الخميس 21 حزيران (يونيو) 2012

مصر بين مشهدين

الخميس 21 حزيران (يونيو) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

بصدور الإعلان الدستوري المكمل من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مساء الأحد 17 يونيو/حزيران الجاري، يكون الجانب الخفي في معادلة السياسة والحكم في مصر، أو على الأقل الجزء الأكبر منه قد تكشف بوضوح، وبالإعلان الأولي عن فوز مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية، تكون معالم المواجهة السياسية قد تحددت عناصرها بين المجلس العسكري من ناحية، و«الإخوان» من ناحية ثانية، ويبقى ميدان التحرير كطرف ثالث في إدارة الصراع بين مراكز القوى، العامل المرجح في تحديد مآل الثورة وإلى أين ستستقر.

كان السؤال الذي اعتاد المصريون على ترديده، من دون ملل طيلة الأشهر الماضية من إسقاط رأس النظام السابق هو: هل سيتخلى المجلس العسكري عن السلطة في الموعد المحدد فعلاً، وهو يوم 30 يونيو/ حزيران 2012 (الجاري)؟

كان السؤال دائما من دون إجابة، وكان هناك تشكك فعلي من جدية التزام المجلس العسكري بوعده على ضوء ثلاثة أمور أولها، ذلك التلكؤ والتردد الذي أبداه المجلس في التخلي عن السلطة بتعمد إطالة المرحلة الانتقالية التي كانت قد تحددت بستة أشهر فقط، وعندما أعلن عن موعد يوم 30 يونيو/حزيران 2012، كوعد نهائي لتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة كان ذلك اضطرارياً بعد الأحداث الدموية التي وقعت في شارعي قصر العيني أمام مجلس الوزراء ومحمد محمود وسط القاهرة وثانيها، ما أظهره المجلس من حرص على إبقاء المهمة التاريخية للثورة وهي إسقاط النظام، تأكد بالممارسة أن المجلس العسكري يميل إلى مجرد إصلاح محدود وليس مع التغيير الثوري، فقد أشرف على محاكم شكلية لأركان النظام السابق ورئيسه، ولم يفتح تحقيقاً على ما تكشف من حدوث عمليات إتلاف متعمد لأدلة اتهام الرئيس السابق ونجليه وأركان نظامه من جانب الأجهزة الأمنية (أمن الدولة والمخابرات العامة)، ولم يهتم بإصدار تشريع يتعلق بالعزل السياسي لقادة النظام السابق طيلة المدة الممتدة من فبراير/ شباط 2011 إلى يناير/ كانون الثاني 2012، أي المدة التي كان ينفرد فيها بسلطة التشريع قبل أن يتولى مجلس الشعب هذه المسؤولية.

أما السبب الثالث فهو ربما يكون الأهم، ويتعلق بأمرين، أولهما حرص المجلس العسكري على ما أصبح يعرف بـ «الخروج الآمن» من الحكم، وثانيهما يتعلق بالمزايا الخاصة بالجيش، وحرص المجلس العسكري على فرض نفسه طرفاً قوياً ومباشراً في السياسة والحكم، على غرار المؤسسة العسكرية التركية قبل أن يتولى رجب طيب أردوغان وحكومته تقليص هذا الدور، ناهيك عن المزايا المالية بعد أن أصبح الجيش مؤسسة اقتصادية تستحوذ على نحو 20% من الاقتصاد المصري حسب ما نشرته صحيفة «ذي اندبندنت» البريطانية في مدونة الكاتب نيكوس ريسنوس بالصحيفة.

وجاء نص الإعلان الدستوري المكمل ليؤكد أن المجلس العسكري لا يعتزم التخلي عن الحكم، أو على الأقل ليس مستعداً للخروج من الحكم من دون صفقة تضمن له ما يريد أن يفرضه من شروط.

فقد نص هذا الإعلان المكمل على مواد يفرض بعضها المجلس العسكري شريكاً في السلطة بعد يوم 31 يونيو/حزيران الجاري، وهو الموعد المحدد للتسليم الشامل للسلطة إلى رئيس منتخب، كما نص على مواد تفرض خصوصية للمؤسسة العسكرية في الحكم إلى حين إعلان الدستور الجديد والاستفتاء الشعبي، وهو الدستور الذي يسعى المجلس إلى أن يفرض تكريس ما يريده لنفسه من خصوصية من خلال التحكم في اختيار الأعضاء الجدد للجمعية التأسيسية للدستور.

نص الإعلان الدستوري المكمل في مادته رقم 56 مكرر، على أن يباشر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاختصاصات المنصوص عليها في البند الأول من المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس/آذار 2011، ولحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصاته. كما نص في مادته رقم 60 مكرر على أنه إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، فإن المجلس العسكري يشكل خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، أما المادة 53 مكرر فقد نصت على أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يختص بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستوري بتقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، وتعيين قادتها ومد خدمتهم، ويكون لرئيسه حتى إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، وزادت المادة 53 مكرر 2 أنه يجوز لرئيس الجمهورية في حال حدوث اضطرابات داخل البلاد تستوجب تدخل القوات المسلحة، وبعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة، وجاءت المادة 56 مكرر لتنص على أن المجلس العسكري يباشر الاختصاصات المنصوص عليها في البند 1 من المادة 56 من الإعلان الدستوري الصادر في 31 مارس/آذار 2011 لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرته لاختصاصاته.

ويبقى السؤال: كيف ستسير الأمور إذا أعلن فوز محمد مرسي رسمياً وهل سيقبل الرئيس المنتخب محمد مرسي الإعلان الدستوري المكمل الذي يحوله إلى رئيس منزوع الاختصاصات؟ وهل سيقبل الثوار والقوى السياسية بالأمر الواقع؟ وإلى أين ستسير الأمور في مصر؟

أسئلة مهمة يمكن أن تنحصر إجاباتها في مشهدين الأول مشهد صدام بين الجيش مع الرئيس الجديد والقوى السياسية إذا رفض هؤلاء الإعلان الدستوري المكمل، ومشهد التوافق بين الجيش و«الإخوان»، عندها يمكن أن يضحي «الإخوان» بمجلس الشعب من أجل تأمين نصف ثورة أو أقل من نصف ثورة عندها ستتحول الأمور إلى مواجهة بين كل القوى السياسية ضد أركان الحكم الجديد «الإخوان» والجيش.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165323

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165323 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010