الأربعاء 30 أيار (مايو) 2012

مصر وضبابية الرؤية

الأربعاء 30 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

الآن نستطيع أن نقول إن رئيس مصر المقبل بات محصوراً في خيارين، هما أحمد شفيق ممثل النظام الذي سقط رأسه وبقي جسده، ومحمد مرسي ممثل حركة «الإخوان المسلمين»، إلا إذا كان للمحكمة الدستورية رأي آخر يصب في خانة إقرار قانون العزل السياسي، ما يعني استبعاد شفيق وصعود ممثل تيار الثورة وصاحب المركز الثالث، حمدين صباحي.

حتى الحادي عشر من يونيو/حزيران المقبل، موعد قرار المحكمة الدستورية، ينبغي التعامل مع الخيارين الأوّلين، أي شفيق ومرسي اللذين يصعب ترجيح أي منهما بسبب تداخل العوامل والتجاذبات. هذا التداخل سببه صعوبة قياس مواقف أنصار المرشحين الوازنين الذين خسروا الجولة الأولى. فهل يصوّت أنصار أبو الفتوح لممثل حركة فصلته لأنه خالف قرار تبنّته لاحقاً، وإن فعلوا هل يفعلها كلهم؟ وهل يصوّت أنصار صباحي لأحد خيارين أحلاهما مر بالنسبة إليهم فكرياً وسياسياً واجتماعياً، أم يفضّلون مقاطعة الصناديق؟

هذه الحالة تجعل الأمور ضبابية والرؤية غير واضحة في شأن أحد الخيارين. لكن ما هو واضح أنه في حال بقي هذان الخياران بقرار المحكمة الدستورية، فإن الثورة تكون قد أخرجت من المعادلة ومن عملية بناء مصر الجديدة، لأن أحد الخيارين كان النقيض الذي اشتعلت الثورة ضده، والثاني لم يكن جزءاً من الثورة التي تفرّج عليها إلى اللحظة الأخيرة، بل كان يتأرجح بين التناغم معها إعلامياً والتحاور مع النظام في الوقت ذاته.

مهما يكن من أمر، أستطيع أن أتفهم صدمة أنصار الثورة من صعود شفيق للمنافسة، وسبب ردة فعلهم الغاضبة لدرجة النزول للتظاهر، لكن في لحظة التأمل يجب أن يعود هؤلاء إلى هدوئهم، ليدركوا أن الصدمة لا مبرر لها، فعليهم أن يفهموا، هم وغيرهم من المتابعين، بأن للأنظمة دائماً أنصاراً ومؤيدين ليسوا فقط من المنتفعين والطفيليين، بل أيضاً من الناس البسطاء المتضررين، وذلك لأسباب يطول البحث فيها. ولعل التظاهرات التي حدثت بعد سقوط رأس النظام والدموع التي ذرفت على حسني مبارك، تعكس حالة إعجاب حقيقي وولاء صادق لرجل ونظام كانوا مقتنعين بهما.

أما ردة الفعل فيجب أن تكون منضبطة وطويلة النفس، فعندما يعلو شعار الديمقراطية يجب أن يقبل الجميع ما تأتي به. وإذا كنا أكثر واقعية، سنكتشف أن قليلاً من الثورات في التاريخ تلك التي أوصلت أبطالها للسلطة، فيما الكثير منها أشعلها البسطاء وقطف ثمارها أعداؤهم طبقياً وسياسياً. وإذا عدنا للثورة الكبرى في روسيا، سنجد أن قوى أخرى غير مفجريها هي من قطفت ثمارها واستلمت السلطة في فبراير/شباط 1917، واحتاج البلاشفة لمواصلة العمل في الشارع لتصحيح المسار واستكمال مسار الثورة للانتصار في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته.

صحيح أن الظروف مختلفة والزمن متغير، لكن الصحيح أيضاً أن التطابق الكامل ليس شرطاً للاستفادة من الدروس والتجارب. الشاهد التاريخي هو أن التعثّر ووجود الانتهازيين والطفيليين جزء من التجارب الثورية، وأن الديمقراطية ليست حلاً سحرياً للمشكلات، وأن صناديق الاقتراع لا تأتي دائماً بالأفضل، خاصة عندما يتم اللجوء إليها من دون تدرّج يتماشى مع نضوج الظروف، وعلى نحو أكثر خصوصية عندما يجري فرضها من الخارج، وأحياناً تحت وطأة القنبلة والسكين والديناميت. وبما أن الثورة المصرية بعيدة عن الشكل الأخطر لمسار بعض الثورات، وكونها جرت بمنتهى التحضّر والنظافة، فإن هذه الماهية وحدها كفيلة بمراكمة المفاعيل، وستأتي النتائج فيما بعد، على أن يتيقّظ المصريون لخفافيش الظلام الذين سيسعون لجر أبناء الشعب المصري لمسارات غير نظيفة، وفي مقدمها الاشتباك الطائفي باعتباره الخطر الأكبر والسلاح الأخطر بأيدي أعداء مصر والأمة. انتصار مصر على هذه الآفة يعني أنها بخير.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010