، وقادراً على رصد العملاء ومآربهم وتفويت الفرصة على المخططات الخبيثة، وفي جوهرها محاولات بث الفتنة في صفوف الناس. ورغم بعض الاختراقات، لم يظفر هؤلاء إلا بالعار.

ذات يوم في ظل وهج الانتفاضة، أنصت أهل قرية لسمّاعة المسجد على صوت شخص يقدم اسمه ثم يعترف بأنه عميل لـ «إسرائيل» منذ عشر سنوات في ذلك الوقت. كان رجل وابنه يستمعان لبيان الاعتراف من على سطح منزلهما. وعندما انتهى العميل من بيانه، مال الأب باتجاه ابنه مستغرباً ما سمع: من يعترف بالعمالة هو الزجال الذي كان يغني في الأعراس ويدعو في أزجاله إلى ملاحقة العملاء، فهل كان يقصد نفسه؟ رد الابن بأنه كان يفعل ذلك لكي يلبس ثوباً ثورياً وطنياً ويبعد الشبهة عن نفسه ويواصل أداء الدور الخياني بـ «كفاءة»، إذ لا يعقل أن يتحدث الخائن بلغة الخيانة.

عندما انتهت الانتفاضة الكبرى وأخلت ميدانها لمصلحة «اتفاقية أوسلو»، توجّه العميل إلى مكتب محام، وعندما عرّف على نفسه ولم يبد المحامي معرفة بالاسم، فاجأه ذلك العميل بسؤال أراده «استنكارياً»: هل يوجد أحد في فلسطين لا يعرف العميل فلان؟ فوجئ المحامي بهذه الوقاحة، وقال لأحد أصدقائه: فعلاً أصبحت الخيانة وجهة نظر، وأخشى أن يأتي يوم تتحوّل فيه إلى برنامج سياسي ونظام داخلي لحزب دولي عابر للقارات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165531

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165531 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010