الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012

تسميم عرفات وتآمر ذوي القربى

الجمعة 13 تموز (يوليو) 2012 par د. فايز رشيد

قال اللواء توفيق الطيراوي مسؤول المخابرات الفلسطينية السابق ورئيس لجنة التحقيق الفلسطينية في ملابسات وفاة عرفات، في مقابلة له مع فضائية «فلسطين اليوم» الأحد (8 يوليو الحالي): «إننا متأكدون بأن هناك أيد فلسطينية ساهمت في التخلص من الرئيس عرفات، مهمتنا الآن معرفة هذه الأيادي والحكم عليها بالموت». ما نسأله للواء: ما دمتم متأكدون من ذلك، لماذا أهملتم هذا الملف ولم تتابعوه؟ ألقيتم المسؤولية على العدو وواريتم ملف الاغتيال في الأدراج، وكفى الله المؤمنين شر القتال لقد أتلف مستشفى بيرسي العسكري الفرنسي (حيث عولج عرفات) كل الأدلة البيولوجية والفحوصات التي أجراها لعرفات، باعتبار القضية منتهية، ووافقتم على ذلك، فلماذا؟ ولماذا؟ إعادة فتح الملف بالتحقيق الذي أجرته «الجزيرة» كان له وقع الصاعقة على المعنيين من الفلسطينيين، وكأن الطير حط على رؤوسهم! الآن فقط تذكرتم إعادة فتح الملف والتحقيق من جديد.

لقد بات في حكم المؤكد أن المرحوم ياسر عرفات قد جرى قتله بواسطة السم وذلك بعد التحقيق الاستقصائي الذي نشرته «الجزيرة» والذي أكدّ فيه خبراء سويسريون وجود بقايا من مادة البولونيوم المشعة على ملابس ومقتنيات أخرى تعود للزعيم الراحل. كذلك يصب في نفس المجرى التحقيق الذي نشرته «الميادين» والذي يعترف فيه أحد عملاء «الموساد»: بمشاركته وطباخين يعملون في المطبخ الذي يعد فيه الأكل الذي يقدم لعرفات، في وضع السم في وجبات الأكل التي كان يتناولها أبو عمّار.

مما لا شك فيه: أن تقصيرات واضحة وتقاعس شديد لازما اللجنة الفلسطينية المكلفة في التحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل، فليس من المعقول في القرن الزمني الواحد والعشرين أن تظل أسباب الموت مجهولة، في الوقت الذي تؤشر فيه الأعراض التي كان يشعر بها قبل وفاته إلى وجود سم في جسمه، ولكن لم يتم معرفة نوعية هذا السم. هذا احتمال من احتمالات عديدة كانت السبب في الوفاة، والتي تضمنتها البيانات الصادرة بعد وفاته، والتي كانت عامة في مضامينها وجوهرها. الأعراض التي كان يحسها والتي جرى نشرها على الملأ، كما لصور التلفزيونية التي جرى نشرها عند دخوله للطائرة الهليوكوبتر قبيل الذهاب إلى فرنسا، والقليل من الناس يودعونه أظهرت: ضعفاً عاماً مرّ به عرفات، وإلى جانب ما قيل عن تكسر كريات الدم الحمراء وأعراض أخرى غيرها، كلها كانت تؤشر إلى أن الوفاة ناتجة عن التسمم، واحتمال من احتمالات التسمم هو: التسمم بالمواد المشعة، فالشكل الذي ظهر فيه عرفات يشابه تماماً حالات الذين تسمموا بعد حادثة «تشيرنوبيل» والتي جرى تصويرها تلفزيونياً وأذيعت على العالم أجمع.

ياسر عرفات مرّ في مرحلتين وذلك منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وحتى وفاته. المرحلة الأولى: كان الرجل واثقاً فيها، من إمكانية قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة بعد توقيعه لهذه الاتفاقيات. من الواضح أن ذلك يعود إما إلى قصر نظر في معرفة العدو «الإسرائيلي» وفي إدراك الحدود التي قد تصل إليها «إسرائيل» في أية تسوية مع الفلسطينيين أو العرب، أو إلى قراءة خاطئة في تقدير موازين القوى بين الثورة الفلسطينية و«إسرائيل» حيث جرى تكبير وتعظيم القوى الذاتية، والتقليل من موازين العدو، وربما لاعتماد غير موضوعي على القوى الدولية والتصور بأنها قادرة على إلزام العدو بقبول تسوية معقولة مع الفلسطينيين. بعد فشل كل هذه العوامل وخاصة بعد مؤتمر كمب ديفيد بحضور عرفات وكلينتون وإيهود باراك، وصل عرفات إلى نتيجة: استحالة قيام (سلام) حقيقي مع «إسرائيل»، لذلك بدأت المرحلة الثانية وجوهرها: الاعتماد على توجيه ضربات عسكرية لقوات الاحتلال، من خلال كتائب شهداء الأقصى التي كان عرفات قد أسسها، كخطة بديلة لاحتمال فشل التسوية مع «إسرائيل»، والتي كانت توجه من قبل ضربات للعدو بين الفينة والأخرى. لذلك جرت تسمية عرفات بـ«الإرهابي» والذي يرعى «الإرهاب» ومن هذه النقطة بالذات أصبح رأس عرفات مطلوباً لـ«إسرائيل»، وتم سجنه في المقاطعة لسنوات بعد إعادة احتلال الضفة الغربية.

«إسرائيل» وبدلاً من قتلها المباشر لعرفات، بما قد يثيره ذلك من ردود فعل، آثرت طريقة قتله البطيء والتي ما كانت لتتم دون تواطؤ من بعض المحيطين به والعاملين معه، وربما أيضاً من بعض العاملين والمشرفين على إعداد طعامه واحتياجاته الأخرى. مثلما تبين فيما بعد: فإن «إسرائيل» عملت على إعداد أكثر من بديل (وإن بطريق غير مباشر) للزعيم الراحل، وبخاصة من أولئك الذين لا يؤمنون بالكفاح المسلح كوسيلة لنيل الحقوق الوطنية، والذين يرون إمكانية تحقيقها من خلال المفاوضات والمفاوضات فقط، فهؤلاء تضرروا أيضاً من نهج عرفات الصدامي مع «إسرائيل»، لأن ذلك يؤثر عليهم سلباً، وعلى استثماراتهم وعلى صداقاتهم التي اعتادوها مع «الإسرائيليين».

إن عدم أخذ الحيطة والحذر في حياة ياسر عرفات وعدم التوقع بإمكانية تسميمه وقتله، وذلك في الوقت الذي كان فيه القادة والسياسيون والعسكريون «الإسرائيليون» يملؤون الدنيا تصريحات بأن عرفات هو راعي «الإرهاب» وخاصة بعد كشف «باخرة السلاح» في عرض البحر، وقد أذاع «الإسرائيليون» أنها كانت تبحر إلى غزة لتسليم الأسلحة إلى «فتح»، عدم أخذ الحيطة والحذر هذا يصب في مجرى مؤامرة ذوي القربى على الزعيم الراحل.

طيلة حياته، حاول ياسر عرفات الإمساك بكل خيوط مصادر القوة، سواء على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية أو على صعيد السلطة الفلسطينية بعد تشكليها، وهي تتمثل في: كافة الأجهزة صاحبة السلطة من مقاتلين وأجهزة أمنية عسكرية، إضافة إلى المال. الولايات المتحدة وعندما بدأت «إسرائيل» تردد عن رعاية عرفات «للإرهاب» فرضت على عرفات إيجاد منصب رئيس الوزراء وتسمية وزراء للداخلية والمالية وغيرها من المجالات. عرفات وأمام التهديد الأمريكي - الأوروبي بقطع المساعدات عن السلطة سواء أكانت مالية أو غيرها، قام باستحداث مجلس للوزراء وتسمية رئيسه وكان محمود عبّاس هو أول من تسلم هذا المنصب. من ناحية ثانية ركزت الإدارة الأمريكية على أهمية تقوية التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والأخرى «الإسرائيلية»، وركزّت على تعزيز إشرافها المباشر على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بدايةً من خلال الجنرال دايتون ومعاونيه. بضعة شهور مرت على تسلم عبّاس لمنصب رئيس الوزراء الفلسطيني ومن ثم كان الصدام بين الرجلين، الأمر الذي أدى إلى استقالة عبّاس واعتكافه في البيت. في تصريح مشهور لعرفات أطلق على عبّاس مصطلح «كرزاي فلسطين» في إشارة بالطبع إلى «كرزاي أفغانستان» الذي فرضته الإدارة الأمريكية في موقع الرئاسة في أفغانستان. كان لا بد من استعراض كل هذه الوقائع التاريخية لفهم الخلفية التي أدت إلى تنفيذ عملية قتل الزعيم الفلسطيني الراحل بواسطة السم أو بأي وسيلة أخرى، ولكن بطريق غير مباشر حتى لا يقال بأن «إسرائيل» قد قامت بقتله، وأن وفاته جاءت طبيعية.

تلفت النظر إليها تصريحات الضابط في جهاز المخابرات الفلسطينية والتي صرّحها منذ عامين تقريباً وقال فيها «بأن جهاز المخابرات الفلسطينية كان على علمٍ تام بالسبب الذي أدى إلى وفاة عرفات». السلطة الفلسطينية تطالب بلجنة تحقيق دولية على شاكلة اللجنة الدولية في تحقيق اغتيال الحريري. الجامعة العربية وبعد الطلب التونسي بعقد دورة للجامعة للبحث في كيفية وفاة عرفات، ربما ستعزز طلب السلطة الفلسطينية، وقد يجري تسمية هذا اللجنة، إلا أن النتائج منذ الآن ستكون عامة، ولن توضع النقاط على الحروف لأن «إسرائيل» هي من قامت بتسميم عرفات عن طريق بعض العاملين معه، بما يعني: أن كثيرين استفادوا من موته. تظل خطيئة عرفات الكبرى في توقيعه لـ«اتفاقيات أوسلو».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2165282

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165282 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010