الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012

اغتيال عرفات.. المناخات والأجندات

الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012 par نواف الزرو

لو كنا في زمن فلسطيني وعربي ودولي آخر، لكان من شأن تحقيق الجزيرة حول تسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، حتى يجلب الجناة إلى كرسي المحاكمة والعقاب، وأن يقدم قادة ومسؤولين للمحكمة الجنائية الدولية.

فالرئيس الراحل لم يكن شخصاً عادياً، وإنما كان وبالإجماع الفلسطيني والعربي والدولي، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقائد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، فضلاً عن أنه الرمز الكبير للنضال الفلسطيني، الذي تمسك بالحد الأدنى من الثوابت الوطنية الفلسطينية.

وكان الزعيم الفلسطيني الوحيد القادر حتى من وجهة نظرهم، على عقد اتفاق سياسي إستراتيجي مع «إسرائيل». فلماذا إذن، أصبح عرفات ليس ذا صلة بالعملية كلها، كما أعلن أقطاب «إسرائيل» في كل مناسبة؟! ولماذا أصبح رأسه مطلوباً إسرائيلياً وأميركياً وبات في دائرة الاستهداف «الإسرائيلية»؟! لماذا أجمع الثلاثي - باراك وشارون وبوش - آنذاك على أنه ليس ذا صلة، وأنه على الفلسطينيين أن يأتوا بقيادة بديلة له؟ ولماذا أهدر شارون وموفاز دم عرفات، وأعلنا أن مسألة اغتياله باتت مسألة وقت، دون أن يحرك العالم ساكناً؟!

[marron]ما جرى في محطة «كامب ديفد»[/marron]

للإحاطة بكل الأسئلة والتساؤلات أعلاه، وهناك غيرها الكثير الكثير، لعلنا نفتح الملفات، ونستحضر هنا مرة أخرى، تلك المناخات والأجندات السياسية التي أحاطت بالرئيس الراحل عرفات، وقادت في نهاية الأمر إلى اغتياله، فجذور وخلفيات الحملة التحريضية الاغتيالية «الإسرائيلية» الأميركية ضد عرفات تعود إلى محطة الكامب (2)، التي فشل فيها الثنائي كلينتون وباراك في فرض التسوية السياسية - كما أراداها - على عرفات والوفد الفلسطيني، والتي تكرس في أعقابها الفكر السياسي «الإسرائيلي» الاغتيالي تجاه عرفات.

- فما الذي جرى فعلاً في قفص الكامب (2)؟.

- وما حقيقة العرض السياسي «الإسرائيلي» الذي قدمه باراك للفلسطينيين؟

- ولماذا رفض الرئيس الراحل العرض؟

ليس من قبيل المبالغة القول إن الحرب العدوانية التي أعلنها باراك في عهده كرئيس وزراء للعدو على الشعب الفلسطيني، وواصلها شارون، ويواصلها من أتوا بعده حتى اليوم، انبثقت من رحم الأجواء المعادية للفلسطينيين التي نجح باراك في صناعتها على مدى أيام مفاوضات «كامب ديفد»، التي نجم عنها نتائج هامة، أملت منذ ذلك الوقت جدول الأعمال السياسي في «الشرق الأوسط»، وترسخت في وعي القادة ووسائل الإعلام في الدولة الصهيونية والولايات المتحدة وغالبية الدول الغربية، ما سمي بـ «مصداقية إيهود باراك» كمن اقترح تنازلات بعيدة المدى قوبلت بالرفض من جانب الرئيس ياسر عرفات.

ومن أبرز العناوين التي وظفت في حملة التشويش والتضليل الإعلامية، التي شنها بصورة مخططة مبيتة منسقة مع الأميركيين ضد عرفات والفلسطينيين، بهدف إدانتهم وتحميلهم مسؤولية الفشل:

1- أن باراك لم يترك حجراً إلا وقلبه من أجل تحقيق السلام.

2- أن باراك ذهب في «كامب ديفد» إلى ما هو أبعد مما ذهب إليه أي رئيس وزراء «إسرائيلي» سابق.

3- أن «الإسرائيليين» يعطون ويعطون ويعطون في كل الأوقات، بينما لا يعطي الفلسطينيون شيئاً.

4- أن عرفات نسف قمة «كامب ديفد».

5- وأنه لم يعد هناك شريك للسلام في الجانب الفلسطيني.

وفي أعقاب ذلك باتت الصيغة الاتهامية التحريضية «أن باراك قدم عرضاً سخياً وعرفات رفضه وبدأ في أعمال العنف»، هي الصيغة المهيمنة على الرأي العام «الإسرائيلي» بشكل خاص، والأميركي والغربي بشكل عام، بل يمكن التأكيد أن المجتمع السياسي «الإسرائيلي» من أقصى يمينه إلى أقصى يساره، التف حول هذه الصيغة، التي قادت لاحقاً إلى شبه إجماع «إسرائيلي» أيضاً، على «أنه لا يوجد شريك سلام لـ«إسرائيل»»، وبالتالي «على «الإسرائيليين» أن يستعدوا لمواجهة طويلة مع الشعب الفلسطيني غير المستعد للسلام».

وفق المونولوج التفاوضي «الإسرائيلي» مع الفلسطينيين، فقد استند عرض باراك وكلينتون معه، إلى ذات المرتكزات الصهيونية الإلغائية للقضية والحقوق التاريخية.

وقالت المصادر الفلسطينية المنخرطة في المفاوضات، إن وجهة النظر «الإسرائيلية» في المفاوضات قامت على أساس مقايضة إعلان الدولة الفلسطينية مقابل سلسلة طويلة من التنازلات الجوهرية التي تشتمل الأرض والقدس واللاجئين، و«إن «إسرائيل» تطرح دولة كانتونات بدون حدود وسيادة»، حتى أن الرئيس محمود عبّاس (أبو مازن) اعترف آنذاك «أن الذي عرض علينا ليس حلاً، وإنما هو تنظيم لأسوأ أنواع الاحتلال».

وهو ما أكده روبرت مالي - المساعد الخاص للرئيس الأميركي الأسبق كلينتون لشؤون «الشرق الأوسط» - وحسين آغا - المحاضر في جامعة أوكسفورد - وعدد من أجزاء الكتاب اليساريين «الإسرائيليين»، فكشف روبرت مالي لاحقاً حقيقة ما حدث في «كامب ديفد»، وأهم ما جاء في وثيقة مالي/آغا: «عندما فشلت قمة جنيف بين كلينتون والأسد في مارس/آذار 2000، اختار إيهود باراك استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وتسريعها، من خلال تحديد جدول زمني للاتفاق الدائم، وحاول باراك فرض هذا الجدول على ياسر عرفات، الذي لم يكن مستعداً لتلقي الإملاءات، وآمن بأن وراء كل خطوة يقوم بها باراك محاولة لإجباره على ابتلاع اتفاق لا يرضى عنه، أو محاولة لتجنيد الرأي العام الدولي لعزل أو إضعاف الموقف الفلسطيني في حالة رفض عرفات للاتفاق، وساهمت تصريحات باراك بشأن البديل المحتمل للاتفاق، بخلق أجواء من الضغط عززت اشتباه عرفات بأن باراك يحاول تضليل الفلسطينيين».

والذي تبين بعد ذلك، أن كافة أحاديث باراك ووزير خارجيته بن عامي عن «التسوية بعيدة المدى» و«المقترحات السخية» و«التنازلات الكبيرة» و«والاستعدادات التي لم يسبق لها مثيل»، التي عرضها «الإسرائيليون» على الفلسطينيين خلال المفاوضات التي جرت في «كامب ديفد»، إنما هي أحابيل إعلامية كاذبة وتضليلية، ففي «كامب ديفد» كانت محاولة «إسرائيلية» مخططة لفرض اتفاق خضوع كامل على الفلسطينيين، ولم يذهب باراك وبن عامي إلى المفاوضات، إلا كصيادين يتطلعان إلى سلخ جلد الضحية الفلسطيني بمباركة الرئيس الأميركي.

ولم تنقض سوى فترة وجيزة جداً بعد فشل مفاوضات الكامب، حتى أعلن باراك الحرب على الفلسطينيين ودفع بشارون لاقتحام باحة الأقصى المبارك، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية.

[marron]عرفات في دائرة الاستهداف[/marron]

لم يترك باراك الحلبة السياسية الإعلامية حتى بعد سقوطه المدوي في الانتخابات أمام شارون، إذ أعلن بعد نحو سنة على قمة «كامب ديفد» «أنه طالما أن عرفات على رأس القيادة الفلسطينية، فإنه لا يوجد أي أمل بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين»، وأظهر باراك عداءً تحريضياً سافراً لعرفات والفلسطينيين حينما صرح في لقاء مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «أن عرفات إرهابي ومجرم يقود منظمة إرهابية»، ليقدم باراك مرة أخرى غذاءً تحريضياً يعزز القناعة الذاتية القمعية القائمة في المجتمع الإسرائيلي في «أن «إسرائيل» قد بذلت كل ما في وسعها حتى تستجيب للفلسطينيين، إلا أنهم رفضوا الفرصة التاريخية مرة أخرى»، ما أكده شمعون بيريز وزير خارجية حكومة شارون في عهده بادعائه «أن «إسرائيل» عرضت على الفلسطينيين استقلالاً كاملاً وإنهاء الاحتلال دون إطلاق رصاصة واحدة، غير أنهم رفضوا العرض».

ووفق الوثائق «الإسرائيلية» فقد كان هناك اتفاق بين الجنرالين باراك وشارون، توصلا إليه عشية الانتخابات التي جرت في فبراير/شباط 2001، يقضي بأن يواصل الفائز منهما الحملة الإعلامية المكثفة المركزة ذاتها، التي تحمل عرفات مسؤولية فشل مفاوضات «كامب ديفد» ومسؤولية اندلاع الانتفاضة والمواجهات، والتي تعتبره أنه «لم يعد شريكاً مناسباً للسلام»، وهي الصيغة التي نجح شارون بتطويرها وبلورتها على مدى سنوات رئاسته بشعار «أن عرفات لم يعد ذا صلة بالعملية» وأنه «أصبح لاحقاً هدفاً للإقصاء والاغتيال»، كما أعلن الجنرال موفاز معززاً «أنه على الفلسطينيين اختيار قيادة بديلة له تكون ذا صلة بالعملية»، التي هي مسيجة بطبيعة الحال بالشروط والاشتراطات السياسية والأمنية «الإسرائيلية».

وقد استندت الحرب الشارونية إلى ثلاثة أذرع هي: الجدران، وعملية الاستيطان التي لا تتوقف، والحرب التي كانت تحمل الاسم المحبب لدى شارون «الإصلاحات»، أي الإصلاحات في السلطة، أي استبدال عرفات وهو الشرط الذي حدده شارون لأي تقدم سياسي، وذلك لأنه أدرك أنه إذا ما نجح بتحطيم عرفات، فإنه سينجح في تحطيم العمود الفقري للشعب الفلسطيني لسنوات طويلة، يستطيع خلالها إغراق الأراضي الفلسطينية بالمستوطنات وضمها إلى «إسرائيل».

لم تبق معتقدات ومفاهيم وخرائط وأهداف شارون هكذا نظرية مع وقف التنفيذ، إذ سرعان ما أخرج هذا البلدوزر كل ما في جعبته من نوايا وخرائط وخطط حربية مبيتة في أعقاب فوزه في الانتخابات على الجنرال باراك، في مطلع 2001، ليعلن حرباً تدميرية واسعة النطاق، لم يشهد لها تاريخ المواجهات في فلسطين مثيلاً، من حيث مساحتها وشموليتها وقسوتها وبشاعة المجازر وجرائم الحرب المقترفة فيها، ضد شعب كامل، بأطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه، وحظيت هذه الحرب بإجماع كافة معسكرات الخريطة السياسية «الإسرائيلية»، كما حظيت بغطاء ودعم الإدارة الأميركية.

[marron]قرار الحصار والتصفية[/marron]

وفي ظل المشهد الفلسطيني المشار إليه أعلاه، المدجج بمعطيات المجزرة «الإسرائيلية» المفتوحة ضد الشعب الفلسطيني، وعلى خلفية «أن عرفات يتحمل مسؤولية فشل السلام والإرهاب» وأنه «لا بد من إقصائه أو تجريده من صلاحياته أو اغتياله»، اتخذ شارون بالتنسيق مع أقرب جنرالاته موفاز، قراراً بإهدار دم عرفات وتصفيته، فأقدم شارون كما هو معروف على محاصرة المقاطعة في رام الله، وحصار عرفات فيها، في محاولة صريحة للإجهاز عليه، وعلى دوره وإنهاء مرحلته، في الوقت الذي سطر فيها الرئيس الفلسطيني صموداً مذهلاً لم يكن في حسابات القيادة الصهيونية.

ولم تكن مخططات شارون نظرية فقط، بل سعى شارون إلى تنفيذها بجملة من الإجراءات الحصارية القمعية والعزلية، التي كان من شأنها أن تقود إلى ما خطط له شارون، والمسألة كانت مسألة وقت فقط.

فكان صمود عرفات تحت الحصار في المقاطعة صموداً عظيماً، وكان التفاف الفصائل والشعب الفلسطيني حوله في مواجهة الحصار التفافاً شاملاً، مما شكل إزعاجاً وقلقاً كابوسياً دائماً للثنائي شارون وبوش، اللذين كانا يستعجلان حبك المؤامرة لإنهاء عرفات بشتى السبل، بل إنهم قرروا - وفق بسام أبو شريف - كما شهد على فضائية «فلسطين يوم» الأحد 8/7/2012 نقلاً عن دوف فايسغلاس «أنه اتخذ قرار بالتنسيق مع قيادات فلسطينية بتصفية عرفات وكل العرفاتيين».

وحسب ردود الفعل «الإسرائيلية» المختلفة وما نشرته وسائل الإعلام العبرية، من تحليلات واستنتاجات متنوعة، حول «مرض ورحيل عرفات»، وسيناريوهات المرحلة المقبلة، التي أطلقوا عليها اسم «مرحلة/حقبة ما بعد عرفات»، فقد «نفض الجيش «الإسرائيلي» الغبار عن خططه المعدة منذ سنوات، للتصدي لمرحلة ما بعد عرفات، كما أخرجت الحكومة «الإسرائيلية» من جعبتها، السيناريوهات المعدة أيضاً لمواجهة مثل هذه الحالة الآتية إن عاجلا أم آجلا في حساباتهم.

وأجمعت ردود الفعل والتحليلات «الإسرائيلية» إلى حد كبير، على أن مغادرة عرفات للمشهد هي بمثابة «خاتمة لمرحلة عرفات وفاتحة لعهد جديد»، و«أن المنطقة ستصبح على أعتاب «شرق أوسط جديد»»، وتوقع «الإسرائيليون» «أن تأتي قيادة فلسطينية بديلة تبدي استعداداً ومرونة تفاوضية كبيرة»، وتقوم - كما أعلن سلفان شالوم - بتفكيك ما أسماه «البنية التحتية للإرهاب»، وبشن حرب على الفصائل الفلسطينية، بإعادة تشكيل أجهزة الأمن الفلسطينية... إلخ

تلك كانت المناخات والأجندات التي أحاطت بالرئيس الراحل عرفات، والتي قادت في نهاية الأمر إلى التخلص منه تسميماً، الأمر الذي تجمع عليه القناعات والتحليلات الفلسطينية والعربية المختلفة، وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك، نتائج التحقيق الذي أجرته «الجزيرة» بـ«اكتشاف مستويات عالية من البولونيوم المشعّ في مقتنيات عرفات»، فإن المشهد الاغتيالي يصبح واضحاً ومكتمل العناصر والمعالم والخطوط، بما في ذلك الأدوات الفلسطينية التي نفذت الاغتيال، وهو ما أكده أيضاً اللواء توفيق الطيراوي رئيس لجنة التحقيق في ملابسات وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات قائلاً «إننا متأكدون بأن هناك أيادي فلسطينية ساهمت في التخلص من الرئيس ياسر عرفات، ومهمتنا الآن هي معرفة من هذه الأيادي؟»، مؤكداً في حديث لقناة «فلسطين اليوم» الفضائية ضمن برنامج «قلب الحدث» الأحد 8/7/2012: «مهما كانت اليد ومهما كان الشخص الذي ساعد في تسميم الرئيس عرفات فإنه سيخضع لأقسى العقوبات وسيكون مصيره الموت».

فهل نشهد يا ترى قريباً يوم الحساب، يوم يجلب أولئك المتعاونون في عملية اغتيال الرئيس الشهيد عرفات إلى كرسي المحاكمة والعقاب؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 80 / 2178740

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178740 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40