الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012

إلغاء اللقاء مع موفاز وإنتصار موقف الشارع

الأربعاء 11 تموز (يوليو) 2012 par علي بدوان

جاءت الهبة الشعبية الفلسطينية في الضفة الغربية التي قام بها نشطاء فلسطينيون من كافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح، والتي أسهمت بتعطيل زيارة الجنرال الفاشي الصهيوني شاؤول موفاز لمدينة رام الله، جاءت في وقتها تماماً، وقد أدت مفعولها السريع باستصدار قرار فلسطيني رسمي بالغاء اللقاء مع موفاز، وتفويت الفرصة على المحاولة «الاسرائيلية» الأخيرة لاحداث المزيد من التمييع في الوضع السياسي التفاوض المتوقف بين الطرفين منذ المفاوضات الاستكشافية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان قبل بضعة شهور، والتي انتهت الى اللاشيء.

الاستجابة لموقف الشارع

فقرار الغاء اللقاء مع الجنرال موفاز، أتخذ عملياً اثر نزول النشطاء من الشباب والشابات الى الميدان في رام الله، بعمل احتجاجي، وبطريقة ديمقراطية رائعة ومسؤولة، أعطت نتائجها الفورية بالتجاوب السريع معها من قبل مركز القرار في السلطة الوطنية الفلسطينية، في مؤشرات مُريحة تكرّس دور المجتمع المدني ومؤسساته الوطنية المستقلة في فلسطين، كما تُكرس دور الناس في الشارع في التأثير المباشر على صناع القرار، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية التي تهم عموم الشعب الفلسطيني ومنها المسألة التفاوضية المتوقفة مع الطرف «الاسرائيلي».

لكن المثلب الذي اعترى الموقف على الأرض، بدا من خلال قيام بعض أفراد أجهزة الأمن الوطنية في رام الله باعتراض الناس بطريقة غير لائقة، بل بطريقة قمعية، تُذكرنا بالحال العربية المأساوية التي تسود المنطقة العربية من أقصاها الى أقصاها، حيث تسود سياسة ومنطق «الكرباج والسوط» في مواجهة حركة الناس في الشوارع أياً كان السب في نزول الناس الى الميادين للتظاهر أو للتعبير عن رأيهم تجاه مواضيع ومسائل محددة. وحسناً فعلت السلطة الفلسطينية بتكليف لجنة معنية بالتحقيق بما جرى، على أن يتم اتخاذ الاجراءات العقابية بحق من أساء للنشطاء المسالمين من الشباب والشابات في شوارع رام الله.

فالتعدي على المواطنين والناس المحتجين سلمياً يشكل هدية ثمينة لحكومة التطرف في «اسرائيل»، ولهذا يجب على لجنة التحقيق التي أمر بتشكيلها الرئيس محمود عباس أن تعلن نتائج عملها مباشرة للناس وعبر وسائل الاعلام، وأن تعلن عن محاسبة كل من تجرأ وحمل عصا غليظة أو بندقية أو أطلق ناراً ولو في الهواء لتفريق المحتجين والمتظاهرين في رام الله، وتقديمهم للقضاء الفلسطيني، واتخاذ كافة الاجراءات لحماية حقوق الناس وضمان حرياتهم في التعبير والتظاهر بطريقة ديمقراطية حضارية. فدور الاجهزة الأمنية المختلفة في فلسطين هو الحفاظ على الأمن المجتمعي وأمن الناس، لشعب مازال يئن تحت الاحتلال الفعلي، فأرضه محتلة وثرواته منهوبة، ويناضل من أجل التحرر الوطني والاجتماعي والديمقراطي.

اذن، قرار الغاء اللقاء مع الجنرال شاؤول موفاز نائب رئيس الوزراء «الاسرائيلي» وزعيم حزب «كاديما» أتخذ بقرار شعبي فلسطيني عام أولاً، استجابت له السلطة الوطنية الفلسطينية على الفور ثانياً، لادراكها العميق لمغزى هذا التحرك الشعبي، الذي لايريد للطرف الفلسطيني الرسمي العودة الى طاولة المفاوضات وعلى ذات الأسس التي سارت عليها طوال السنوات الماضية، وعلى قاعدة «تيتي تيتي مثل مارحتي جيتي» على حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني.

لقد كان نبض الناس في فلسطين، نبضاً حياً ومؤثراً، وصادقاً، في رفض اللقاء بين الرئيس محمود عباس والجنرال موفاز. الذي يُمثل حالة هائجة من موجات التطرف والانزياح نحو سياسات اليمين واليمين المتطرف داخل الدولة العبرية الصهيونية، وهي السياسات الأخذة في الاتساع كل يوم عن اليوم الذي سبقه، في ظل جمود عملية التسوية، أو بالأحرى انهيارها على المسار، ووصولها الى نقطة استعصاء غير قابلة للحل أو الاجتهاد على ضوء سياسات حكومة نتنياهو التي أحرقت كل الدروب الممكنة المؤدية الى تسوية حقيقية على أساس الشرعية الدولية التي قبل بها الفلسطينيون بالرغم من الاجحاف الكبير الذي ألحقته بهم.

كما من غير المعقول ومن غير الممكن أن يدخل رام الله بوفده الرسمي هذا الجنرال الفاشي والمسؤول عن اغتيال معظم القيادات الميدانية السياسية للشعب الفلسطيني عندما كان وزيراً للحرب ابان انطلاقة شرارات الانتفاضة الكبرى الفلسطينية الثانية. فهو من أشرف مباشرة على اغتيال شيخ شهداء فلسطين الشهيد أحمد ياسين، والشهيد أبو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعموم قادة حركة حماس من السياسيين كالشهيد عبد العزيز الرنتيسي واسماعيل أبو شنب وغيرهما.

ماذا يريد موفاز؟

ولكن، ماذا كان يريد الجنرال شاؤول موفاز من لقائه مع القيادة الفلسطينية، ومع شخص الرئيس محمود عباس في هذه الفترة بالذات، حيث جاءت المبادرة لطلب اللقاء من الطرف «الاسرائيلي» على وجه التحديد ..؟

للاجابة على السؤال الوارد أعلاه، نقول ان المعطيات المتوفرة، تشي بأن الجنرال موفاز وبالتنسيق مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أراد بطلب اللقاء مع الرئيس محمود عباس تحقيق بعض الأهداف السريعة والمباشرة، ولم يكن يريد أن يفتح طريقاً جديداً في مسار المفاوضات المتوقفة مع الطرف الفلسطيني.
ان الجنرال موفاز، وحزبه كاديما الذي تعرض ويتعرض الآن لأزمات متتالية منذ انشقاق وخروج زعيمته السابقة تسيبي ليفني، بحاجة لاعادة تلميع نفسه، فهو بحاجة ليتصدر مشاهد معينة ومؤثرة في الحدث السياسي. خصوصاً وأن استطلاعات الرأي العام داخل «اسرائيل» أظهرت في الفترات الأخيرة أن شعبية حزب كاديما ورموزه، تواصل تراجعها وترديها، في وقت فقد فيه حزب كاديما لونه السياسي ليصبح دون لون أو طعم أو رائحة في مجتمع (مستورد ومؤرب) ويعج بألوان الطيف السياسي وان تزاحمت تلك الألوان الحزبية والسياسية وتحشدت خلف مواقف صهيونية عميقة المضمون والمحتوى وان بان على السطح فروقات بسيطة بينها لكنها خلافات وتباينات ليست بالجوهرية ولاتمس ثوابتها الصهيونية المعلنة والمضمرة على حد سواء.

وعليه، فقد أراد موفاز اعادة انتاج ذاته كمحاور «اسرائيلي» أساسي بعد انضمامه لحكومة الليكود، وانتقاله من المعارضة الى صفوف الائتلاف الحاكم في الدولة العبرية الصهيونية أولاً. كما أراد جس نبض الطرف الفلسطيني من العناوين والقضايا المستعصية في المسار التفاوضي على ضوء التشكيلة السياسية «الاسرائيلية» الجديدة بين أقطاب الحكومة مع دخول حزب كاديما للحكومة تحت قيادة الليكود ونتانياهو ثانياً. اضافة لتوليد حركة سياسية وعلى قاعدة «في الحركة البركة» بدلاً من التوقف والجمود الذي لاتطيقه «اسرائيل» بل تريد من ذلك الجمود العملي والفعلي أن يترافق مع حركة ظاهرية توحي بها للعالم بأسره وللمجتمع الدولي بأن العملية التفاوضية سائرة على مسارها الطبيعي مع استمرار عمليات الاستيطان ثالثاً.

المطلوب فلسطينياً

الآن، وعلى ضوء الخريطة الواردة أعلاه للوضع العام في فلسطين، وعلى ضوء القرار الوطني الفلسطيني بالغاء اللقاء بين الرئيس محمود عباس والجنرال شاؤول موفاز، فان مهام فلسطينية عاجلة مازالت تنتظر المبادرة والالتقاط من قبل مختلف الأطراف الفلسطينية، وخصوصاً منها حركتي فتح وحماس، وذلك في السعي الجاد والصادق لانهاء الانقسام، ومواجهة عدوان الاحتلال ومستوطنيه بمستوى فلسطيني أرقى وأسمى من المستوى الحالي المتأثر بالانقسام وتداعياته.

ان التحولات التي أفضت اليها الأوضاع الأخيرة في مصر العربية توفر مناخاً جيداً، لاعادة تحريك ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية، وترجمة كل ما تم التوقيع عليه الى عمل ملموس على أرض الواقع. فالادارة المصرية الجديدة تختلف عن سابقتها بالنسبة للتعاطي مع الموضوع الفلسطيني الداخلي، بالرغم من ثقل الملفات الملقاة على كاهل القيادة الجديدة في مصر. لكنها أعطت ايماءات جيدة من خلال التصريحات التي تواتر صدورها من مصر، وعلى لسان الرئيس الجديد محمد مرسي والمتعلقة بالدور المصري المرتقب ازاء المواضيع المتعلقة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، ومايتعلق بها، كفتح معبر رفح بشكل دائم وانهاء الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة.

لقد آن الأوان، كي يسير الفلسطينيون باتجاه اغلاق ملف الانقسام المخجل الذي بات يقض المضاجع، وآن الأوان كي يصبح هذا الانقسام من الماضي، فلاشيء يمكن انجازه على المستوى الوطني الفلسطيني العام مادام الانقسام واقعاً وقائماً على الأرض.

لقد آن الأوان لازاحة كابوس الانقسام، وتداعياته الزاحفة كل يوم، واسدال الستار عليه، وفتح الطريق أمام احداث تغيير ذي معنى، نوعي وحقيقي في البيت الفلسطيني، واعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، باعتباره مشروع تحرر وطني لشعب نصفه تحت الاحتلال ونصفه الأخر في ديسبورا المنافي والشتات في البلدان المحيطة بفلسطين (دول الطوق) وفي باقي بلدان المعمورة.

ومن هنا فان حركة الناس من الشبان والشابات وعموم كوادر مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية والمستقلين وعامة الناس في الشارع في رام الله وعموم الداخل الفلسطيني التي عطَلت وأَنهت اللقاء الذي كان مقرراً بين الرئيس محمود عباس وشاؤول موفاز، قادرة أيضاً حال تحركها ونهوضها في التأثير على جميع الأطراف للقبول بمنطق المصالحة، والقفز فوق الحسابات الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2180724

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2180724 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40