الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2012

«النووي» الإيراني .. والنظام الإقليمي الجديد

الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2012 par د. حبيب فيَّاض

لم تفلح الجولات التفاوضية المتعددة بين طهران والغرب في وضع أزمة إيران النووية على سكة الحل. قدر هذه الأزمة، على ما يبدو، المراوحة بين الحل المفقود والصدام الممنوع تبعاً لغيرها من الأزمات العالقة بين الجانبين. مفاوضات موسكو الأخيرة كشفت عن ان اليورانيوم الإيراني المخصب بات يختزن كل وجوه الخلاف بين الإيرانيين والغربيين. النتيجة الوحيدة التي توصل إليها هؤلاء، في جولة التفاوض الأخيرة، هي ترحيل المفاوضات الى خبراء فنيين في اسطنبول أوائل الشهر المقبل. الترحيل هذا ليس خطوة في إطار تفاهم سياسي، بل هو للتعمية على المراوحة والدوران في حلقة مفرغة. هذا في ظل إدراك الجانبين ان عشرات الجولات التفاوضية على مدى عقد من الزمن، قد استنفدت النظر في كل المقترحات الممكنة ولم تبقِ جديداً قيد البحث والتداول.

أكثر من مفارقة تحكم المسار العام للأزمة النووية بين إيران والغرب: رغبة مشتركة في التفاوض لكن لا إرادات جدية للتفاهم. حذر متبادل في التقدم وتردد مثله في التراجع. استعداد لتنازلات متقابلة لا تفضي إلا الى التمسك بمواقف متصلبة. مقترحات على خلفية «خطوة خطوة» من دون المضي أي خطوة الى الأمام. مآل المسار التفاوضي الى حائط مسدود، لكن لا احد من الجانبين يريد الاصطدام به. الخيار العسكري دائماً على الطاولة ولا أحد منهما يريد اللجوء إليه. عامل الوقت ليس في مصلحة الطرفين، في حين ان سياسة التفاوض بينهما تعتمد على النفس الطويل. كما ان أياً منهما لا يريد الانتقال الى مرحلة ما بعد فشل المفاوضات، فيما واقع التفاوض لا ينبئ بغير الفشل. والنتيجة في كل ذلك: اتساع في الهوة على «أرضية مشتركة»، انسداد في الأفق مع جرعات من التفاؤل المفتعل، وانعدام شامل للثقة في ظل تطلب غربي ان تفي إيران بالتزاماتها، ومطالبة إيرانية للغرب أن يكون صادقاً بوعوده.!!

واقع الحال ينبئ ان لا حل لأزمة إيران النووية. تعذر الحل لا يقف عند حدود البعد النووي بشقيه التقني والسياسي، بل يتعدى الى عاملين أساسيين: الأول، معنوي ويتعلق بتظهير حسابات الربح والخسارة في إطار أية تسوية مفترضة. ذلك ان الغرب سيروج لقبول إيران المفترض بوقف تخصيب العشرين في المئة على انه تراجع من قبلها. بينما ستتعامل إيران مع اعتراف الغرب المرتقب بحقها في التخصيب المتدني النسبة على انه هزيمة له. الثاني، استراتيجي يرتبط بتلازم الملف النووي مع غيره من الملفات العالقة بين الجانبين. إيران تصر على حل شامل بشكل متزامن وضمن سلة واحدة، في حين ترى واشنطن وحلفاؤها ان الانتقال الى الملفات الأخرى يجب ان يكون مسبوقاً بالفراغ من هذا الملف. وفي كلا الحالتين، ثمة من التعقيدات ما يكفي من منع الوصول الى حل، سواء سلكت المفاوضات المنحى الذي تريده إيران او الذي يريده خصومها.

ثمة لدى الجانبين تمسك بسياسة الهروب الى الأمام. المفاوضات باتت لكليهما خياراً قائماً بذاته لتجنب الأسوأ البديل عنها. الغرب يعي انه سيضطر، في نهاية المطاف، الى التصعيد عبر خيارات ما بعد العقوبات التي لن تردع ايران عن خطواتها النووية. ايران، من جهتها، تدرك ان إصرارها على التخصيب لن يدفع الغربيين الى تقبل واقعها النووي. هذا رغم تأكيدها الدائم على سلمية أنشطتها النووية. غير ان الخطر النووي الإيراني، وفق حسابات هؤلاء، يرتبط بقدرة الإيرانيين على إنتاج القنبلة حتى لو لم يذهبوا الى تصنيعها، خاصة ان الانتقال من السلمي الى العسكري في هذا المجال لا يستدعي سوى مراكمة كمية للتخصيب والبلوغ به عتبة التسعين في المئة.

بالجملة، لا مفر من القول إن ملف إيران النووي سيظل يدور في حلقة مفرغة من التفاوض بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث سيتسنى لواشنطن حينذاك التعامل مع هذا الملف وفق سياسة أكثر تشدداً. في وقت لا يستبعد ان يؤدي التقارب الروسي ـ الإيراني الى ولادة نظام إقليمي جديد قد يكون التمسك بحق إيران النووي أولى أولوياته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165657

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165657 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010