الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

أسْرار سُلَيْمانية

الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012 par خيري منصور

لم يكن عمر سليمان محظوظاً حتى في موعد رحيله، فقد غادر مصر والعالم بعد انسحابه من حلبة الصراع على الرئاسة بوقت قصير. وفي ذروة أحداث متوترة سواء في مصر التي أدار أهم جهاز حساس فيها لما يقارب الربع قرن، أو في المنطقة، فقد اقترن اسم سليمان بملفات عدة بالغة الأهمية ومفعمة بالأسرار المخابراتية، منها وربما في مقدمتها، الحوار الفلسطيني الذي أوشك أن يتحول إلى مراوحة سيزيفية في القاهرة وبالتحديد بين «فتح» و«حماس».

لقد حمل سليمان لقب الوزير من أجل تبرير ظهوره إعلامياً، وقد لا يكون الرجلَ أو الوزيرَ الأقوى في عهد مبارك، لكنه من أبرز الأقوياء وأشدهم نفوذاً، فقد أنيطت به مهمات صعبة، خصوصاً في البيئة السياسية المصرية، منها مهمة الحوار بين مد وجزر مع الإخوان المسلمين، وحين تولّى منصب نائب الرئيس قبيل إسقاط النظام في مصر، كان عليه دون سواه أن يعلن تخلي الرئيس عن منصبه بعبارة لا تخلو من دراماتيكية، وبوجه مُتَجهم يليق برجل تفرض عليه مهنته درجة عالية من التكتّم ومقاومة الابتسامة حتى بمعناها الدبلوماسي.

فكم من الأسرار اصطحب عمر سليمان معه إلى القبر وليس إلى القصر هذه المرة؟ وهل كتب مذكرات تؤرخ لأكثر الفترات السياسية حرجاً في تاريخ مصر الحديث؟ ثم ما هو مصير أوراقه، إن كان لديه في خزانته ما يصلح لاستثمار الورثة، سواء كانوا من ذوي القربى بالمعنى الاجتماعي وعلاقة الدم، أو من المقربين سياسياً إليه، خصوصاً من رجالات الجهاز الذي كان يرأسه لوقت طويل؟

لقد نُشِر نبأ رحيل سليمان في رحلة علاج إلى الولايات المتحدة، بلا ضجيج أو حتى تعليقات يتساءل أصحابها، كما يفعلون في مثل هذه المناسبات، عن مصير الرجل الذي لم يكن يبدو عليه المرض عندما ترشّح للرئاسة، ثم اسْتُثْنيَ مع آخرين لأسباب قانونية وسياسية معاً.

يروي من عرفوا سليمان عن كثب، ومنهم الدكتور مصطفى الفقي، أن الرجل كان صموتاً وقادراً على إقناع من يزوره أنه لا يعرف شيئاً، ثم يفاجئه بسؤال يبدو عابراً لكنه يؤكد معرفته بكل شعاب القضية التي يستمع من زائره لها. وقد يكون هذا هو البورتريه التقليدي لرجل المخابرات وفق أعراف وتقاليد سادت العالم الثالث زمناً طويلاً.

وعمر سليمان ليس مجرد شخصية عامة تطلعت إلى منصب الرئيس بعد أن كانت قاب مقعدين منه، فمهنته ومجمل علاقاته إقليمياً ودولياً، وما تم تسريبه عن دوره في الحرب ضد الإرهاب، تجعل منه أكثر من مجرد مرشح لم يستكمل أوراقه أو النصاب القانوني لمواصلة ترشحه . أما كونه نائباً للرئيس فتلك مجرد جملة سياسية معترضة فرضتها الظروف، لأن الرئيس مبارك حكم بلاده عقوداً بلا نائب، وكانت هذه المسألة مثاراً لأسئلة في الأوساط المصرية المختلفة.

أن موت عمر سليمان على هذا النحو غير المتوقع، يُضاعف من فضول الناس لمعرفة ما تعجّ به ذاكرته وأوراقه، سواء بما يتعلق بالأمن في مصر، أو العلاقات مع «إسرائيل»، وما له صلة بالخلافات الفلسطينية، وبالتالي محاولات المصالحة التي غالباً ما كانت تنتهي إلى إخفاق.

ولأن توقيت موته جاء في ظروف بالغة العُسْر مصرياً وعربياً وإقليمياً ودولياً، فهو لم يتحوّل، على الأقل بعد إعلان رحيله، إلى سؤال سياسي في زمن عربي لم يعد فيه الموت خارج الشكوك والتساؤلات وإطلاق الخيال السياسي في بعده الكابوسي إلى أقصاه .. كم من الأسرار السليمانية تهجع الآن، سواء في الورق أو في القبر؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2180912

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2180912 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40