السبت 2 حزيران (يونيو) 2012

مسيرة تعريب المفردات الصهيونية

السبت 2 حزيران (يونيو) 2012 par الياس سحاب

ذات يوم، في مطلع عقد السبعينيات، ولم يكن قد مرّ بعد على الاحتلال «الإسرائيلي» لبقية أجزاء فلسطين العربية سوى سنوات قليلة، تصدّر عنوان عريض صدر الصفحة الأولى لإحدى الصحف الصادرة في بيروت، يتحدث عن واقعة للاحتلال «الإسرائيلي» في مدينة «حبرون». ولم تكن «حبرون» تلك لمن حيّره الاسم وراح يسأل عن مدلوله، سوى الاسم العبري لمدينة الخليل العربية، إحدى كبريات مدن الضفة الغربية المحتلة مع القدس ورام الله ونابلس. فكأن ذلك كان مرادفاً لإيراد صحيفة عربية اسم «يوراشلايم»(أو اورشليم) بدلاً عن القدس.

لم يكن الخطأ في وقتها مقصوداً بالطبع، ولم تتجاوز المسألة حدود ضعف معلومات مدير تحرير تلك الصحيفة بجغرافية فلسطين المستقلة، وما أصابها من تحوير على يد الاحتلال في العام 1948 أولاً، ثم في العام 1967 بعد ذلك.

غير ان مرور سنوات طويلة ممتدة على الاحتلال «الإسرائيلي»، حتى الثاني، الذي تقترب في هذه الأيام ذكراه الخامسة والأربعين، قد عرف خاصة انطلاقاً من توقيع القطر العربي الأكبر مصر اتفاقية سلام مع «إسرائيل»، من دون فرض أي حل أو جزء من حل، لقضية فلسطين الأساسية، حالة من التعود العربي الرسمي بشكل عام على المصطلحات العبرية للاحتلال «الإسرائيلي»، وقد تمادت تلك الأنظمة في حالة القبول الضمني بتأسيس الكيان الصهيوني، وبكل ما نتج عنه من مفاعيل سياسية وجغرافية، وهو قبول يتحول من مجرد حالة تعود يفرضها توالي السنوات العربية العجاف، الى حالة تعود تقترب لدى بعض الأنظمة الرسمية العربية من حالة الاعتراف الرسمي، المباشر حيناً وغير المباشر حيناً آخر.

تلاطمت هذه الأفكار في ذهني، وأنا أطالع في هذه الأيام الأخبار والعناوين في مختلف الصحف العربية عن احتفال الكيان الصهيوني بـ«توحيد القدس»، الذي هو التعبير العبري عن حادثة استكمال احتلال القدس الغربية في العام 1948، باحتلال القدس الشرقية في العام 1967.

والذي يراجع السلوك السياسي للكيان الصهيوني منذ تأسيسه، يدرك تماماً أن مثل هذه المسائل لديهم تتجاوز الحدود الشكلية للتمايز اللغوي البحث، لتكون جزءاً من العقيدة السياسية للدولة والكيان. بدليل ان «إسرائيل» لم تترك أكثر من يوم واحد يمر على احتلال القسم الشرقي من القدس في حزيران 1967، حتى سارعت فوراً الى إصدار قرار بتوحيد شطري القدس، وإعلانها عاصمة أبدية لـ«إسرائيل».

في تلك الأيام الأولى، ورغم سخونة جرح الهزيمة المروعة اعتقد بعض العرب ان الأمر لا يعدو كونه نزوة «إسرائيلية» من نزوات الأجنحة المتطرفة صهيونياً.

لكننا إذا راقبنا بدقة تطور مثل هذه المسائل مع استطالة سنوات الاحتلال، على الضفتين الصهيونية والعربية، فإننا سرعان ما نجد أنفسنا أمام كابوس تاريخي يتحول مع مرور الأيام الى اعتراف عربي رسمي متدرج ومتصاعد بالجريمة الأصلية التي تمت في العام 1948، وتلك الفرعية التي استكملت في العام 1967.

طبعا، لا دولة «إسرائيل» ولا الحركة الصهيونية التي تدير شؤونها، تكتفي بالحدود التي وصلت إليه الأمور، حيث تحولت «إسرائيل»، كما احتلالها الثاني، الى حالة مقبولة لدى الأنظمة العربية، بل الى حالة محببة لدى بعض هذه الأنظمة، بل هي تطمح الى يوم تريده غير بعيد، يتحول فيه هذا القبول الوجداني لدى الأنظمة العربية، الى حالة شعبية عربية عامة، في دول الجوار العربي المباشر لفلسطين أولاً، ثم في بقية أرجاء الوطن العربي.

انه كابوس حقيقي يهدد بتحول تعريب مفردات الحركة الصهيونية من قطاف اللغة، الى نطاق الوجدان، وبتحويل نكبة العرب بفلسطين في العام 1948 الى ذكرى «قيام دولة إسرائيل»، وذكرى سقوط القدس العربية في العام 1967، الى ذكرى «توحيد القدس»، والمخيف في الأمر ان ملامح هذا الكابوس آخذة في التكون أمام عيوننا يوماً بعد يوم، وسنة بعد سنة، نشاهدها بالعين المجردة، كلما حلّت ذكرى سنوية من ذكريات نكبة فلسطين، ورأينا خريطة معلقة في أي دائرة من الدوائر الرسمية العربية، وقد حل فيها اسم «إسرائيل» محل اسم فلسطين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165480

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165480 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010