الاثنين 28 أيار (مايو) 2012

الكتّاب، الجوائز، والتطبيع

الاثنين 28 أيار (مايو) 2012 par د. حياة الحويك عطية

عبر التاريخ كان أسوأ ما ينعت به كاتب انه كاتب السلطة وأكثر ما يشرفه مواجهته لها، من سقراط الى ابن المقفع الى لوركا. فكيف بنا إذ يصبح البعض كتّاب سلطات الاحتلال. وللتاريخ والعدل تجب الإشارة الى ان الكتّاب، كبارهم، ظلّوا على امتداد العالم العربي أوفياء لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، انسجاماً مع التزام وطني قومي من جهة ومع التزام إنساني لا يسمح لمن يطرح نفسه كضمير للأمة وللإنسان - أية أمة وأي إنسان - ان يقف الى جانب الظلم والاغتصاب والعدوان والعنصرية في أبشع صورها.

هكذا شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة حدثين دالّين على الساحة الثقافية : رفض مجموعة من الكاتبات العربيات المشاركة في كتاب مشترك مع الكاتبات «الإسرائيليات»، حيث بدا ان مهندسي التطبيع اختاروا هذه المرة العنوان الخطأ، فليست أي من هؤلاء المبدعات تلك التي عملت سمسارة لاجتذاب كتاب عرب للمشاركة في كتاب عن مدن «الشرق الأوسط» مع كتاب «إسرائيليين» يهود يكتبون عن مدن فلسطينية باعتبارها مدن «إسرائيل».

ويبدو ان السمسار الجديد وهو «مركز دراسات الشرق الأوسط»، في جامعة تكساس، أوستن استسهل خداع مجموعة من الكاتبات (خزامى حبايب، رضوى عاشور، أمل مختار، هيفاء زنكنة، ليلى الجهني، منيرة الغدير، غادة السمان، هدية حسين، اميلي نصرالله، اثيل عدنان، ليلى ابو زيد، وابتهال سالم) بحجة إصدار مجموعة قصصية مترجمة لكاتبات من «الشرق الأوسط»، غير ان تنبه خزامى حبايب لمجموعة الأسماء المطروحة واكتشافها لوجود كاتبتين «إسرائيليتين» على القائمة، وتعميمها الأمر على الأخريات، افسد الخطة ودارت معركة حادة نجحت فيها الكاتبات في سحب قصصهن بعد التهديد بالمقاضاة.

فشل الرهان الذي اعتاد سماسرة التطبيع المراهنة عليه وهو طمع كاتب بما يمكن ان يفتحه له التطبيع من ترجمة وتسويق واستضافات وجوائز وتنفيعات من أبواب السفارات والدوائر الإعلامية والتمويلية في الغرب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية اللعب على وتر عقد معينة، عرقية او مذهبية او جنسوية. خاصة وان أي خبير في علم النفس يعرف ان أفضل حقول السقوط هي تلك التي تنطلق من عقد او من صغر أمام المال والشهرة.

بالمقابل كان جزائري يسمي نفسه شاعراً، يدعى بوعالم صنصال، يحتال على القانون الذي يحظر السفر الى «إسرائيل» في بلاده، ويسافر الى فرنسا ومنها يأخذ تأشيرة الى «إسرائيل»، ليعود فيكتب مقالاً طويلاً يتغزل فيه بهذه التجربة الفريدة، بالبلاد الجميلة البهية، بالتعايش النموذجي بين المسلمين واليهود، بالأيام الحلوة التي قضاها مع زملائه هناك وبالوعد الذي قطعوه على أنفسهم باللقاء بعد عام.

غير انه يتباهى بأنه الوحيد الذي كان بإمكانه ان يزور حائط المبكى والحرم القدسي معاً، حيث كان حراس الحرم يمنعون دخول اليهود ويتحسسون من أي جواز أجنبي، إلا أنهم عندما رأوا جوازه الأخضر - على حد تعبيره - رحبوا به واستقبلوه بحفاوة غير عادية.

في هذه الفقرة وحدها دلالة على ان هذا الكاتب ليس كاتباً، لأن محدودية ثقافته وفهمه للأمور لم تجعله يفهم لماذا يحتفي الفلسطينيون بالجواز الجزائري، لم يفهم ان الجزائر بالنسبة لهم هي ارض الثورة والشهداء والانتصار على الاحتلال الأوروبي بعد مئة وثلاثين سنة من تمكنه، ومن فرنسته للجزائر كما تهويد فلسطين. هذا الانتصار الذي يوحي لهم بحتمية الأمل بالخلاص من الاحتلال «الإسرائيلي».

في تعليق لها على المقال، تقول صديقة جزائرية أرسلته لي: نعرف ان استوديوهات التلفزيونات الفرنسية وربما العمالية ستنفتح له، وكذلك دور النشر وربما عقود النشر إذا أراد ان يصبح ناشراً. غير ان أخرى ترد عليها بأن هذا قد حصل، حيث يقول الكاتب في نهاية مقاله المعنون : «ذهبت الى «إسرائيل» وعدت غنياً وسعيداً» انه كان سعيداً برفقة الكاتب اليهودي دافيد كروسمان، الذي يحمل مثله جائزة السلام التي يمنحها النشارون الألمان، الأول عام 2009 والثاني عام 2011.

هي قصة الإغراءات... من الترجمة، الى مراكز الدراسات، الى الحركات النسوية، الى الجوائز، والحبل على الجرار...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2178702

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2178702 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40