الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010

الأسئلة الحائرة حول فكّ حصار غزة

الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010 par بلال الحسن

بدأ موضوع أسطول الحرّية كقضية تخصّ عدّة سفن وبضع عشرات من الأشخاص، يتحرّكون إنسانياً نحو غزة لفكّ الحصار عنها، ولكنه تطوّر بسرعة إلى قضية دولية كبيرة أفرزت مواضيع عدّة تدور كلّها حول الموضوع الإنساني الكبير الذي يدعى غزّة.

الموضوع الأول: أنّ هناك سياسة دولية اسمها محاصرة غزّة. تقف على رأس هذه السياسة أهمّ دولة في العالم ممثّلة بالولايات المتحدة الأميركية. وتقف إلى جانبها وفي ظلّها دولة “إسرائيل” وجيشها الذي يتولّى تنفيذ سياسة الحصار حتى من خلال عمليات القتل المنظّم. وترعى هذه السياسة اللجنة الرباعية الدولية ذات الشروط المعلنة التي تتماشى مع مصالح “إسرائيل” وحدها. وفي الحصيلة فإنّ العالم الغربي كلّه، يتعاون، ويتفاعل، ويتساند، من أجل مواصلة حصار غزّة.

يستدعي الأمر هنا طرح سؤال مقلق: لماذا؟ ما هو هذا الخطر الذي تمثله غزّة، حتى يتمّ حصارها بهذا الشكل الجماعي والصارم وغير الإنسانيّ؟ والجواب نجده في كلمة واحدة هي «حماس». ليس حماس كحركة دينيّة، فهناك حركات دينيّة كثيرة ترضى عنها أميركا وتتعامل معها، ويرضى عنها الغرب ويتعامل معها. و“إسرائيل” كما هي الآن، ربّما كانت أكبر دولة دينيّة، وتطلب علناً الاعتراف بها كدولة يهوديّة، وتتعامل معها أميركا إلى حدّ التفاعل الاستراتيجي. ولكن حماس كحركة تتبنّى نهج مقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” بالسلاح، وهو ما ترفضه أميركا، وما يرفضه الغرب، حتى لو كان قرار المقاومة هذا مؤجّلاً على صعيد التنفيذ، كما هو الحال في غزّة الآن.

الولايات المتحدة الأميركية، أرادت وسعت إلى كسر إرادة المقاومة في فلسطين وفي المنطقة العربية كلّها. نجحت مع السلطة الفلسطينية في رام الله وتمّ تدمير القوّة العسكريّة لحركة فتح، وفشلت مع حركة حماس. ولذلك فهي تسعى إلى إكمال سياستها لتشمل الجميع.

الأمر الغريب هنا، أنّ سياسة ضرب المقاومة الفلسطينية، تبلورت وترسّخت في عهدي الرئيس السابق جورج بوش، وكانت جزءاً أساسيّاً من سياسة فريق المحافظين الأميركيين الجدد، الذين سعوا إلى إنشاء «الشرق الأوسط الجديد» والهيمنة عليه وعلى نفطه. وقد سقط المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأميركيّة، وجاء إلى البيت الأبيض رئيس جديد هو باراك أوباما، وأعلن أنّه يعارض سياسة المحافظين الجدد، بل ويريد علاقة صداقة مع العالم الإسلاميّ، حتى أنّه ألغى قبل أيّام شعار أنّ أميركا في حرب مع الإرهاب في العالم، واكتفى بالقول إنّ لدى أميركا سياسات تحافظ على مصالحها. ورغم ذلك، فإنّنا نجد على أرض الواقع، استمراراً أميركيّاً في سياسة المحافظين الجدد في كلّ ما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، وفي كلّ ما يتعلّق بقطاع غزّة، وفي كلّ ما يتعلّق بحركة حماس أو بأيّ حركة مماثلة لها، وكأنّ أميركا لا تزال تعتبر أنّه إذا سقطت فكرة المقاومة في غزّة، فسيفتح لها ذلك الأبواب من جديد للسيطرة على المنطقة. وربّما يكون الهدف الأميركي الآن أصغر من ذلك، ويسعى إلى إسقاط فكرة المقاومة التي لا تزال صامدة في غزّة، من أجل السيطرة على الوضع الفلسطينيّ، ومن أجل بدء العمل لإنجاز تسوية على غرار تسويات السلطة الفلسطينيّة في رام الله مع الحكومات “الإسرائيليّة” المتعاقبة، أي من أجل تسوية تبقى فيها “إسرائيل” مهيمنة على الوضع كلّه.

وحين انفجر الموقف في العالم كلّه، رفضاً وإدانة لاستمرار حصار غزّة غير الإنسانيّ والفريد من نوعه في تاريخ العالم الحديث، حيث الحصار للناس ومن أجل تجويعهم بشكل جماعيّ، لم تتراجع الولايات المتّحدة الأميركيّة، وبدأت تبحث عن مخارج دبلوماسيّة، تقدر هي عليها، بحكم كونها الدولة الأقوى في العالم. فهي الآن تريد تحقيقاً دوليّاً، ولكنّها تريد في الوقت نفسه أن يراعي هذا التحقيق مخاوف “إسرائيل” الأمنيّة. وهي تريد رفع الحصار عن غزّة، ولكنّها تريد صيغة للمراقبة والتفتيش، تفتيش سفن الإغاثة لعلّها تحتوي على أسلحة وذخائر. تبحث الولايات المتحدة الأميركية عن صيغة لرفع الحصار عن غزّة يكون وجهها الآخر إضعاف حماس، وربّما إبعادها عن السلطة.

وهنا تتقدّم إلى الواجهة قضيّة المصالحة الفلسطينيّة. فجأة يعلن محمود عباس أنّه سيرسل وفداً إلى غزّة لبحث المصالحة. وفجأة يقول أبو الغيط إنّه ينتظر قدوم حركة حماس لتوقّع على المصالحة. وفجأة يصل إلى القاهرة نائب الرئيس الأميركي (جوزيف بايدن) ليبحث مع الرئيس المصري كيفيّة معالجة شؤون المنطقة، والمقصود شؤون فكّ الحصار عن غزّة، مع أنّه هو شخصيّاً المسؤول الأميركيّ الكبير الذي دافع عن الجريمة “الإسرائيليّة” في الاعتداء على السفن، وفي قتل المدنيّين، في المياه الدوليّة.

هذه المصالحة الفلسطينيّة المنشودة تتعثّر. ولا بدّ من السؤال عن الأسباب، ويمكن إيجاز هذه الأسباب بما يلي:

هناك فريقان فلسطينيّان مختلفان ومتصارعان، والمصالحة بينهما تعني «الاتّفاق»، ولا يمكن أن تعني دعم طرف ليسيطر على الطرف الآخر. والمصالحة المعروضة تعطي للسلطة الفلسطينيّة في رام الله فرصة السيطرة على قطاع غزّة.

وهذان الفريقان شاركا في انتخابات أفرزت فوزهما معاً، إنّما فازت حماس بالأغلبية وتلتها حركة فتح. والمصالحة في ظلّ هذا الوضع تعني «المشاركة» في السلطة ولا تعني الانفراد بها. وهذا ما استوعبته جهود المصالحة التي أفرزت «اتّفاق مكة»، الذي كان في جوهره اتّفاق مشاركة بين الطرفين، بينما تغيب فكرة المشاركة عن مشاريع المصالحة الأخرى.

والمصالحة المطلوبة تتعلّق بالشأن الفلسطينيّ كلّه (وليس بمصالحة بين فصيلين فقط)، أيّ بالقضيّة السياسيّة الأساسيّة في المنطقة، والتصالح حولها يحتاج إلى مضمون سياسيّ، عنوانه الحقّ في مقاومة الاحتلال، وعنوانه منع “إسرائيل” من فرض شروطها على الفلسطينيّين. وهذا المضمون السياسيّ غائب عن أوراق المصالحة الفلسطينيّة المعروضة.

ولذلك، فإنّ العودة إلى البحث في هذا الموضوع من جديد، وبعد هذا النشاط الدوليّ العارم، لا يمكن أن يكون عودة إلى الوراء، بل لا بدّ أن يكون خطوة إلى الأمام، ومن خلال: مفهوم أميركيّ جديد للتعامل مع الوضع كلّه. ومفهوم “إسرائيلي” جديد مستعدّ للتحقيق الدوليّ، ومستعدّ لتحمّل نتائج جريمته. ومفهوم عربيّ جديد للمصالحة يشكّل دعماً للفلسطينيّين في مواجهة تبعات قضيّتهم، ولا يختصر نفسه بالسعي لنصرة فريق ضدّ آخر.

ولأنّ القوى العربية الفاعلة ترفض التعامل الصريح مع هذه القضايا الثلاث، يبدو دورها باهتاً، بينما يتقدّم الدور التركيّ إلى الواجهة، مهما كانت أسبابه ودوافعه واحتمالات تطوّره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010