الخميس 26 تموز (يوليو) 2012

الأقصى ليس قضية قانونية

الخميس 26 تموز (يوليو) 2012 par عوني صادق

بعد «حرب الأيام الستة» في حزيران 1967 بشهور قليلة، ضمت الحكومة «الإسرائيلية» في حينه القدس الشرقية، وأعلنت القدس «عاصمة أبدية»، وباشرت تهويد المدينة المقدسة ومصادرة الأرض في محيطها، وإقامة المستوطنات عليها، وكذلك بدأت الحفريات تحت المسجد الأقصى بحثاً عن «الهيكل» المزعوم. بعبارة أخرى، قبل انقشاع غبار «المعارك»، بدأ تنفيذ مخطط هدم المسجد الأقصى، وخلال العقود التي تلت ذلك التاريخ لم يتوقف تنفيذ هذا المخطط عبر كل الوسائل والأساليب. لذلك، فإن تصريحات المستشار القانوني للحكومة «الإسرائيلية»، يهودا فاينشتاين، الأخيرة التي اعتبر فيها أن «المسجد الأقصى تنطبق عليه أحكام القانون «الإسرائيلي» ولا سيما قانون الآثار والتنظيم»، لا يمكن وصفها بأنها مفاجئة، أو تمثل موقفاً «إسرائيلياً» جديداً، بل تتويجاً لكل الممارسات التي سبقتها، وكشفاً لمخطط بات ملموساً منذ عقود.

لقد نظر بعض الفلسطينيين إلى تصريحات المستشار القانوني للحكومة «الإسرائيلية» على أنها نوع من «جس النبض»، ورأها البعض الآخر جزءاً من «التجاذبات الداخلية «الإسرائيلية»»، بمعنى أنها لا تحمل جديداً أو جدية، لأن الحكومة «الإسرائيلية» تعرف مكانة المسجد الأقصى عند أكثر من ملياري مسلم في العالم! لكن هناك من حذر من «النوايا» «الإسرائيلية» التي تقف وراء هذه التصريحات. وفي تصريح له لـ(«القدس برس» 17/7/2012)، حذر النائب في المجلس التشريعي عن مدينة القدس، أحمد عطون، من «مخططات «إسرائيلية» يجري العمل عليها في الخفاء من أجل حسم موضوع المسجد الأقصى». لكن الجدير بالانتباه أن عبارة «تنطبق عليه أحكام القانون «الإسرائيلي»»، ولا سيما «قانون الآثار والتنظيم»، تنطوى على معنى «الهدم» على وجه التحديد، بحيث لم يعد مجال للحديث عن «أعمال في الخفاء» أو الاجتهاد حول النوايا «الإسرائيلية» في هذا الخصوص. من جانبه، قال أحمد قريع، إن تصريحات المستشار القانوني للحكومة «الإسرائيلية» «تستهدف إخضاع المسجد الأقصى للقوانين «الإسرائيلية»، الأمر الذي سيطلق العنان للجمعيات الاستيطانية ولسلطة الآثار ولبلدية الاحتلال لتعيث فسادا وتدميرا لما تبقى من مقدساتنا، للتمهيد لإقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى». وقبل أقل من شهر، وفي ندوة عقدت في عمّان، كشف خبير الآثار الفلسطيني، الدكتور إبراهيم الفني، أن الحفريات الجارية تحت المسجد الأقصى تركته معلقا «وأن أية هزة أرضية خفيفة يمكن أن تؤدي لكارثة»، والمقصود أن تؤدي لهدمه. وذكر أن مدينة سياحية يجري بناؤها تحت المسجد الأقصى، يفترض أن تتسع لستة ملايين سائح في العام 2020.

المشكلة تبدو في كيف تعاطى الفلسطينيون والعرب مع هذه السياسة «الإسرائيلية». فالفلسطينيون والعرب، وكذلك المسلمون، بالتبعية، في العالم، تعاملوا منذ اليوم الأول للاحتلال مع القضية على أنها «مسألة قانونية»، فكانت النتيجة أن أصبح هدم المسجد الأقصى قاب قوسين أو أدنى في انتظار أن تسقط أنقاضه فوق تلة من القوانين والقرارات الدولية التي لم تمنع الوصول إلى هذه النتيجة. فالحديث عن «القانون الدولي»، و«القانون الدولي الإنساني»، وكون الأعمال «الإسرائيلية» تتناقض معهما، أو اللجوء إلى ما نصت عليه «اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949»، أو «اتفاقية لاهاي لعام 1899»، أو استذكار قرارات مجلس الأمن بدءاً بالقرار 242 لعام 1967 وانتهاء بالقرار 1703 لعام 1996، والتي نظرت كلها إلى القدس على أنها «جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، ولا يجوز القيام بأي إجراء يكون من شأنه تغيير الوضع الجغرافي أو الديمغرافي أو القانوني للمدينة»، كل ذلك لا يساوي، ولن يساوي، بالنسبة للحكومات «الإسرائيلية» وزن خردلة، وكل تلك القرارات لم تعادل قيمة الحبر الذي كتبت به. والنتيجة الطبيعية عندما تغيب القوة، أن يضيع الحق.

إن قضية القدس والأقصى لم تكن يوماً قضية قانونية، ولا حتى دينية أو ثقافية، بل كانت دائماً قضية سياسية، قضية وطن اغتصب، وأرض احتلت، وهوية جرى تبديدها. والقول إن القدس «جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة» يعني أنها تعود لجذر سياسي واحد، ينطوي في ذاته على الأبعاد الأخرى في القضية: البعد القانوني والبعد الديني والبعد الثقافي. وعندما أعلنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بشرعية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية، خضعت لعامل القوة واستمرت في الخضوع لهذا العامل عبر «اتفاق أوسلو» ولاتزال، وهي بذلك التي فتحت الباب أمام كل الممارسات والمخططات «الإسرائيلية» للاستيلاء على القدس وكل الأراضي الفلسطينية، وفرض ما تشاء وما تحتاج من القوانين لتنفيذ مخططاتها التوسعية والاستيطانية.

نعم، القضية ليست قانونية، ولا دينية، ولا ثقافية، بل هي قضية سياسية أولا وآخرا، تقرر كل ما تم تنفيذه بشأنها بفعل القوة، وسيتقرر ما بقي منها أيضا بالقوة. وما دامت هذه القوة القادرة على إلغاء القرارات «الإسرائيلية» غائبة، فلا فائدة من الحديث عن الحق الفلسطيني في القدس أو في المسجد الأقصى أو في فلسطين كلها. لقد أضاع الفلسطينيون قوتهم عندما اعترفوا بعدوهم، وعندما تعاملوا مع الاغتصاب والاحتلال على أنه قضية يمكن أن تجد حلها (المجزوء) مع المغتصب والمحتل عن طريق المفاوضات، المستندة إلى الضعف. وأضاعوا هذه القوة، أيضا، عندما جعلوا من قضيتهم قضية تخصهم وحدهم وأسقطوها عملياً كقضية قومية تخص كل العرب، أما المسلمون في العالم فلن يغير التغني بمليارين منهم شيئاً، ما دام أصحاب القضية قد أضاعوا قوتهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

29 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010