السبت 23 حزيران (يونيو) 2012

ولادة متعثرة لرئيس مصر المقبل

السبت 23 حزيران (يونيو) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

من سيكون رئيس مصر المقبل محمد مرسي أم أحمد شفيق؟ البعض يرى أن هذا السؤال لا يوحي، بما فيه الكفاية، بكل ما يموج الآن في مصر من تفاعلات ساخنة وغير مسبوقة بعضها ظاهر وواضح للعيان، ومعظمها خفي يدور من وراء الكواليس المظلمة، وسط حالة درامية سياسية غير مسبوقة، ولم ترد في مخيلة أبرع مخرجي السينما، حيث من المتوقع أن يعلن عن وفاة الرئيس المخلوع حسني السيد مبارك مع إعلان اسم الرئيس الجديد، في مشهد يراه البعض من أبرع مشاهد التاريخ وأكثرها إثارة.

السؤال الذي نتحدث عنه له أكثر من إجابة، فالرئيس ربما يكون محمد مرسي، وربما يكون أحمد شفيق، لكن الجديد، أنه ربما لا يكون هذا أو ذاك، حيث احتمال إعلان إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية لتعود العملية مجدداً إلى نقطة البداية، ويبقى المشهد برمته خالياً من دون برلمان ومن دون رئيس أمام جنرالات المجلس العسكري المغرمين بالسلطة، فتصريح المستشار بجاتو المتحدث باسم لجنة الانتخابات الرئاسية ارجاء إعلان اسم الرئيس الفائز في انتخابات الإعادة إلى أجل غير مسمى تزامن مع إعلان «قضاة من أجل مصر»، وهم صفوة وخيرة أبناء مصر من القضاة الذين خاضوا معركة إسقاط حكم مبارك في الشارع جنباً إلى جنب منذ العام 2005 مع حركة «كفاية» وأخواتها من الحركات الاجتماعية تحت قيادة نادي القضاء برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز.

فالقضاة المستقلون أعلنوا بالوثائق المدقّقة عن فوز الدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين بمنصب الرئيس، وهذا الإعلان عُدّ دحضاً لمزاعم حملة المرشح أحمد شفيق التي أكدت فوز مرشحها بالمنصب، وجاء هذا الإعلان بمرتبة تأكيد للمؤتمر الصحفي للدكتور محمد مرسي الذي أعلن فيه فوزه بمنصب الرئيس، لكن، وهذا الأهم جاء استباقاً لما تسرّب من معلومات تؤكد أن دوائر الدولة متضامنة مع المجلس العسكري في رفض قبول فوز محمد مرسي، وتغليب الرأي الداعي إلى إعلان فوز أحمد شفيق، ما يعني أن صندوق الانتخابات لن يكون وحده العامل الحاسم في تحديد من هو الرئيس المقبل بغض النظر عمّن هو الرئيس الفائز في الانتخابات. هذه الخطوة من جانب «قضاة من أجل مصر» أربكت هذه الحسابات ودفعت إلى إجراءين أولهما إعلان المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة الموالي للنظام المخلوع الذي سبق أن دخل في مواجهة ساخنة مع مجلس الشعب وتحدّث عن عصيان قضائي ضد أي مشروع قانون يصدره مجلس الشعب يخص «الهيئة القضائية»، أن لجنة الانتخابات الرئاسية هي وحدها المخولة بالإعلان عن الرئيس الجديد وليس أي طرف آخر رداً على المؤتمر الصحفي الذي عقده «قضاة من أجل مصر» بمقر نقابة الصحفيين يوم الأربعاء الماضي (20/6/2012) وأعلنوا فيه فوز محمد مرسي رئيساً لمصر بالوثائق المؤكدة من قضاة العملية الانتخابية.

أما الإجراء الثاني فجاء على لسان المستشار حاتم بجاتو المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، فهو إرجاء إعلان اسم الرئيس الجديد إلى أجل غير مسمى، أو إلى موعد غير محدد.

هذا التطور كشف عن أكثر من احتمال: أول هذه الاحتمالات يقول إن الدولة أو ما أخذ يُروَّج له بمصطلح الدولة العميقة، لم يعد فيها نتيجة ثلاثين سنة من حكم مبارك إلا «دولة رخوة» عاجزة ورافضة للتكيف مع قبول رئيس لا ينتمي إلى النظام وليس من نسيجه الخاص، واستحالة القبول برئيس ينتمي إلى التيار الإسلامي الذي ظل ينظر إليه بمنظور «العداء» لسنوات طويلة من مؤسسات الدولة كافة، والدولة العميقة التي يتحدثون عنها هي الجيش والشرطة قبل كل شيء، وبعدها كل مؤسسات الحكم التي عاشت لسنوات طويلة تمارس الطغيان والاستبداد جنباً إلى جنب مع الفساد الفاحش، وظلت حارسة لجريمة احتكار السلطة والثروة وشخصنة الحكم في شخص الرئيس. كل هؤلاء يصعب عليهم الآن التعامل مع رئيس وتيار سياسي ظلوا يحاربونه ويعتقلونه ويشوهونه ويصفونه بـ «المحظور».

محصّلة هذا المأزق تقول إن ثمن فرض أحمد شفيق ابن النظام ومؤسسة الحكم والعسكر حتى لو كان بتزوير النتائج، أهون من القبول بمحمد مرسي ابن تيار الإخوان رئيساً للدولة، فالثمن في هذه الحالة هو مجرد مواجهة أمنية وحرب إعلامية من مؤسسات النظام ضد فصائل التيار الإسلامي بمشاركة من الجيش متسلحاً بالتفويض الصادر من وزير العدل بمنح الشرطة العسكرية والمخابرات العسكرية صفة «الضبطية القضائية»، أي حق اعتقال وتوقيف من يراد اعتقاله وتوقيفه، وهو ثمن قد تكون له خسائر لكنها خسائر لا تقارن في حسابات هؤلاء، مع الخسائر الأفدح التي يمكن أن تترتّب على إجبار الدولة على التعامل مع رئيس من خارج مؤسسة الحكم والنظام، بل وعلى النقيض معه ومع تحالفاته العربية والإقليمية والدولية.

ثاني هذه الاحتمالات هو القبول بإعلان محمد مرسي رئيساً، ولكن ضمن صفقة كبرى تجعل الإسلاميين طرفاً في معادلة الحكم تتضمن ضمن ما تتضمن من شروط قبول محمد مرسي والإخوان بالإعلان الدستوري المكمل الذي يعطي المؤسسة العسكرية اختصاصات تعلو فوق السلطات الثلاث، وينزع من الرئيس أهم اختصاصاته ويعطيها للقائد العام للقوات المسلحة، وأن يتم تضمين هذا كله في الدستور الجديد، إضافة إلى ما هو أهم وبالذات ما يتعلق بالعلاقة مع الكيان الصهيوني ومعاهدة السلام، وقبلها خصوصية العلاقة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تأمين مصالح الأطراف المتنفذة في نظام مبارك خاصة رجال الأعمال، وطي صفحة الثورة وبداية مرحلة جديدة تتجاوز كل تداعيات الثورة ومن بينها محاكمات أركان النظام.

يأتي الاحتمال الثالث ليقلب كل الحسابات وهو أن تخرج اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وتعلن إلغاء هذه الانتخابات نظراً لوجود «تزوير فادح» من جانب الطرفين المتنافسين، ويكون هذا بداية لمرحلة جديدة من الحكم الانتقالي لا يعرف أحد معالمها ولا أمدها، ولكن ما يعرف فقط هو المزيد من سطوة العسكريين والمزيد من تفريغ الثورة من محتواها، والإجهاز على المعارضة خاصة الإخوان والتيار الإسلامي في ظل مناخ عدائي متزايد، على الأقل إعلامياً، ضد الإخوان من كل الذين تضرروا من أخطائهم وتسرعهم في جني ثمار فوزهم بالانتخابات التشريعية. ولادة متعثرة، لكنها لن تطول كثيراً وعندها سوف تحسم كل هذه الخيارات خاصة أن يوم 30 يونيو/ حزيران الجاري لم يعد بعيداً، وهو اليوم المحدد لتسليم العسكر للسلطة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010